الوضع المظلم
الخميس ٢٦ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
التعفّن في السياسة السورية
عمار ديوب

أصبح النظام تابعاً لإيران أو روسيا، وبلغة أصحابه متحالفاً مع الدولتين المذكورتين، ويخوضون معاركاً ضد "التحالف" الدولي الآخر، الذي يؤيد القوى المناهضة له "الائتلاف الوطني، قسد ومسد، هيئة تحرير الشام، والفصائل المدعومة تركياً". الفكرة أعلاه أن النظام ليس بمقدوره أن يستمر من دون الدولتين أعلاه، وأزمته الاقتصادية كافية لوحدها لإطلاق ثورة اجتماعية تطيح به.

على الضفة الأخرى، لا بد من السؤال: ما هي أوضاع القوى المناهضة للنظام، التي حدّدنا بعضها أعلاه، وهل تحوز أية استقلالية ذاتية ووطنية، تجعلها قادرة على القيام بتحرير البلاد من النظام أو الاحتلالات؟ وقبل ذلك، هل من مشتركات بينها؟ وسنطوي صفحة هيئة تحرير الشام والفصائل، وسنقرأ أحوال قسد ومسد من ناحية والائتلاف الوطني من ناحية ثانية. ما هي أوضاع قسد ومسد بالعلاقات مع بقية القوى الكردية، أو العربية، أو السريانية في مناطق سيطرتها؟ بعيداً عن الانحياز لهذا الطرف أو ذاك، فهناك استعصاءٌ مستمر في علاقة قسد ومسد وما تمثلان، وبقية قوى المجلس الوطني الكردي، وكذلك مع الشعب الخاضع لسلطة قسد، وهناك الوجود الأمريكي وحلفاؤه، الداعمين للإدارة الذاتية، وبالتالي، هناك انقسام كردي كردي، وكردي عربي، وشعبٌ مغيبة حقوقه، وبمرور 11 عاماً على الصراع يصبح استمرار الوضع أعلاه، مدعاة للقول إن التعفن أصبح سمة الواقع هناك، وسببه القوى المسيطرة: قسد ومسد.

أيضاً، ما هي أحوال الائتلاف الوطني، الذي تقود كتلة فيه حركة "تصحيحية"، إصلاحاً، ادعت الأطراف المطرودة منه أن كتلة سالم المسلطة حركة "انقلابية"، ودعت حركة الإخوان المسلمين وحلفاؤها إلى إيقاف النهج الجديد، وإعادة الأوضاع إلى ما قبل الإصلاح. لدى الائتلاف وزارة لا قيمة لها، ووفوداً يذهبون إلى لقاء أستانا واللجنة الدستورية، ويتخلون عبرها عن أهداف الثورة، وينخرطون بما يرسمه لهم "التحالف التركي الروسي الإيراني". أحوال الائتلاف تلك، وهامشية القوى التي تشكله، وخروج أغلبية القوى السياسية منه، وأيضاً على هامشيتها، يقول بأن وضع الائتلاف أصبح متعفناً بالكامل، ودفنه هو الحل، وإن استمرارية وجوده ليس متعلقاً بتمثل الشعب السوري أو بالثورة أو بالوضع السوري. لا، إن استمراريته مرتبطة بتمثيل مصالح تركيا أولاً، وبعض دول الخليج، ومنها السعودية وقطر بالتحديد. إن وضعيته هذه، تشير إلى تعفنٍ كامل فيه، وغياب أية مبررات لوجوده، وضرورة إلغائه؛ فإكرام الميت دفنه.

خارج هذه القوى، ورغم تعفنها، فإنها تسيطر أو تتحالف مع قوى مسيطرة، وكذلك تنال رعاية إقليمية ودولية، ولكنها قبالة ذلك أصبحت تابعة لها. خارجها؛ ليس هناك أية تجمعات أو قوى سياسية وازنة، والقوى المبعثرة في المنافي، لا تحوز على أي تأثير له معنى أو قيمة تذكر. هذا يعني أن القوى السياسية السورية خارج أي تأثير جاد؛ حالتها هذه تكثيف شديد للأزمة التي تمر فيها، وهي متعددة الأوجه؛ فلا جاذبية فكرية تركن إليها وتستقطب المثقفين، ولا رؤية سياسية تثير صراعاً سياسياً وفكرياً، وشعبيتها في غاية الهامشية، وبالطبع لا تحوز أيّة اعترافات دولية. هذا الوضع؛ وضع النظام ووضع المعارضات، يقول بأن التعفّن والتفكك والهامشيّة الكاملة، هي السمة الملاصقة لهذه المعارضة، وبالتالي من الطبيعي أن تكون تابعة، وفاسدة، وضيقة الأفق، ولا تحوز اعترافاً مجتمعياً، وبالطبع لا تمثل أية قطاعات مجتمعية وازنة.

