-
إشارة المرور صفراء.. الجيش التركي يتحرّك
حاول أردوغان مراراً وتكراراً فرض منطقة آمنة على حدوده مع سوريا بعرض ٣٢ كم وفقاً للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة (المتعلق بحق الدفاع البعيد)، لكون الدولة الجارة دولة فاشلة وتسيطر على الحدود منظمات منفلتة يعتبرها التركي إرهابية تهدد أمنه القومي، باستعراضه للتاريخ الدموي الطويل بينه وبين منظمة الـ ب ك ك (من وجهة نظره)، لكنه اصطدم على الدوام بضوء أحمر أمريكي شرق الفرات، وروسي غرب الفرات، بحسب تفاهمات روسيا وأمريكا وتقاسمهما للنفوذ والسيطرة الجوية بينهما ومع إسرائيل.
وقد استطاع سابقاً انتزاع شرعية سيطرته على مناطق غرب الفرات من روسيا بواسطة صفقات تسليم لمناطق أخرى من سوريا تسيطر عليها المعارضة (التي تعمل بأمرته)، وفق تفاهمات سوتشي ومسار أستانا، فقد سلم حلب مقابل جرابلس والباب، وعفرين مقابل ريف حماه وسراقب، وبقت تل رفعت ومنبج بحراسة روسية رغم وعودها بتسليمها له مقابل طريق M4 & M5، بينما استطاع بصعوبة الحصول على سكوت أمريكي لعمليته شرق الفرات للسيطرة على رأس العين وتل أبيض، في محاولة للأمريكي لكبح جنوح تركيا باتجاه روسيا وطلب السلاح منها ودخولها في تحالفات أوراسية طويلة المدى وشديدة الخطر على توازنات الشرق الأوسط.
اليوم كلا الطرفين، الروسي والأمريكي، بحاجة لاسترضاء التركي بسبب الحرب الساخنة في أوكرانيا، لذلك وجد أردوغان الفرصة مناسبة لقضم المزيد من المناطق دون الاصطدام بضوء أحمر روسي أو أمريكي، وعليه قرر مجلس الأمن التركي توسيع العمليات العسكرية داخل الأراضي السورية بعد تطمين النظام وروسيا بأنه يحترم وحدة واستقلال سوريا ويسعى معهما لحل شامل عبر مسار جنيف عندما أصر على الائتلاف لكي يمضي قدماً دون تردد في تقديم التنازلات السياسية المطلوبة من قبل النظام، وبشكل خاص عندما قام بتعيين مندوبي النظام ومخبريه في قيادة وفد التفاوض الذي يمثل المعارضة، كجهة وحيدة معترف بها دولياً، وفق المبعوث الدولي ومسار جنيف.
لا يمانع النظام السوري من عملية عسكرية ضد قسد طالما أن قسد تعتبر أداة أمريكية وتسيطر على ثروات سوريا الهامة، فإضعاف قسد هو إضعاف للنفوذ الأمريكي، وبنفس الوقت عامل يدفعها لكي تقبل بتسوية مع النظام، ما تزال حتى اليوم تمتنع عن إبرامها بسبب الفيتو الأمريكي، وبسبب العملية العسكرية التركية قد تجد قسد مبررات أكبر قد تكون كافية لتجاهل هذا الفيتو الأمريكي، عندما تسكت أمريكا عن عمليات الجيش التركي ضدها، وهذا ما أشار إليه الأمريكي عندما أكد أن في سوريا له عدو واحد هو داعش، لا النظام ولا تركيا ولا إيران ولا روسيا، فهذا ضوء أصفر عبر عنه بمجرد تحذير شكلي من عمليات عسكرية جديدة، لكن مبررات قسد لتوقيع تفاهمها المتشوقة له مع النظام لن تكون كافية إذا كانت العملية العسكرية التركية محدودة ولم تمتد للمناطق الكردية في محافظة القامشلي.
سيتقدم الجيش التركي بحذر شرق وغرب الفرات وسيرصد ردود الفعل الروسية والأمريكية، وسيستمر طالما إشارة المرور صفراء، لكنه يعيد حساباته عندما تضيء أمريكا أو روسيا الضوء الأحمر، وهذا غير متوقع قريباً، بانتظار استكمال انضمام فنلندا والسويد للناتو، والذي سيسعى التركي والروسي لتأخيره ما أمكن، وطلباته من هذه الدول ليست ذات أهمية بقدر ما هي ذريعة لابتزاز أمريكا والغرب، وفرض شروطه كحليف لهم في وجه روسيا، لكن من دون المشاركة في العمليات ضدها، ومع الاحتفاظ بمسافة وبخطوط مع الروس كخيار ثان، فموقف تركيا التوسطي سيستمر لأنه يعطيها قوة ونفوذاً أكبر، وهو ما سيحافظ على الضوء الأصفر.
الكرد سيحاولون المقاومة والمبالغة في القتال في البداية لجلب الانتباه، لكنهم عندما يفشلون في تغيير لون الضوء، سوف يقومون بتراجعات تكتيكية، فروح القتال خارج مناطقهم، أي في حاضنة اجتماعية مضادة، لن تكون كتلك التي يدافعون بها عن قراهم، ناهيك عن أن التركي قد جهز فريقاً كردياً بديلاً عن الـ ب ي د، يضاف إلى ذلك تحول قسد باتجاه البزنس وانتشار الفساد فيها، أيضاً الجيش التركي لن يكون مقداماً في معركة خارج حدوده لا هدف لها، ولا الجيش الوطني المرتزق سيقاتل بشراسة في مناطق لا يسيطر عليها النظام، وهو أيضاً غير معني بالأهداف التركية، لذلك نتوقع أن تكون الحرب إعلامية ومسرحية وليست حرباً حقيقية، سوف يحسمها التفوق الجوي المطلق للتركي طالما أن الأمريكان والروس استمروا بالمراقبة، ستتراجع قسد وتحتفظ بمناطق ومساحات تفوق كثيراً حجم حاضنتها الاجتماعية، بينما ستتقدم تركيا قليلاً في شمال حلب وعين عرب وستتوقف المعارك من دون نتائج سياسية تذكر.
دماء مجانية سوف تسفك ودمار سوف يتوسع من دون أي فائدة للقضية السورية، فجميع المتدخلين والمحتلين سيزدادون تمسكاً بفكرة عدم الحل طالما لديهم قسم من الكعكة يتمتعون بمضغها.
ليفانت - كمال اللبواني
قد تحب أيضا
كاريكاتير
قطر تغلق مكاتب حماس
- November 11, 2024
قطر تغلق مكاتب حماس
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!