الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
حكاية أمير:  بائع الورد الذي لم ينل من اسمه نصيباً
ميرنا الرشيد

لم يُبدّل قرار العودة من إسطنبول إلى سورية شيئاً من حياة أمير خليل، الفتى التركماني الأصل من مدينة حلب، والبالغ من العمر ستة عشر عاماً. وحدها الشوارع وجغرافيا المكان تغيرت عليه. فبعد أن كان يعمل في أحد أسواق إسطنبول التجارية، يرافق السيّاح الخليجيين لشراء ما يلزمهم من أغراض، وتوصيلها على عربته الحديدية إلى مكان إقامتهم، أصبح يحمل باقة من ورد الجوري، بتلاتها قانية الاحمرار، متجولاً في شوارع دمشق القديمة، برفقة شقيقته البالغة من العمر سبعة أعوام التي تجيد التحدث باللغة التركية فقط.  

يغادر أمير وشقيقته منزلهما الكائن في حي وادي المشاريع العشوائي التابع لمشروع دمر غربي دمشق عند التاسعة صباحاً. ومع أن المنزل مكوّن من غرفة واحدة ومطبخ بداخله حمام صغير، إلاّ أنه يضم خمسة أفراد آخرين من أسرتهما؛ الوالدين وثلاثة أشقاء. يتجهان بعد ذلك إلى مكانهما المعتاد بين حي القيمرية والجامع الأموي، حيث يكثر المارة والعشاق والجالسون على العتبات الحجرية، الحالمون بما يبدل مصائرهم. يتخذ كل منهما زاوية بعيدة عن الآخر حتى يتمكنا من بيع أكبر عدد من الورود قبل أن يحين موعد عودتهما عند الخامسة بعد الظهر.

 

يفترش أمير الأرض مع شقيقته في غرفة المنزل بانتظار والدهما العائد من عمله ببيع اليانصيب الفوري، ليباشروا معاً عدّ الغلة اليومية. فلكي تتمكن الأسرة من دفع أجرة المنزل التي تُقدر بثلاثمئة ألف ليرة سورية، أي ما يعادل عشرون دولاراً، وتأمين ثمن الطعام والمصاريف اليومية، ينبغي عليه أن يبيع ما لا يقلّ عن عشر وردات يومياً، بسعر أربعة آلاف ليرة سورية للوردة الواحدة، يضاف إليها النقود التي يجنيها والده الذي ما يزال مواظباً على العمل، على الرغم من إصابته بشظايا قذيفة هاون انفجرت على مقربة منه منذ بضع سنوات، عندما كان دخان الحرب يغطي سماء حلب، الأمر الذي أدى إلى بتر ساقه اليسرى.

يقول أمير: ((إن من واجبي مساعدة أسرتي خاصة أن شقيقيّ الأكبر مني التحقا بالخدمة العسكرية فور عودتنا من إسطنبول، ولم يبقَ لوالدي من معيل غيري)). لم تبدد قناعته هذه من شوقه لمقاعد الدراسة التي حُرِمَ منها منذ أربع سنوات مضت، وعلى الرغم من أن ذاكرته ما تزال تحتفظ ببعض دروس القراءة التي تعلّمها في مدرسته بحلب، تبقى أغنية عبد الوهاب ((يا وردة الحب الصافي تسلم إيدين اللي سقاكِ))، وقد حفظ كلماتها من والده، عصية على النسيان، تعينه في بعض الأحيان عندما يتردى رزقه، ويتعثر في جذب محبي شراء الورد الأحمر، مردداً إياها بصوته الذي لم يكتمل نضوجه بعد.


ليفانت: ميرنا الرشيد

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!