الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
أين الأولويات القومية والوطنية في هذا الخطاب؟
صلاح بدر الدين


توالت التصريحات بالآونة الأخيرة عن عدد من قياديي ومسؤولي الهيئة التنفيذية في “مجلس سوريا الديمقراطية”، وهم في الوقت ذاته يشغلون مواقع مسؤولة في (ب ي د) والمسميات الأخرى العسكرية منها والمدنية، التي تتبع لمنظومة (ب ك ك) والعاملة بسوريا، تؤكد على توجههم “نحو عقد ملتقى حواري أو مؤتمر يجمع بين كافة أبناء إقليمي الجزيرة والفرات، هدفه تعزيز الإدارة الذاتية، والبدء بعقد ندوات حوارية لممثلي الشعب وأبنائه من المثقفين والأكاديميين ورؤساء وشيوخ العشائر، من أجل تعزيز العيش المشترك وأخوة الشعوب ووحدة مصيرها، في خطوة جديدة لتعزيز وترسيخ الحوار السوري بين أبناء المنطقة، بعد ما شهدته من تطورات سياسية مؤخراً من أجل الدعوة إلى مؤتمر حواري موسع سيعقد في الفترة المقبلة بين أبناء منطقة شمال وشرق سوريا”. 


الإدارة الذاتية عندما تشكلت كان لها داعمون ومؤيدون كثر وما تزال، لكن هناك فئة غير منضوية ضمن هذه الإدارات، أي أنّها غير ممثلة، سواء كانت قسماً من العشائر، أو شخصيات تكنوقراطية، أو أحزاباً وكتلاً سياسية، منها موالية للنظام السوري، ومنها للائتلاف، أو مستقلّون غير مرتبطين بأية أحزاب وتكتلات سياسية.


بعد هذه الملتقيات والندوات المصغرة، سنعمل على تنظيم اجتماع موسع على مستوى إقليمي الفرات والجزيرة، ستصدر عن هذا الاجتماع الكبير، وهو المؤتمر الذي سيتجاوز الآلاف وسيكونون من ممثلي المنطقة. 


بداية ليس هناك أي وطني سوري محب لشعبه ووطنه، ومخلص لمبادئ ثورت،ه وملتزم بأهداف الحركة الوطنية الديموقراطية السورية والكردية، يقف ضد مساعي التفاهم والتحاور السلمي والتعاون والعيش المشترك بين كل المكونات والأطياف، إن كان على الصعيد الوطني العام أو في المحافظات والمناطق والمدن والأرياف أي من أصغر قرية وحتى العاصمة، ولكن علينا بالوقت ذاته الإحاطة بكل حالة في هذا المجال وبكل الدعوات التي تطلقها جهات عديدة، ومن منطلقات مختلفة، بين الحين والآخر، وسبر أغوارها ومناقشة الدوافع والأهداف القريبة والبعيدة، ومدى فائدتها من المنظورين القومي والوطني، حتى يكون التقييم سليماً والحكم عادلاً على المقدمات والنتائج المترتبة.


الأمر الآخر، وكنصيحة أقولها لحاملي المسؤوليات المزدوجة وأكثر من قيادات كل المسميات المؤطرة في منظومة (ب ك ك) بسوريا، أن يزيلوا الأقنعة ويكتفوا فقط بكمامات (الكورونا)، ويحدّد كل واحد منها مسؤوليته الحقيقية، كما هي، حتى لا تختلط الأمور، وحتى نتمكّن من مناقشة ما يذاع ويطرح ويصرّح به، وهل ما ينشر بأسماء تحت تعريفات غريبة يمثّل السياسة الرسمية أم لا؟ فمثلاً قائد أو مسؤول في (ب ي د)، وفي الإدارة الذاتية وفي القوات العسكرية والأسايش والمجالس والهيئات التي تعدّ بالعشرات، يصدر تصريحاً باسم “قوات سوريا الديموقراطية”، فكيف يمكن للمتابع أن يحسبه؟ إنّه أمر يدعو للدهشة، سلطة تحكم علناً وقادتها يوحون أنّهم في ظروف السريّة.


مناقشة لأهم البنود الواردة في هذه التصريحات المنشورة بوسائل الإعلام:


أولاً– التوجّه لعقد الندوات واللقاءات التي ستختتم بمؤتمر يضم (الآلاف)، هدفه واضح وصريح ومعلن، وهو “تعزيز الإدارة الذاتية”، وبعبارة أوضح توجيه مواطني تلك المناطق المحددة للسير وراء سياسات سلطة الأمر الواقع ومن يقودها، أي (ب ي د) الذي يأتمر بتوجيهات مركز قنديل والقيادة العسكرية ل (ب ك ك) حتى هذه اللحظة، بالرغم من تسرّب أخبار غير مؤكدة عن النية في فك الارتباط أو الافتراق.


