الوضع المظلم
الجمعة ٢٧ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • السعي الروسي للاستيلاء على الموانئ في المناطق الدافئة وتعزيز أمنها القومي

السعي الروسي للاستيلاء على الموانئ في المناطق الدافئة وتعزيز أمنها القومي
رباب المالكي

بدأت تتضح المعالم الجيوسياسية لاجتياح القوات الروسية لأوكرانيا وماذا تريد روسيا من أوكرانيا. وماذا يريد الروس من حلف شمال الأطلسي ودول الجوار في الاتحاد الأوروبي بعد الاجتياح من الشمال البيلاروسي والشرق الروسي والجنوب من القرم التي انتزعتها روسيا من أوكرانيا منذ قرابة الثمانية أعوام.

ذكرت في مقالات سابقة عن الاستراتيجية الأمنية الروسية للحدّ من تمدد حلف شمال الأطلسي وأن روسيا لا تملك خيارات أخرى إلا أن تتقدم نحو أوكرانيا قبل أن تتبع أوكرانيا دول الاتحاد السوفياتي السابق، لاتفيا وليتوانيا وأستونيا، التي انضمت إلى حلف شمال الأطلسي وكذلك الاتحاد الأوروبي. كما أن تسارع وتيرة التهديدات الغربية على مدار السنوات الأخيرة لضم أوكرانيا أدى إلى اجتياح الروس لأوكرانيا. وبالتالي عدم السماح باقتراب حلف شمال الأطلسي إلى موسكو والتي لا تبعد كثيراً عن الحدود الروسية الأوكرانية.

كما أنّ روسيا تبحث دوماً عن التوسّع في المناطق الدافئة، فعندما انتزعت روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام ٢٠١٤ استحوذت روسيا على ميناء شبه جزيرة القرم الرئيس، سيفاستوبول، والذي يطل على البحر الأسود. وبالتالي فإن روسيا تجد لها منفذاً بحرياً إضافياً بجانب المدن الروسية الواقعة إلى شرق البحر الأسود وهذا يقلل من معاناة روسيا حيث لا تجد روسيا عقبات حين تتجمد موانئها في الشمال الروسي فترة الشتاء. لذا اعتبرت روسيا ميناء سيفاستوبول أحد أهداف روسيا لموقعه الجغرافي الاستراتيجي في البحر الأسود، وكي لا تختنق في الشتاء وتجد لصادراتها وواردتها طريقاً من خلال البحر الأسود عن طريق سيفاستوبول وموانئ روسيا في شرق البحر الأسود.

وإذا تحدثنا عن البحر الأسود، فإنه يجب علينا استرجاع الماضي واستذكار معاهدة مونترو عام ١٩٣٦، والتي نظمت الملاحة في البحر الأسود وأعطت تركيا امتيازات لمضيق البسفور، وبالتالي فإننا نجد تركيا، والتي تعتبر ضمن دول حلف شمال الأطلسي، تمتلك علاقات متزنة مع روسيا التي تمر بضائعها من خلال البسفور إلى ميناء سيفاستوبول، وبالتالي إلى الأراضي الروسية.

منذ سقوط الاتحاد السوفياتي وانحسار المناطق الروسية في شرق البحر الأسود وقلة موانئها في المناطق الدافئة بعد الاعتراف بأوكرانيا دولة مستقلة، خسرت روسيا، الوريث السوفيتي، الامتياز بتواجدها على ساحل البحر الأسود والسيطرة عليه. حيث إن الجمهوريات السوفياتية تهاوت وخسرت روسيا تلك الجمهوريات واحدة تلو الأخرى من خلال الاستقلال عن الاتحاد السوفياتي المنهار.

ولما تعانيه روسيا حين تجمد المياه الباردة في الشتاء شمالاً، حيث الشتاء الطويل وصعوبات التنقل البحري في الموانئ الشمالية، أيقنت روسيا أن عليها أن تدافع عن أمنها الوطني من خلال استراتيجية توسعية في البحر الأسود ابتداء من انتزاع القرم من أوكرانيا قبل عدة سنوات، وبعد ذلك التوسع الحالي في العمليات العسكرية شمال البحر الأسود والاستحواذ على مناطق شرق نهر دنيبر وحتى مصب النهر في البحر الأسود في سيفاستوبول.

كما أنه مع الأحداث الحالية بين روسيا وأوكرانيا لا تجد روسيا صعوبات عالية في الاستحواذ على مناطق أوكرانية شرق نهر دنيبر، خصوصاً وأن القوات البحرية الأوكرانية تضررت بشكل بالغ خلال حربها ضد روسيا في القرم قبل ما يزيد عن السبع سنوات. وبناء على ذلك فإن الظروف مواتية لروسيا للتوسّع، وذلك يزيد روسيا استقراراً ويجعلها مرتبطة بشكل أكبر في البحر الأبيض المتوسط من خلال البسفور.

بل إن طموحات روسيا بالتوسّع في البحر الأسود باتت واقعاً منذ بدء اجتياح روسيا لأوكرانيا. حيث إن خيرسون، والتي تقع على امتداد نهر دنيبر وتطل على البحر الأسود، باتت في أيدي الجيش الروسي. خيرسون ذات الثلاثمائة ألف نسمة تقع بالقرب من مدينتي أوديسا ومايكولوف ذات الغالبية الأوكرانية. لعل خيرسون أصابت عصفورين بحجر واحد، حيث أوجدت روسيا لها ميناء جديداً يطل على البحر الأسود ويقع تحت سلطتها عسكريا، كما أن ذات الميناء قريب من المدن الأوكرانية الساحلية الكبرى وخيرسون ليست ببعيدة عن دول حلف شمال الأطلسي المطلة على البحر الأسود، بلغاريا ورومانيا.

وفي الوقت الراهن ترى روسيا أنها في أفضل حال للتوسع غرب نهر دنيبر تجاه مايكولوف والتي قاربت أن تسقط بأيدي القوات الروسية، وبالتالي فإن التوجه بعد ذلك يكون نحو أوديسا حيث أكبر الموانئ الأوكرانية وفي حال سقوط أوديسا فإن روسيا ستسيطر على ساحل البحر الأسود الشمالي والشرقي وستكون بالقرب من مواقع حلف شمال الأطلسي وهذه مكاسب عالية إن تحققت في الأيام القادمة.

 

ليفانت - رباب المالكي

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!