الوضع المظلم
الجمعة ٢٧ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
العلمانية الحائرة بين الإسلاميين والأنظمة الحاكمة 
عماد غليون

اندلع  الربيع العربي لأسباب تتعلق  بالحرية والكرامة أولاً، ومع أن العلمانية  لم تكن  في صلب أجندة الحراك  لكنها  باتت محور الاهتمام الأول للسياسيين والباحثين، خاصة مع تحول الثورات لنزاعات مسلّحة وسيطرة التنظيمات الإسلامية الجهادية المتطرفة على مصيرها، واستغلال الأنظمة  تنامي ظاهرة التطرف والإرهاب لإعادة تسويق نفسها  من جديد تحت شعارات زائفة.


تبنت الأنظمة العربية الحاكمة بعد الاستقلال إيديولوجيات قومية اشتراكية، لكنها مارست القمع والنهب وتدمير البنى الاجتماعية وفشلت في عملية التنمية وبناء الدولة  الوطنية الحديثة، وجاءت نكسة حزيران  1967 والإخفاق  في مواجهة  إسرائيل، لتحدث هزات سياسية واجتماعية عميقة وعنيفة مع انتشار موجات واسعة من خيبة الأمل في المجتمعات العربية، ودفع  ذلك لظهور تيارات إصلاحية تستلهم التراث والدين، وبدأ ظهور  تيارات إسلامية  فكرية سياسية  تدعو للعودة لمحاكاة تجربة السلف وتطبيق أصول الدين، وبات ذلك يندرج ضمن ما بات يسمى تيارات الصحوة الإسلامية.


طرحت حركات الإسلام السياسي شعار الإسلام هو الحل  مع بدايات ظهورها  في عشرينات القرن الماضي، ومن أهمها  جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها  حسن البنا في مصر،  والتي شكلت الأساس لمعظم  التنظيمات الجهادية  التي انبثقت عنها  فيما بعد.


ظهرت الأنظمة العربية القمعية بحالة غرائبية أمام شعوبها والخارج حيث قامت بتسويق محاربتها للطائفية والإرهاب  وتنظيمات الإسلام السياسي، واستغلال ذلك لإسكات كافة  أصوات المعارضة، ثم  دفعت  حراك الربيع العربي نحو العسكرة ثم الأسلمة والتطرف بغية تمرير وتبرير ارتكابها المجازر وما تقوم به من قمع  ومصادرة  للحريات متجاوزة النصوص الدستورية المتعلقة بحقوق الإنسان.


تبدو الفجاجة وعدم الصدق والواقعية في دعوات تطبيق أو فرض العلمانية قسراً على مجتمعاتنا التي لم تمر بظروف مماثلة لتجارب الغرب ومعاناته  الطويلة خلال  قرون من الصراعات  المريرة  الدامية بين  الدولة والكنيسة، والتي انتهت بإقصاء رجال الدين المسيحي تماماً عن لعب أي دور في الحياة السياسية، وبالعكس عملت الأنظمة العربية على استغلال  الدين والمشايخ  في  كسب مواقف مؤيدة لها  والعمل على تجيير  سلوك التنظيمات  المتطرفة لصالحها.


ينكشف زيف ادعاءات الأنظمة تبني العلمانية وإظهار اعتدالها في وجه التطرف بغية التقرب من الغرب، كما يفعل ذلك معارضون لتأكيد انتماؤهم للنخبة وأحقيتهم في القيادة ورغم ذلك لا يزال  التمترس متيناً  ضمن طوائف وكيانات تحت الوطنية سواء ضمن رجال الأنظمة أو النخب.


هناك خلط مقصود يتم لغايات سياسية واضحة، بين العلمانية ومفاهيم أخرى متباينة معها مثل الدولة المدنية الديمقراطية، ويجري  التدليس للإيحاء أن  العلمانية هي مجرد إبعاد أو فصل  الدين عن السياسة أو الدولة، ومن المهم  التوضيح أن  العلمانية ليست نظاماً سياسياً، بل هي نظام اجتماعي خاص لا يتوافق مع الأديان مطلقاً، ولا يشجع على انتشارها عكس ما يتم الإيحاء به أحياناً، ومع أن العلمانية  تدعم الحريات بكافة اشكالها ومن بينها  حرية التعبد والاعتقاد، لكنها لا تبدي أي تسامح مع الأديان واستخدام الرموز والدلالات الدينية وتقف ضدها بقوة خاصة مع  الشعور بأي تهديد يطال حريات الأخرين من ملحدين أو غير متدينين، وربما من الأفضل التوقف عن استغلال الدعوات للعلمانية وشرح حقيقتها وعدم ملاءمتها المجتمعات العربية في مراحل تطورها الاجتماعي والسياسي  الراهن، وكذلك الابتعاد عن فرض  أي نظم بالإكراه  تولد ردود أفعال سلبية  مديدة التأثير، والعمل على تطبيق  نظم  سياسية  اجتماعية  تناسب طبيعة ومزاج مجتمعاتنا، شريطة ضمان كافة أشكال  الحقوق والحريات الأساسية والتعبير السياسي والاجتماعي والثقافي، وتوفير كافة الشروط المناسبة لانطلاق عملية التنمية. 


مع أهمية الفصل بين الإسلام والإسلاميين وحركات الإسلام السياسي، يجب العمل على جسر الهوة العميقة بين معطيات العصر والتراث، وإدراك أن العلمانية  بالمفهوم الغربي ليست شرطاً أساسياً أو لازماً لتحقيق عملية التنمية.


يكفي  الانطلاق في مشروع  بناء الدولة الوطنية الحديثة والشروع في عملية التنمية والتحديث، وبعدها تنفتح الأبواب  أمام المجتمع للاختيار الطبيعي الحر شكل  النظام السياسي والاجتماعي الذي يتلاءم  مع احتياجاته ودرجة تطوره 


كاتب واعلامي سوري


العلمانية الحائرة بين الإسلاميين والأنظمة الحاكمة  العلمانية الحائرة بين الإسلاميين والأنظمة الحاكمة 

العلامات

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!