الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • المراسلون الجريئون .. كتاب مُلهم لهواة ومحترفي الصحافة

المراسلون الجريئون .. كتاب مُلهم لهواة ومحترفي الصحافة
ميرنا الرشيد

لم أكن أعرف أن المصادفات يمكن لها أن تتحالف معاً، لأخطو أولى خطواتي في العمل الصحفي. حدث ذلك في شتاء عام 2014، عندما كنتُ في منزل بندر عبد الحميد، الكاتب والصحفي، والصديق الذي رحل عن هذا العالم منذ أربع سنوات مضت. أهداني كتاباً كما هي عادته، ومن دون أن أسِرّ له عن رغبتي في أن أبدأ العمل في الصحافة.

قال لي حينها: ‹خذي هذا الكتاب لا حاجة لي به›. تسمرّت عيناي على العنوان الأحمر: ‹المراسلون الجريئون.. وصلوا إلى حيث لم يصل أحد في العراق›. أدركتُ في تلك اللحظة أن ما من شيء يحدث من تلقاء نفسه، وأن تزامن رغبتي الداخلية مع تخلي بندر عن الكتاب، ليس أمراً عبثياً. أنهيت زيارتي له. وعدت إلى منزلي في حي باب توما، وشرعت في القراءة مساءً، متلهفة لأعرف حكاية أولئك المراسلين، الذين رسموا أولى تجارب قناة العربية في الصحافة الشاملة، منذ بداية تأسيسها عام 2003.

يحكي الكتاب الصادر عن دار المدى، لمؤلفه نوفل الجنابي، منتج المهمات الخاصة والبرامج الوثائقية في قناة العربية، قصة مراسلي الدراجات الذين تناثروا في أرجاء العراق من مشرقها إلى مغربها أيام الاجتياح الأمريكي، والتي بدأت معالمها تظهر إلى النور، كما يصف الجنابي "ذات صباح من صباحات مارس 2006، قطع عبد الرحمن الراشد، مدير عام العربية حديثه، ومن دون أن يغيّر نبرة الكلام، سألني: كم صحفياً نستطيع أن ندرّب في العراق؟ فأجبته: العدد الذي تريد".

منذ ذلك الوقت أصبحت فكرة الصحفي الشامل -كل المهمات في رجل واحد- حاجة ملحة لمدير العربية، خاصة بعد مقتل أطوار بهجت مراسلة القناة مع المصور وفني الصوت، أثناء تغطية تفجير المرقدين في سامراء من العام نفسه، والتفجير المروع الذي استهدف مكتب العربية في حي المنصور غربي بغداد عام 2004، الأمر الذي استدعى خطة عمل جديدة، اعتمدت على اختيار ثمانية وثلاثين متدرباً عراقياً من بين ستين مرشحاً، لبوا نداء الجنابي الذي أشرف على تدريبهم مدة ثلاثة أسابيع، وأشرف على إدارة التغطيات آنذاك.

 

كان المتدربون على قناعة تامة أن ثمة جديد عليهم استيعابه، وأن جزءاً من القديم يجب استبعاده. تجمعوا في فندق قصر سليماني في إقليم كردستان العراق، بعد رحلة وصول مضنية، عبروا فيها الجبال والصحراء والحواجز، غير مكتَرثين بالطريق المحفوفة بالموت وحوادث الخطف، من أجل أن ينقلوا للعالم صورة الأحداث الكبرى، التي جعلت العراق الخبر الأول على شاشات التلفاز.

يتألف الكتاب من ستة وعشرين فصلاً، لكل منها عنواناً منفرداً، يتوزعون في ثلاثمئة وثماني وأربعين صفحة، كُتب بلغة بسيطة، وسرد زمني متسلسل. تبدأ الفصول من الخسارات التي تكبدتها العربية في العراق، ثم تنتقل بعدها إلى الحديث عن الإجراءات والترتيبات، التي لزمت من أجل الإعداد لتدريب المراسلين.

يقول الجنابي في ‹المراسلون الجريئون›: ‹لم تكن التجربة سهلة، هذا صحيح، لكنها لم تَطُل، وهي تكوّن شكلها وتأثيرها البسيط في طريقة العمل الصحفي والتلفزيوني، وعلى الخبر العراقي تحديداً›، ولهذا كان على كل متدرب أن يقوم بمهمة فريق صحفي كامل، بدءاً من التصوير وإجراء المقابلات، وصولاً إلى المونتاج وإرسال التقرير، مستخدمين الدراجات النارية لسهولة التنقل، ما جعلهم يخترقون زحام العراق، ويحافظون على قيمة الوقت، ويصلون إلى الأحياء البعيدة، بغية نقل أحداثها، ثم إرسال اللقطات المصورة في زمن استثنائي قصير.

لم يقتصر المؤلف على سرد التحضيرات، وما رافقها من معوقات، بل أتى أيضاً على ذكر تفاصيل التدريبات، التي جرت على فترتين يوميتين متناوبتين، الأولى تقنية والثانية تحريرية، اعتمدت بشكل أساسي على مبدأ التجريب، الذي يحتمل الخطأ والصواب، دون الحياد عن المبادئ الأساسية، وتضمنت الشروحات النظرية التي يستند إليها البناء الأمثل لإعداد التقرير التلفزيوني.

تناولت فصول أخرى، الأساسيات التي ينبغي مراعاتها في اللقطة، والتي تُعرف بمعادلات التصوير الأربع، وهي اللون والوضوح والسطوع والحجم، إضافة إلى عناصر الخبر المحددة بالحدث والزمان والمكان، وكيفية التوسع بالخبر، واستنباط القصة الصحفية، التي تأتي من أصغر المشاهدات وأشدها بساطة، وصولاً إلى المونتاج، الذي يعتمد على اختزال اللقطات المصورة، وربطها بتسلسل منطقي. كل ذلك كان مرحلة أولية إلى، أن انتقل المتدربون إلى مرحلة التدريب العملي، وإنتاج التقارير الصحفية في الميدان، تمهيداً لبدء مرحلة العمل الفعلية، التي شكلت فيها الحكايات الإنسانية الجانب الأكبر.  

ركّز الكتاب على مجموعة من القواعد، يمكن لأي صحفي الاستفادة منها. أكدت هذه القواعد على أن الانحياز هو الخصم الأساسي للدقة والمصداقية، وأن ليس ثمة حقيقة مطلقة أو حيادية مطلقة، فالصحفي كما عبّر الجنادي "محكوم بقوة ما، تحاول أن تؤثر فيه أو توجهه لصالحها"، مع التأكيد في أكثر من فصل على أن الصحافة هي شكل من أشكال الإبداع، القائم على التأثر بما حوله، والمجرد من تبعية المصالح السياسية والمنافع الشخصية. استطاع مراسلو الدراجات، من خلال بعض التقارير التي فُرّغت نصوصها بين صفحات الكتاب، أن يكونوا صوت من فقدوا القدرة على الكلام، لما اختبروه من عنف وجرائم حرب ووحشية، كان من غير من الممكن أن يبقوا طي الكتمان.

ليفانت: ميرنا الرشيد

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!