الوضع المظلم
الإثنين ٢٣ / سبتمبر / ٢٠٢٤
Logo
العدّالة في كُردستان لإنصاف آنسنة اللجوء
شفان ابراهيم

لا يُخالُ لأحدٍ توقع الانتقام من عائلة بأكملها لمجرد خلاف يقع بين الأب والابن ويذهب ضحيتها عائلة لاجئة لا علاقة لهم بالخلاف. هكذا هي الحياة لدى ذاك السفاح "أنت سوري حقك رصاصة" بالضبط ثمنُنا كُلنا رصاصة واحدة لا غير، من لا قيمة له في داره لا قيمة له لدى الآخرين، هكذا تقول المرويات الكُردية.




رجماً بالحجارة. هكذا كانت اللحظات الأخيرة لعائلة بأكملها لم يبقى منهم سوى ذكريات مريرة ستتناقلها الأجيال وتلوكها الألسن وتبقى قلوب الأمهات والآباء وأقاربهم مُتقدة بحريق الحزن والحيّف الذي لحق بأبنائهم. ولا شيء يُشفي غليلهم سوى عدالةً تتجاوز قضية كُردياً سورياً قُتل بدمً باردً، تلك العدالة التي ستُعيد حقوق اللاجئين مُجدداً إلى واجهة العمل الإنساني ودور المنظمات الدولية في دول اللجوء.




يومٌ سافل. في تُركيا أقدّم طفلٌ على الانتحار نتيجة التنمر والاستهزاء به كونه سوري، وفي لُبنان يُطالبُ اللاجئ السوري بدفع غرامة /100مليون لبناني/ ضمانةً حتى يتمكن من افتتاح محلاً بطول مترين*مترين. وفي الإقليم خمسة أفرادً تركوا صخب العاصمة وضجيج السُكان ومُهاترات العاطلين عن العمل، اختاروا قرية صغيرة للعمل وتربية أبنائهم، انتهت سيّرة عائلة رسمت وخططت أحلامها ومستقبل أبنائها. ذاك السفاح لم يُبقي حتى على بذرة نسلاً، مُشبعاً هوسه بالدم والجشع والقتل. لا أدري ما الذي دفعني لإعادة قراءة قصة "ليلى والذئب" مرة أخرى بعد أن كان والدّيً يتلوانها علينا بنسختها الكُردية. فما ذهب إليه مؤلف الرواية المُترجمة للعربية الكاتّب الفرنسي "شارل بيرو" وفق نهاية قصته القصيرة، لا تختلف عن نفسية وهمجية قاتل العائلة سوى في نهاية المشهد، آنذاك كان ثمة صيادٌ في الجوار سمع مُناجاة ليلى فأنقذها وجدتها وقتل الذئب، لكن في قصتنا لم يصدف أن يُقتل الذئب أو حتى يمنعه من شنيعته فحسب، بل إنه ثمة ذئاب أخرى ساندت الوحش البشري في الخطف والقتل رجماً. لازلت ومن التقيت بهم عاجزين عن تصور أن يُرجم الأطفال بالحجارة. يُخال إليَّ أن أتخيل أنين الأطفال قبل الموت، أو منظر الذهول على وجه أحدهم وهو يرى الأخر يُقتل رجماً، والأكثر فظاعة ماذا كانت الأمُ تفعل لأجل أطفالها.




