الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
تمكين النفوذ التركي تهديد لقيم الحياة الديمقراطية 
آزاد برازي 

قبل زيارة السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام لإقليم كردستان وشمال شرق سوريا، نشر السيناتور الأمريكي مقالاً -في موقع فوكس نيوز- بعنوان صعود داعش في سوريا هو تهديد لأسلوب حياتنا الأمريكي، بدأ مقاله بالاضطرابات التي يشهدها العالم، أبرزها الغزو الروسي لأوكرانيا والتطور المستمر للبرنامج النووي الإيراني والاستفزازات الصينية، وكذلك عودة ظهور تنظيمي داعش والقاعدة.

إذاً هذا العالم ما يزال مهدداً بالخطر ويعتبر إحدى المناطق التي تستحق التركيز عليها مجدداً هي شمال وشرق سوريا كون الرقة كانت عاصمة الخلافة الداعشية لعدة سنوات، ومنها كانت تخطط لعمليات ضد الإنسانية جمعاء والمجتمعات المتحضرة.

ولحسن الحظ، بحسب تعبير غراهام، دمر دونالد ترامب الخلافة في سوريا والعراق، على ما يبدو نسي أو تناسى السيناتور غراهام بأن تدمير خلافة تنظيم داعش كانت عملية تشاركية مع قوات سوريا الديمقراطية في شمال وشرق سوريا وقوات البيشمركة في مناطق كردستان وشمال العراق. نعم نثمن دور التحالف الدولي ولكن كان من الأفضل في سياق المقال إبراز شيء من الوفاء لبطولات القوات المقاتلة على الأرض من قوات سوريا الدمقراطية وبيشمركة إقليم كردستان، هذه الشراكة التي جعلت من العالم مكاناً أمناً نسبياً عما كان عليه.

كان من الأجدى أن يتساءل غراهم لماذا أصبح هذا العالم مكاناً غير آمناً؟ ومن الذي جعل مدينة الرقة مركزاً وموطناً روحياً لخلافة داعش تخطط منها لارتكاب المجازر في مختلف أصقاع الأرض، مجزرة باريس (2015)، هجمات في الولايات المتحدة الأمريكية، مجزرة كوباني (2015).

حليف أمريكا في الناتو له باع طويل في دعم الإرهاب من تنظيم القاعدة إلى تنظيم داعش، هذه التنظيمات التي تحولت إلى أدوات بيد الحليف التركي وهذه مسلمات لم تعد تحتاج إلى برهان، فحليفكم تعايش مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لسنوات عدة من دون أن يرى فيه أي تهديد لأمنه القومي وللمجتمعات الإنسانية المتحضرة وللمجتمعات الأمريكية والأوربية، بل على العكس كان داعماً له بالسلاح والمال والمقاتلين من مختلف دول العالم على الرغم من طلب الحكومة الأمريكية إغلاق الحدود في وجه هذه التنظيمات وتضيق الخناق عليها، ولكنه   رفض، واستمر في دعمه للإرهاب القاعدي والداعشي وما زال. ألا يتساءل السيناتور أين قتل البغدادي واليمني والكردي والعكال؟ ما يؤسف له كافأ دونالد ترامب بصفقة تجارية الحليف التركي الداعم للإرهاب -سياسياً وعسكرياً- باحتلال مناطق من شمال وشرق سوريا تحت مسمى (عملية نبع السلام - 2019) احتل من خلالها مدينتي (سري كانييه - رأس العين وكري سبي – تل أبيض) مما أنعش تنظيم داعش من جديد في مناطق شمال وشرق سوريا، وجعلت من المدينتين كما كانت الرقة سابقاً قواعد لتخطيط ضرب الأمن والاستقرار في شمال شرق سوريا والولايات المتحدة الأمريكية وأوربا والعالم أجمع.

وبعد فوز الرئيس بايدن بالانتخابات الأمريكية كنا كلنا أمل أن يضع بايدن حداً للعربدة التركية في المنطقة التي دُعمت بقوة من الرئيس السابق وفريقه، فقام الرئيس بايدن بإبقاء 900 جندي أمريكي في شمال وشرق سوريا على خلاف دونالد ترامب الذي قرر سحب القوات الأمريكية من مناطق شمال وشرق سوريا دعماً للإرهاب التركي وأدواته من داعش والقاعدة.

وبالعودة إلى مقالة ليندسي غراهام، يذكر أن الوضع أكثر تعقيداً من ذلك، والتعقيد نابع من مشكلة مخاوف الأمن القومي التي يصفها السيناتور (بالمشروعة) لتركيا حليفتنا في حلف الشمال الأطلسي الناتو.

