-
ابتسموا "عشان الصورة تطلع حلوة"
طبعاً دون أن يفوتنا ذكر أزمة الكهرباء والوقود غير المسبوقة في مناطق سيطرة النظام، إضافة إلى انعدام الأمن الغذائي بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية المختلفة بوتيرة متسارعة تصل إلى 1.5% يومياً و10.5% أسبوعياً. لا شك هذا الأمر لا يعدو كونه نتيجة طبيعية لسوء إدارة الحكومة السورية التي أدخلت ميزانيتها والمواطن في معادلة صفرية أو قلْ معادلة يخسر فيها الطرفان.
ووسط هذه الظروف الكارثية، وعلى الرغم من الموقف المعلن لوزير الخارجية الإماراتي "عبد الله بن زايد" الذي طالب بشار الأسد بالتنحي وترك السلطة خلال ما عرف بمؤتمر أصدقاء سوريا بداية الحرب، يقوم اليوم بزيارة دمشق للمرة الأولى منذ عام 2011. وفي الحقيقة بدا اللقاء التاريخي براقاً وأقرب إلى المثالية وكأنّ شيئاً لم يكن، إذ تباحث الطرفان العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تطوير التعاون في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك. وبينما أكد الأسد على "العلاقات الأخوية الوثيقة التي تجمع البلدين منذ أيام الراحل الشيخ "زايد بن سلطان آل نهيان"، من جهته، شدّد وزير الخارجية الإماراتي، على "دعم الإمارات جهود الاستقرار في سوريا"، معتبراً أنّ "ما حدث أثّر في كل الدول العربية"، معرباً عن "ثقته بأنّ سوريا بقيادة الرئيس الأسد وجهود شعبها قادرة على تجاوز التحديات التي فرضتها الحرب.
من الواضح أنّ ثمّة انقلاب سياسي عربي يلوح في الأفق سيعزز شرعية النظام السوري، إذ تأتي هذه التحركات الدبلوماسية قبل القمة العربية التي تستضيفها الجزائر، في مارس/ آذار المقبل. جديرٌ ذكره أنّ جامعة الدول العربية علّقت عضوية سوريا منذ اندلاع النزاع فيها، وقطعت حينها دول عدّة علاقاتها مع دمشق، بينها الإمارات، فيما أبقت أخرى، كالأردن، على اتصالاتٍ محدودة بين الطرفين. وشكّلت سلطنة عمان استثناء بين الدول الخليجية. وبوادر الانفتاح ظهرت مذ أُعيد فتح السفارتين الإماراتية والبحرينية عام 2018 في دمشق، واعتبرت هذه البوادر تغيراً كبيراً في السياسية الخليجية تجاه سوريا، وكانت من بين أول المؤشرات على تطبيع أكثر شمولاً. وتُعدّ الإمارات أحد أهم الشركاء التجاريين لسوريا، وتأتي في المرتبة الأولى عربياً والثالثة عالمياً بالنسبة لحجم التجارة معها، وتشير بيانات وزارة الاقتصاد الإماراتية إلى أنّ حجم التداول التجاري غير النفطي بين الإمارات وسوريا بلغ (مليار درهم) عام 2021. لذا لم يشكل التناقض الذي تشهده سياسية البلدين تجاه إسرائيل أي عائق بالنسبة للنظام السوري البراغماتي، بدوره، بطبيعة الحال، ولم يهزّه ذهاب الإمارات الى ما هو أبعد من التطبيع في العلاقة مع تل أبيب.
وحقيقة الأمر أنّ الإمارات تحاول تحييد هذا المعطى باعتباره قراراً داخلياً، مقابل عدم التدخل في الحلف الاستراتيجي المتين بين سوريا وإيران. ورغم أنّ المستشار السياسي "عبد الخالق عبد الله" المقرب من دوائر صنع القرار في "أبو ظبي" قال: "أول نتائج زيارة وزير خارجية الإمارات إلى دمشق، قرار سوري بطرد جواد غفاري قائد الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وإنهاء وجوده واعتباره شخصاً غير مرغوب به. والقادم أهم"، إلاّ أنّ الزعم القائل بأنّ الخطوة الإماراتية تهدف إلى تخفيف نفوذ إيران في سوريا، هو محض ادّعاء سخيف، وسبق استخدامه كذريعة لتمرير أجندات أخرى، وهو يُستخدم الآن كقنبلةٍ دخانية لامتصاص الغضب المحتمل المتعلق بهذا الانفتاح، ولإيجاد تبريرات مخادعة لمن يريد الاعتراض عليها. على المقلب الآخر سعت روسيا لـ"تسليك" قنوات تفاوض بين إسرائيل وسوريا، حتى وهي تدرك أنه ليس في إسرائيل من هو على استعدادٍ للهبوط عن الهضبة الاستراتيجية، إلا أنّ الكرملين الذي يحتفظ بعلاقاتٍ متميزة مع أضلاع المثلث السوري– الإماراتي– الإسرائيلي، لا شكّ يرغب في رؤية دور إماراتي نشط على هذا الصعيد.
