الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
المرأة الإيرانية وحجاب الحضارة
جمال الشوفي

نساء إيران، وللشهر السادس ورغم التعمية الإعلامية المتعمدة عن حراكها العام، ما زالت تشعل مظاهرات الشارع الشعبي. والحدث يتمدد في كل المدن الإيرانية ويشغل اهتمام محللي سياسات المنطقة سواء كانت معها أو ضدها، فنتائجها ستنعكس إيجاباً إذا نجحت، أو سلباً إذا فشلت، على الشعب الإيراني وعموم شعوب المنطقة.

هذا فيما استمرت التحذيرات الأممية من القمع والقتل الذي تتعرض له المتظاهرات والمتظاهرين في إيران على يد منظومة الباسيج والحرس الثوري وما يسمى بشرطة الأخلاق، والتي حضر العمل فيها في البرلمان الإيراني كمحاولة لامتصاص الغضب الشعبي ومع هذا بقيت ثورة الحقوق والحريات في إيران مستمرة وعنوانها الأبرز ثورة على حجاب الحضارة. وتتنامى كرة الثلج وتتزايد مع توسع رقعة الاحتجاجات في غالبية المدن الإيرانية، وتزداد معها أعداد المعتقلين والمقتولين برصاص الحرس الثوري، كما قضى الآلاف من الإيرانيات والإيرانيين قبلها طوال سنوات الاحتجاجات الشعبية المتقطعة.

قبل ستة أشهر قضت الطالبة مهسا أميني، ابنة ال 22 عاماً، تحت التعذيب على يد الشرطة الإيرانية في 16 أيلول/ سبتمبر، ما أشعل حراك الشارع الشعبي وفي مقدمته النساء، وتزايدت حدة المظاهرات الشعبية رفضاً لسياسة القمع والاستبداد السياسي بالمبدأ، ونماذج التسلط المجتمعي المعتقدي على الحريات الفكرية والثقافية والفنية أيضاً. حيث تم اعتقال أميني بتهمة أن لباسها "غير محتشم" لأن جزءاً من شعرها يظهر من تحت حجاب رأسها! وهذا ذو دلالة لا تخطئه عين على سياسة الانغلاق العقلي والحضاري العام الذي تفرضه السلطة الإيرانية على شعبها قسرياً منذ عقود، والمتمركزة ضد المرأة بشكل رئيس.

حجاب رأس أو حجاب عقل وحضارة؟ سؤال طالما تساءله الإيرانيون والإيرانيات وغالبية سكان الشرق، هل ثمة حجاب للرأس أم للعقل؟ وهل حرية خيار اللباس تضاهي حرية خيار نمط الحياة وطرق التفكير؟ لماذا تعادي السلطات الإيرانية، وسلط الشرق عموماً، الحرية الفردية والمعتقدية والإيمانية وتصر على قمعها؟

"لباس غير محتشم"، تهمة تطال الشباب الإيراني وكأنها توهن عزيمة الأمة وتخرجها عن الصراط المستقيم! فيما حجاب العقل وتأجيج الإنغلاق المعتقدي والاستثمار السياسي فيه يحجب الخير والاستقرار والأمان والسلام والأنفس الخيرة. حجاب الحضارة تلبسه السلطة الإيرانية منذ انقلبت على حكم الديمقراطية الذي كانت تعيشه حتى سبعينيات القرن الماضي. لتلبس إيران وجه السواد والنفس الإمارة بالسوء واللطم والأمر بالقتل وتجييش شعبها لغزو جوارها، مستثمرة في حجاب العقل والحضارة وتسييس الدين والنزعة الثأرية العدائية لما قبل أربعة عشر قرناً مضت. وكأن شعبها وشعوب المنطقة مسؤولين عن التاريخ الماضي أياً كانت أسبابه وحقائقه، فيما سياسة سلطتها وسلط دول المنطقة مسؤولين اليوم عن الخراب الذي يعم شرق المتوسط برمته.