وهكذا فإنّ التوجّه الأخير، كما ذكرنا، يتعلّق خصوصاً بتعزيز مواقع المنظومة الحزبية المستولية على المقدرات، وليس من أجل توحيد الحركة الكردية السورية، أو إسقاط نظام الاستبداد، أو إعادة بناء جسور بين الحركة الكردية والحركة الديموقراطية السورية المعارضة، أو إزالة أسباب التوتر وتحسين العلاقات مع مؤسسات إقليم كردستان العراق الشرعية، هذه الأهداف والطموحات هي مايسعى شعبنا من الكرد والسوريين عموماً لتحقيقها، وبالنهاية مايتم الدعوة إليه عبارة عن أجندة حزبية صرفة، كاستمرارية واستكمال لمقترح القائد العام “لقسد” عندما طرح مقترحه العتيد الغامض حول “وحدة الصف”، من خلال اتفاق الأحزاب الثلاثين المعروفة بضعفها وعدم تمثيلها حتى بالحد الأدنى للشارع الوطني الكردي السوري. 


ثانياً– إذا كانت “الإدارة الذاتية” لاتعبّر عن رؤى وطموحات ومواقف جميع الأطياف الكردية، وخصوصاً الوطنيين المستقلين وهم الغالبية في الساحة الكردية السورية، هذه الحقيقة تتجاهلها الأحزاب جمعاء، وكذلك المعارضون لنهجها من تيارات سياسية وفئات مثقفة من الشباب والمرأة، وإذا كانت لم تحقّق حتّى الآن مقترح “القائد العام”، بإبرام نوع من الاتفاق بين الأحزاب وهو من أسهل الأمور، وإذا كانت لاتمثّل أهلنا بمنطقة عفرين بأكملها “وهي متهمة من أوساط عديدة بخسارتها”، وكذلك تجمعات المهجرين والنازحين في كردستان العراق وتركيا، وهؤلاء قد يبلغون أكثر من مليون، فكيف يمكنها التحاور باسم الكرد السوريين مع مكونات المنطقة في الرقة ودير الزور والطبقة وهم من العرب، أو مواصلة التواصل مع النظام باسم الكرد، اذا كانت “الإدارة الذاتية” تسعى فعلاً إلى الاتفاق والمصالحة والعمل الوطني، فالأولوية للاتفاق الكردي_الكردي ،ولا أقصد اتفاق الأحزاب والتنظيمات (الفضائية) لأغراض دعائية عابرة، واستجابة لمصالح خارجية معروفة، بل العمل على إعادة بناء الحركة الوطنية الكردية، بتشكيل لجنة تحضيرية نزيهة من غالبية مستقلة، للإعداد لعقد المؤتمر الكردي السوري أولاً، الذي سيمثّل الشعب الكردي المنتمي إلى المنطقة المتعارف عليها في وثائق الحركة الكردية، منذ نشوئها بجزء من كردستان التاريخية الذي أصبح ضمن سوريا الراهنة من دون إرادة لا السوريين ولا الكرد، بعد اتفاقيات ومعاهدات وقرارات دولية، وبينها اتفاقية سايكس – بيكو ١٩١٦، بالدولة السورية أو المناطق الكردية وليست التسميات الغريبة والفضفاضة المخترعة حديثاً، والتي يمكن أن تفسر بالشيء ونقيضه بآن واحد، والمستخدمة بإعلام (ب ك ك) فقط مثل “روزآفا” أو “شمال شرق سوريا” التي تثير الارتياب، ليس كردياً فحسب، بل من جانب المكونات العربية والمسيحية بتلك المحافظات.