 للسيناتور غراهام أقول: إن كنت لا تعلم فتلك مصيبة، وإن كنت تعلم فالمصيبة أعظم، والسؤال: ما مصدر الخطر على الأمن القومي التركي، هل الخطر في نيل الشعب الكردي لحقوقه المشروعة في الشرق الأوسط؟ فجوهر المسألة يا سيد غراهام أن تركيا تحارب أي نهوض كردي في أي منطقة في العالم وهذا واضح من خلال تصريحات المسؤولين الأتراك مدنياً وعسكرياً، وإلا ما علاقة تركيا أن تحتج لدى الحكومة اليابانية لأنها فتحت قسماً للأدب الكردي في طوكيو ولدى الحكومة المصرية بعد أن خصصت بثاً اذاعياً باللغة الكردية في نهاية الخمسينات من القرن الماضي؟ فأي خطر على الأمن القومي إذا تعلم الكردي بلغته الأم، وارتدى زيه الكردي ومارس ثقافته وحافظ على مفردات شخصيته الوطنية؟ المشكلة يا سيد غراهام في أن هناك أكثر من ثلث سكان الجمهورية التركية هم من الكرد المحرومين من أبسط حقوقهم. يا سيد غراهام راجع الدستور التركي وتاريخ تركيا الأسود بحق الشعب الكردي وباقي الشعوب الأخرى، كالأرمن وغيرهم، بدلاً من أن تصف المخاوف التركية (بالمشروعة) وتعتبر الكرد مصدر التهديد للأمن والاستقرار. كان من الأجدى الضغط على تركيا لتعيد النظر في سياساتها الإنكارية لوجود الشعب الكردي وحقوقه المشروعة التي نصت عليها المواثيق الدولية، فأنت بذلك أيها السيناتور تخون قيم الحرية والديمقراطية التي تتفاخر بها، وتسعى حكوماتك لنشرها في العالم لا أن تكون حليفاً لقوة مستعبدة للشعب الكردي، فوصفك بأن مخاوف حليفكم مشروعة، فيها شرعنة لاستعباد الأمة الكردية وهكذا المسألة لا تحتمل خيار ثالث، إما داعم للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان إما داعم للظلم والاضطهاد.

سيد غراهام، ظهورحزب العمال الكردستاني نتيجة لسياسات إرهاب الدولة التي مارستها الحكومات التركية بحق الشعب الكردي في شمال كردستان، ووحدات حماية الشعب منذ تأسيسها دافعت عن مكونات المنطقة وأصبحت شريكاً موثوقاً من قبل التحالف الدولي في محاربة الإرهاب، وكون الكرد يشكلون حجر الأساس في هذه الوحدات تعتبرها حكومة أردوغان خطراً عليها وتهديداً لأمنها القومي.

 الحدود الجنوبية لتركيا آمنة، لكن الحكومة التركية لا يؤمن جانبها، فهي لديها أطماع كبرى في المنطقة وأحلام إمبراطورية وميثاق ملالي وما زالت تعيش الماضي وعلى الرغم من محاولات عدة لحل هذه المشكلة فكانت تصطدم بالرفض التركي، فالذهنية السياسية التركية لا تستطيع قبول فكرة العيش بسلام مع الكرد ومع أي نهوض كردي، فهي تتعبر أي كردي في العالم أينما كان وفي أي دولة من دول العالم خطراً على الأمن القومي التركي، حتى عبارة حكومة إقليم كردستان العراق لا تُستعمل من قبل السياسيين الأتراك بل تُستخدم عبارة حكومة إقليم شمال العراق، لذلك من الجيد إيجاد حل لهذه القضية، عبر ثني الحكومة التركية عن دعمها للإرهاب القاعدي والداعشي وعن ذهنيتها الفاشية والعنصرية، وإيجاد حل للقضية الكردية في شمال كردستان، والاستمرار في دعم وحدات حماية الشعب وقوات البيشمركة في حربها ضد الإرهاب بكافة أشكاله، فهذه الخطوات ستكون مفتاح الاستقرار في الشرق الأوسط وستخلق عالماً أكثر أمناً.

لذلك من الجيد زيارة المنطقة لإيجاد حل ووضع حد لهذه المشكلة التي طالت لأكثر من قرن، فإذا كان لهم أمن قومي فلدينا أمن وجودي، والحل في جعل مناطق شمال شرق سوريا مستعمرة اقتصادية تركية تحت عنوان تطوير العلاقات التجارية بين الحكومة التركية وسكان شمال شرق سوريا، سكان شمال شرق سوريا لديهم إدارة ذاتية خاصة بهم وهي الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، فعين الحكومة التركية منذ بداية الأزمة السورية على الثروات الباطنية في شمال وشرق سوريا لذلك دعمت الإرهاب الداعشي والقاعدي للسيطرة على مناطق الثروات النفطية وغيرها، ولكن وحدات حماية الشعب أفشلت مخططها، وعلى ضوء ذلك وسمتها تركيا بالإرهاب، فأي حق لتركيا بالثروات النفطية في شمال وشرق سوريا حتى تكون مربحة لهم، بل أؤكد سيكون حلك مربح للأتراك فقط، ستتحول مناطق شمال شرق سوريا سوقاً استهلاكياً للبضائع التركية ويحكم الاقتصاد من قبل الشركات التركية وعندما يغضب أردوغان، سيغلق الصنبور كما خاطب إقليم كردستان العراق عندما أجروا الاستفتاء، لذلك أرى ضرورة التفكير بحل منطقي يأخذ بعين الاعتبار مصالح مكونات شمال شرق سوريا أولاً بعيداً عن بلطجة السياسة التركية، فقضايا الشعوب لا تخضع لاعتبارات الصفقات التجارية.

فالمشكلة ليست معقدة كما تتصور من منظوري أيها السيناتور، فهي بسيطة الحل لو جعلنا من قيم الديمقراطية والحرية التي تتفاخرون بها بوصلة للحل، إلا إذا كانت هذه القيم خاصة بالمجتمع الأمريكي فهذا حديث آخر.

ليفانت - آزاد برازي                                                       

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!