الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
أمريكا تريد إيران أم ملالي إيران؟ (2)
غسان المفلح

حاولت في القسم الأول من هذه المادة طرح الأسئلة حول إصرار الإدارة الأمريكية على التعامل الخاص مع الملف الإيراني، وتبيان إلى أي مدى أمريكا، الحزب الديمقراطي، تريد العودة للاتفاق النووي مع الملالي في طهران. هنالك تصريحات مسؤولي حرب أمريكيين" أنهم غير قادرين على مواجهة إيران". حديث الجنرالات الأمريكان عن عدم قدرة أمريكا على مواجهة الهجمات الإيرانية بالصواريخ الباليستية و"الدرونات" إذا انطلقت من دول متعددة في الإقليم تتبع لإيران، نقلاً عن قناة العربية، هذه التصريحات من شأنها إحراج رأي الجمهوريين في الكونغرس بالدرجة الأولى وتسويق أنّ الملالي أقوياء. ملالي إيران


تكشف الوثائق البريطانية عن الخلافات الأمريكية البريطانية إبان الحرب بين إيران والعراق 1980-1988، حيث كانت بريطانيا، بشكل ما، وكما توضح الوثائق، مع انتصار إيران في الحرب، أو وقفها دون منتصر كحدّ أدنى. بينما حاولت أمريكا، وفقاً لتلك الوثائق، توجيه ضربة عسكرية لإيران لتجبرها على وقف الحرب، خاصة بعد احتلال إيران لجزيرة الفاو العراقية.


وتشير المعطيات إلى قيام فرنسا، آنذاك، بتزويد العراق بأحدث الطائرات العسكرية، ميراج 1 وسوبر اتندار والغازيل، إضافة إلى صواريخ أرض جو AS-30 وصواريخ HOT-3 مضادة للدبابات. هذه كلها كان لها دور في إنهاء الحرب كما انتهت عليه، بشكل عام، حينها كان الموقف الأمريكي أقرب للموقف الفرنسي الداعم لنظام صدام، كان يريد هزيمة إيران، لكن أغلب حلفائه الأوروبيين والسوفييت أيضاً، كانوا أقرب لإنهاء الحرب دون منتصر، كقاسم مشترك بين هذه الأطراف.


ومن جهة أخرى، رفضت دول الخليج كما تصرّح الوثائق، أن تساهم في توجيه ضربة لإيران. هذا الرفض الخليجي وضع الإدارة الأمريكية أمام استحقاق داخلي، لتمويل أي عمل عسكري ضد إيران، وهذا ما لم تحوزه إدارة رونالد ريغان، باعتبارها كانت في نهاية ولايتها الثانية، عندما أرادت توجيه ضربة عسكرية لإيران. كما تشير الوثائق البريطانية أنّ بريطانيا كانت من أكثر الدول دعماً لإيران. هذا الرفض الخليجي باعتقادي أن الأمريكان لم ينسوه، خاصة أركان الحزب الجمهوري.


إضافة لواقعة احتلال صدام للكويت، أركان الحزب الجمهوري هم من سلموا العراق لإيران بعد أن احتلوه عام 2003، بقيادة جورج بوش الابن. أحداث سبتمبر وتفجير مبنى التجارة العالمي في نيويورك 2001، أرادها الأمريكان والحزب الجمهوري لحظة فاصلة في التاريخ العالمي. حيث قرروا تغيير معادلات كثيرة منها، كيف يمكن احتواء النظام الإيراني من جهة، والدخول معه بمساومة طويلة الأجل، لأنّ هذه الإدارة قررت احتلال العراق وأفغانستان، ثم إخراج دول الخليج من المعادلة العراقية، وأفغانستان، ولبنان، وغيرها. لكن هذا التغير يحتاج إلى زمن وحسابات من نوع مختلف. هنا لابد من الحديث عن تغير مواقف الدول من سلطة الملالي في طهران، حيث مر عقدان من الزمن منذ إسقاط الشاه وحتى أحداث سبتمبر 2001، كان الأمريكان يريدون طرد السوفييت من أفغانستان، ثم ما أعقبه من خضة عالمية بسقوط المعسكر الشرقي 1990، وانتصار المعسكر الغربي بعد سقوط جدار برلين 9 نوفمبر 1989، وإعادة صياغة العالم بناء على هذا المعطى النوعي.