قمع الحريات المدنية والفكرية والفنية وقتل الروح الإبداعية، التفكير المنفتح، حرية المعتقد الشخصي، إحكام الهيمنة على السلطة بالقوة الأمنية، تصدير مفاهيم الثورة الإيرانية الإسلامية لدول الجوار وفرض سياسات العداء والبطش والقوة، هي سياسة السلطة الإيرانية لليوم. تحجب عقل وحضارة فارس القديمة، حضارة الانفتاح على اليونان والفراعنة، والشرق العربي، حضارة الفلسفة الشرقية الزراداشتية ورفضها أن تكون دين الدولة، واعتمادها حوار العقل والفلسفة وسؤال الخير في مواجهة سؤال الشر فبنت حضارة عبر عنها كورش، أحد أهم مؤسسيها في القرن الخامس ق. م. "لا يمكنك أن تُدفن في غموض: أنت مطل على مسرح الأرض الكبير للمشهد العالمي. إذا كانت أعمالك مستقيمة وخيّرة، فتأكد من أنّها ستزيد من سلطتك وسعادتك".

الشعب الإيراني أسير سلطته السياسية المتغولة في القتل وتأجيج النزعات السياسية على أساس ديني بشكل معاكس لمجرى التاريخ العصري ومتخارج مع تاريخ فارس الحضاري القديم. فمنذ استلام سلطة المرشد في عام 1979 لليوم، وتأسيس ما بات يعرف بالجمهورية الإسلامية وهي تقيم سلطة المعتقد الديني المحمولة على سياسة التوسع العنصري والاستعماري مقتلة كبرى في الشرق الأوسط بدءاً من العراق لسوريا للبنان وفلسطين. وليس فقط، بل ذو توجه سياسي محمول على مخططات سياسية توسعية لاحتلال دول الشرق الأوسط وإخضاعها لسيطرتها وحكمها، ودعم أتباعها للاستيلاء على سلطات دول المنطقة، في استذكار سيء لميراث الإمبراطورية الفارسية التوسعية في عهد إمبراطورية كسرى في القرن السادس الميلادي. سياسة يصح القول فيها أنها تخارج منطق العصر وسيادة الدول وميثاق الأمم المتحدة في ذلك، وتعود بالتاريخ لما قبل كتابته، فكيف هو حال الحريات الشخصية والمدنية والسياسية إذن؟ فلم يكن حدثاً استثنائياً أن تعم المظاهرات الشارع الإيراني، لكنها هذه المرة ذات طابع مختلف وزخم أوسع، ومؤشرات استمرارها تتوسع دوائرها. فيما سؤال تحقيق أهدافها قيد احتمالات وسيناريوهات تفرضه مجريات الواقع من عنف سلطوي مقابل الزخم الشعبي.

فمنذ العام 2017 ولليوم لم تتوقف الاحتجاجات الشعبية الإيرانية، ومظاهرات الأشهر المنصرمة تأتي حلقة من حلقاتها المتتالية التي يعيشها الشعب الإيراني منذ سنوات، في مواجهة حكم جائر يوصف بأنه من أشد حكومات العالم قمعاً سياسياً ومجتمعياً ودينياً. وليس فقط، بل من أخطر أنظمة الحكم على استقرار بلاده والمنطقة برمتها، لما يمتلكه من توجه سياسي موظف عقائدياً بنزعة ثأرية دينية عدائية لشعبه وشعوب المنطقة في جواره.

إيران اليوم لن تقف عند حجاب الرأس فهو حرية شخصية، لكنها ماضية ضد حجاب العقل والكلمة الحرة والحياة الكريمة، ضد حجاب الحضارة. فشعبها وشعوب المنطقة برمتها تليق بهم الحياة، وشرط تحققها خلع حجاب العقل والحضارة قبل حجاب الرأس، وتحقيق شروط الاستقرار والسيادة في دولة تحترم حقوق الانسان وحق المرأة وسلام دول الجوار، بعيداً عن سياسة المكر والاستعداء الديني التي تنذر شراً بكل دول المنطقة.

ليفانت - جمال الشوفي

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!