لا يُمكن تفسير مشهدَ ذوي العائلة في إحدى جوامع العاصمة هولير إلا وأن العدالة مطلبهم، ولا تنازل عن حقهم، فالقضية وفق ذوي العائلة المغدورة تتجاوز قضية الصفح والتنازل، هي قضية تخص جوهر الإنسانية والحياة البشرية، إذ لا خلافَ ولا مُشاجرة جماعية، ولا حادثَّ سيراً حتى يتم أخذ الموضع بحجمه الاعتيادي. فقط هناك جريمة قتلٍ مُتعمدّ. مشهد نساء العائلة أمام مشفى رزكاري في العاصمة ونواحهم في الوداع الأخير لخمس أشخاصً لم يبقى لأثرهم حتى الذكريات؛ فهي ترتبط بالدمِ والرجمِ. الحادثة في حجمها ونوعيتها وطبيعتها يجب أن تنال حقها ضمن إطارها فحسب، لكنها في الوقت عينه أمام خمس رسائل مُركبة:




أولها: تجاوزت القضية حدود الإقليم؛ لما نالته من تأييد وتعاطف محلي وإقليمي ودولي، والعدالة في كوردستان أمام تحدً واضح للتأكيد على نزاهة القضاء وحياديته، ويبقى الروتين المنتشر في مؤسسات الإقليم هاجساً أخر.




ثانيها: الواقعة هي جريمة جنائية بحتّة، لادوافع سياسية أو مآرب أخرى، ومن الممكن حصولها في أيّ مكاناً أخر من العالم، سواء ضد اللاجئين أو أهل الدار أنفسهم. لكن الواقع يشرح إنه لحدّ الآن التجانس والانضباط المطلوب لم ينل بطاقة العبور بعدّ، ومع حرية الإعلام والصحافة في الإقليم، ووجود جهات سياسية تتحين الفرصة وتتربص بها، فإن حكومة الإقليم بعد نجاحها في فرض إيقاعها الأمني أمام نقلة أخرى على صعيد الرأي العام ومدى عدالة الآنسنة في الإقليم.




ثالثتها: يُطالب ذوي العائلة بالعدالة. والمشترك بين كل اللاجئين في كل العالم أن مطلبهم هو الأمن والعدالة في التعامل. خاصة وأن الأمن بأنواعه وأشكاله يتوزع بين الدرجات الخمس لهرم ماسلو وتحديداً الأكثر رواجا في المستويين الأول والثاني من حيث الحاجات الفيزيولوجيا وحاجات الأمان ويبقى انتظار التطبيق الأمل في تجدد شعور الأمان النفسي لدى اللاجئين في الإقليم.




رابعتها: الضجيج والصخب الحاصل على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي تُشوه المشهد أكثر مما تُنصفه. الواقعة باختصار "جريمة جنائية ذهب ضحيتها عائلة من خمس أفراد" الجانب ألقي القبض عليه ويتوجب العدالة في مُحاكمته وهو ما وعد الإقليم به. وما باقي التفسيرات والتبريرات سوى لصب المزيد من الزيت على النهار.




خامستها: كان الإقليم أكثر مكاناً يشعر به اللاجئ السوري /كُرداً وعرباً/ بالأمان. اليوم بات سريان شعور الحيف والغُبن ولو كان بطيءً فإنه سيأخذُ منحاً أخر مستقبلاً.




تتنوع وتختلف توجهات المطالبين بالعدالة بين أهالي الأسرة المغدورة في إحدى قُرى هولير، واللاجئين الآخرين وأن أنتفت العلاقة العائلية أو حتّى مُجرد المعرفة، فما يربط اللاجئ في دول المهجر تتجاوز قصة علاقات عائلية، وتتعداها إلى بناء كُتلة صُلبة من المشاعر المختلطة بما فيها تجاوز الحدود أيضاً، ما بين المطلب الأسري برد الحق لهم وهذا أبسط مطاليبهم المُحقة. وما بين البقية الباقية من النُخب والطامحين وحتّى الحالمين بهوامش كبيرة للديمقراطية والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان وحقوق اللاجئين والعامل, وهي أحلامٌ وردية لدى البعض، وحقوق طبيعية للبعض الأخر.




القصاص العادل من الجاني، سيعني الكثير للإقليم قبل أهالي الضحية، وقبل باقي اللاجئين أيضاً، لتصل إلى إيجاد مخرج لقضية الإعدام على مستوى العالم كُله.


كاتب وصحفي سوري

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!