إعادة الصياغة هذه، وما رافقها من متغير في 11 سبتمبر 2001، جعلت اللوحة الدولية عموماً والشرق أوسطية خصوصاً في حالة هيجان وتوتر دائم.


هذا الانعطاف الذي توّج باحتلال العراق وأفغانستان بالتنسيق مع إيران، حيث أعطى نموذجاً لزبائنية نظام الملالي أمريكياً، وتحول من عدو محتمل إلى شريك في المنطقة. شريك يراد تطويعه واحتواءه. هنا يمكننا التوقف عند تغير أمريكي طارئ، بعد أن استتب العالم أمريكياً بالحد الأدنى. إن أمريكا لن تعيد الكرة مرة أخرى بدعم نماذج، كالنمور السبعة في آسيا أو باكستان أو تركيا، لن تطبقه في إيران.


لهذا دخلنا في نفق تأهيل نظام الملالي أمريكياً، دون أي تغيير على طبيعة النظام السياسي، كما حدث سابقاً في تركيا مثلاً، أو حتى دون تغيير في تحويل إيران إلى قوة اقتصادية منافسة. سقفه أمريكياً نظام زبائني متوتر وموتر للمنطقة دوماً. يضاف إلى قائمة السلطات العربية الفاشلة. هنالك أدلة كثيرة على ما نقول لكن أهمها: الدور الإيراني بعد الربيع العربي وتوكيل أوباما له في اختراق سوريا واليمن لمصلحة أمريكية إيرانية مشتركة. الاتفاق النووي هو تأهيل شرطي قاتل وليس مساعدة شعب إيران. الدليل الثاني وقوف إدارة أوباما وبعدها إدارة ترامب ضد الانتفاضات التي قام بها الشعب الإيراني ضد نظام الملالي. هذه الزبائنية هي ما ترفضها إسرائيل. إسرائيل أيضا تريد تطويع هذه الزبائنية لمصلحتها.


أيضا إسرائيل تتشارك مع إيران وروسيا في سوريا بدعم الأسد. من جهة أخرى، السوق الإيراني سوق مربح وما يزال أمريكياً بكراً. كيف ستتقاسمه أمريكا مع حلفائها من جهة، ومع روسيا والصين من جهة أخرى؟ استعداد الملالي للقتل في كل دول المنطقة، هذا أمر تريده أمريكا لمصلحتها وضمن مجالها الأمني. حضور الملالي في بعض دول المنطقة هو حضور من أجل إقامة فرع لولاية الفقيه.


فرع يأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل بلد على حدة، ما عدا سوريا. لهذا إيران دخلت سوريا ولن تخرج، وبموافقة أمريكية مستمرة. بغض النظر عادت أمريكا بايدن للاتفاق النووي أم لم تعد، هذه المعادلة لن تتغير، أقله في المدى المنظور. الاتفاق النووي هو إيجاد صيغة احتواء أمريكية متوسطة المدى على الأقل مع الوضع الإيراني واستطالاته.


لهذا أمريكا تريد في إيران مشروع الملالي. لكن هذه المرة لن تستفيد أوروبا، وخاصة فرنسا وألمانيا وبريطانيا وروسيا، من عودة الاتفاق كما استفادت من الاتفاق الأول بصيغته الأوبامية. هذه المرة الحبكة الأوروبية لن تمر. ملالي إيران


غسان المفلح


ليفانت - غسان المفلح ليفانت 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!