وفي وقتٍ عبّرت فيه الولايات المتحدة عن قلقها من هذه الزيارة، مؤكدة أنها لن ترفع العقوبات، بما فيها إجراءات تجميد أصول، عن أيّ شخص يتعامل مع سوريا بغضّ النظر عن جنسيته، يرى مراقبون أنه لا يمكن لوزير الخارجية الإماراتي أن يلتقي الأسد من دون ضوء أخضر أمريكي، خاصة أنّ الإمارات مرتبطة بالولايات والمحور الغربي، ومن الصعب أن يكون هناك مبادرة أو زيارة دون تنسيق مع دول خليجية وعربية، ومن الواضح أنّ الأمريكيين لديهم تفاهمات مع العديد من الأقطار العربية، ومع الإمارات بشكل خاص بضرورة توفير مناخ لتسوية سياسية في سوريا، الأمر الذي يكرّس واقعاً جديداً، ويكسر حاجزاً نفسياً أمام بقية الدول التي ترغب في أن تحذو حذو الإمارات تجاه دمشق. فيما أكد آخرون أنّ الخطوات العربية، سيّما الإماراتية، وربما ستأتي لاحقاً السعودية، جاءت لأن هذه الدول أصبحت تتبنى رؤية مغايرة لما كانت عليه قبل سنوات، حتى أصبحت تبحث عن دوائر تستطيع من خلالها التقارب مع قوى دولية مثل روسيا والصين.
وبينما يؤكد سيلٌ متواصل من الإشارات الصادرة عن دمشق، وغيرها من العواصم العربية، أنّ الخصوم السابقين اقتربوا من التوصل إلى ترتيباتٍ ذات منفعة متبادلة مع النظام السوري، وقد تعهد بعضهم في يوم من الأيام بإسقاطه، وبات ينتظر اليوم أن تلوح في الأفق عقود إعادة الإعمار وصفقات الطاقة، تأمل دمشق في المقابل أن تمارس الأصوات العربية ذات النفوذ ضغوطاً من أجل رفع العقوبات الصارمة التي تهدف إلى معاقبة المسؤولين والمنظمات المتورطة في انتهاكاتٍ حقوقية وإنسانية. ووسط هذه "المعمعة السياسية" يبدو أن الشعب السوري آخر ما يهم هذه الأطراف الفاعلة. وهل أبشع من انشغال وسائل الإعلام السورية الرسمية بتسويق تفاصيل الزيارة بنبرة الواثق المنتصر، متناسية الخراب المؤلم الذي يعمّ البلاد؟ إذ لا يهم استنزاف البنى التحتية والاقتصادية ومختلف المرافق العامة، كذلك شلل مجمل مضامير الحياة، ولا يهم تشريد سبعة ملايين سوري داخل البلاد ولا تهجير خمسة ملايين ونصف خارجها، وفق تقارير الأمم المتحدة، ولا يهم أنّ حوالي مليوني سوري يعيشون في فقر مدقع، في وقت يكافح فيه نحو (13) مليون نسمة داخل سوريا للحصول على طعام يسد الرمق، وبالطبع لا يهم وجود أكثر من مليونين ونصف من الأطفال خارج النظام التعليمي، بما يشبه تجهيلاً مستداماً لأجيال قادمة، ما ينعكس على تعميق الأزمة وجعل تداعياتها طويلة الأمد، بحيث تستمر مفاعيلها التدميرية لعشرات السنين القادمة. لا يهم كلّ هذا طالما أنّ الابتسامة بين الرئيس الأسد والوزير الإماراتي كانت واسعة ووردية بما يكفي "عشان الصورة تطلع حلوة".
ليفانت - عبير نصر
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!