إن الحالة التي عليها المعارضات السورية تمنعها من الاستفادة من الحرب الروسية على أوكرانيا، ومن الحصار الغربي على روسيا، وبحث دول الحصار عن حلفاء لهم، وأيضاً لا يمكنها أن تستفيد من الأزمة الاقتصادية العنيفة التي تمر بها المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، وبروز كتلة اجتماعية كبيرة أصبحت تمارس أشكالاً متعددة من الاحتجاج ضد النظام؛ منها معلن، ومنها افتراضي وعلى شبكات الإنترنت، ومنها الهجرة الواسعة إلى خارج البلاد.

بغياب نظام وطني، وبوجود معارضة متعفنة، وغير قابلة للنهوض من جديد، يصبح الوضع السوري متعفن بدوره، ولا يصح العكس؛ وبالتالي سيذهب نحو المزيد من التعفن والتأزّم، ريثما تجد دولة محتلة لقسم من سوريا أن مصلحتها تكمن في تقديم مبادرة أو إطلاق تسوية جادة من أجل تقاسم سوريا، بالضبط كذلك تقاسم سوريا، إن وجود عدة احتلالات وتدخلات، وتعفن النظام والمعارضات يصبح طبيعياً ما أشرنا إليه.

الآن ليس هناك في الأفق أي احتمالات خارج ما ذكرنا. وما يحدث في العراق ولبنان من تعفنٍ وابتعادٍ عن الوطنية وعدم تحقيق مصالح تلك الشعوب سيحدث في سوريا مستقبلاً؛ وكما لم تستطع انتفاضات لبنان والعراق إيقاف المشاريع غير الوطنية "الاحتلال، والطائفية، والفساد، وسواها" في تلك البلدان، سيكون مصير سوريا، بعد أن لم تستطع الثورة تشكيل دولتها، وهزمتها قوى النظام وحلفاؤه، وأيضاً سياسات المعارضة الفئوية، والتابع، وسلمتاها للمحاور الإقليمية والدولية.

إن إفلاس النظام والمعارضات يعني ضرورة تشكيل قوى سياسية جديدة. من السهل وضع عدّة أفكارٍ مركزية للانطلاق منها، ولكن ذلك ليس كل شيء، والسؤال الأدق، لماذا لا تتشكل الجديدة هذه؛ لماذا، ولدينا غلبة لقوى المعارضة في المنافي لا تبادر إلى تلك الجديدة؟ لا يمتلك المثقف تحليلاً دقيقاً لسبب ذلك، وغيابها يتعلق بعوامل كثيرة، منها عدم الإقرار بمرجعية فكرية ثابتة، وعدم وجود اتفاق على تحليل العالم وسمة التطور فيه، وبالتالي التموضع في حلفٍ معين، وكذلك المصادرة التي تشكلها المعارضات والنظام، وهناك الخلافات التاريخية بين البارزين فكرياً وسياسياً في سوريا، ولن نهتم بالجانب الأخلاقي، فالأخير ليس هو سبباً في فشل المعارضة أو نهوضها المستقبلي وفي أية مرحلة تاريخية، مع ضرورة الاهتمام بهذا الجانب من قبل البارزين أو الراغبين في التصدر السياسي أو المعرفي.

هناك استعصاء كبير في سوريا إذن؛ التحليل أعلاه يوضح القليل من أسبابه، ولكن، وضمن ذلك لا يبقي لدى المحلّل إلا فئة المثقفين؛ فهم من يتلمس عمق المشكلات الواقعية، وحدّة التعفن التي وصلت إليها الأوضاع العامة في سوريا، وكارثية التدخل والاحتلالات، وهول الأزمة الاقتصادية والاجتماعية على الأغلبية التي ما تزال في سوريا، أو في السوريات المتعددة تحت الاحتلالات المختلفة. فهل تترفع هذه الفئة عن الأنا المتضخمة، وتبادر إلى ندوات وورشات حوارية جادة، تشارك بها الشخصيات المثقفة والمختلفة في تصوراتها عن الواقع السوري، وتجد مرجعية فكرية يركن إليها السوريون في نضالاتهم المستقبلية من أجل استعادة سوريا من أيدي الاحتلالات والقوى السورية التابعة لها؟

 

ليفانت – عمار ديوب

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!