ثالثاً– إذا كانت “الإدارة الذاتية” طامحة (وهو حق مشروع) في علم السياسة، في تطويع أو جلب أو إغراء أطراف ومجموعات سياسية كردية وعربية مناوئة لها، فلا أعتقد أنّ وسائلها المتبعة أو المنشودة ستكون مساعدة لذلك، وقد أشرنا الطريقة الأسلم كردياً وهو المؤتمر الجامع بالآليات الديموقراطية، أما على الصعيد الوطني فعليها مخاطبة الآخر السوري المقابل بلغة النقد الذاتي والاعتراف بخطيئة قيادتها الحزبية، عندما اتفقت مع نظام الاستبداد منذ بداية الثورة السورية، وجلبت مسلحيها عبر عملية التسليم والاستلام، وأصبحت جزءاً عسكرياً أمنياً سياسياً في صف النظام وضد الثورة السورية، بحسب الوقائع والقرائن المتوفرة، كما عليها الاعتذار، إن شاءت، وقطع الصلة كلياً مع النظام وإزالة كل الآثار المترتبة، أو أن تعلن بكل شفافية أنّها تراهن على هذا النظام، وترى أنّه مؤهل للاستمرار ولحل القضايا الوطنية، ومن ضمنها القضية الكردية. 


رابعاً– أما طموح “الإدارة الذاتية” المبالغ فيه إلى درجة التمنيات الخيالية، بالتحول إلى مركز استقطاب للقوى السياسية السورية باجتماعها حولها والاستفادة من تجربتها الفذة، واختيارها قدوة لبناء سوريا الجديدة، فلا شك أنّها نوع من المزاح الثقيل، فنحن بالحركة الكردية ومعظم الوطنيين السوريين المعارضين لم ننسَ بعد من استقبل السيد أوجلان في منزله منذ نحو ثلاثة عقود، ومن منحه المكان والإمكانيات والأمن والأمان وحرية الحركة، ومن أخضع له ولحزبه مجموعة من الكرد السوريين وتوجيههم نحو خارج الحدود، على حساب نسيان قضيتهم الأساسية في الداخل السوري، ألم تكن عائلة الأسد وحزب البعث ونظام الاستبداد؟.


وبسياق متصل في سبيل المقارنة، في كردستان العراق تحوّلت الحركة الكردية إلى مركز استقطاب كل المعارضة العراقية بكل أطيافها، لأنّها واجهت وقاومت الحكومات والأنظمة القمعية الدكتاتورية منذ قيام الدولة العراقية، وقبلها الاستعمار البريطاني، ورفعت شعار الديموقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان، منذ ثورة أيلول ١٩٦١، وخاضت تجارب جبهوية على المستوين الكردستاني والعراقي، وشاركت بكل قوة وفعالية بثلاث مؤتمرات للمعارضة قبل إسقاط النظام وهي مؤتمرات: لندن وبيروت ومصيف صلاح الدين.


خامساً– نعم باستطاعة “الإدارة الذاتية” أن تجمع الآلاف، وقد جمعتهم في مناسبات عديدة، وتصدر باسمهم بياناً ختامياً جاهزاً بعبارات منمقة، يذاع عبر الفضائيات، ويعقد بأرقى الصالات وبالمال الأمريكي، وحراسة طائراته في هذا الوقت الضائع الأمريكي، عشية الانتخابات الرئاسية، وخدمة للإدارة الحالية، وهو أمر مفهوم، ولكن ماذا لو تغيّرت الأحوال والسياسات في أمريكا والمنطقة، من سيتابع التوصيات والقرارات؟ ومن سيؤمن الغطاء الجوي والمالي؟ أعتقد أنّ العودة إلى الشعب هو الخيار الأسلم عبر مسار المؤتمر الكردي السوري الجامع، ومن الآن، وهو الطريق الوحيد لإنقاذ كل من تورّط أو مارس أعمالاً غير مستحبة ضد وطنه وشعبه وقضيته، ومن ثم تحقيق المصالحة العامة قومياً ووطنياً حتى يتم إنقاذ مايمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.


وفي هذا السياق، أتوجه للمرة الألف إلى الحريصين والعقلاء بين كل الجماعات، لاختيار اللحظة الراهنة المناسبة التي قد لا تتكرر، وأن يقطعوا الطريق على أصحاب المصالح الخاصة والمواقف المترددة، الذين يتوزعون في صفوف الإدارة الذاتية و(ب ي د) وأحزاب “الأنكسي” وباقي أحزاب التهريج وتكملة العدد، وكذلك أيتام منصورة، وذلك بالتجاوب مع نداءات المخلصين في إعادة بناء حركتنا، خدمة لشعبنا وحرصاً على الجيل الناشئ الجديد ومستقبله، خاصة وأنّنا مع بقية شعوب العالم نعيش مرحلة انتقالية غير معلومة العواقب، على الصعد الصحية والاقتصادية والاجتماعية والحياتية.


ليفانت_ صلاح بدر الدين  








 




كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!