الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
خطر داعش والالتزام الدولي بحل ملف المحتجزين
 شيار خليل

لم يكن المراقبون يعتقدون بأن ذلك الصعود المخيف لجماعة إرهابية انتشرت بسرعة في المنطقة أن يعاد تكراره من جديد وفق صور وأطر جديدة في شمال شرق سوريا، فكابوس داعش كان قد انتهى تقريباً في العراق وسوريا بنظر الكثيرين، ولم يبقَ من أعلامهم السوداء إلا معسكرات ومراكز احتجاز برتقالية وسوداء هنا وهناك، إلا أنه يبدو تلك النظرية باءت بالفشل بعد ما حدث من هجوم مفاجئ من قبل عناصر التنظيم المحتجزين في شمال شرق سوريا، وبالتالي هي إشارة جديدة بأن المعركة لم تنتهِ، وهناك من يعوّل على وجود تلك الخلايا لتنفيذ أجندات سياسية وعسكرية جديدة.

استراتيجية الهجوم على السجون والمعتقلات هو تكتيك قديم اعتمده التنظيم في هجماته المختلفة داخل سوريا والعراق، إلى جانب تاريخ التنظيمات الإرهابية في العالم بالاعتماد على تلك التكتيكات لإعادته تنظيم صفوفه والإفراج عن أعضائه. وهو ما حدث في سجن غويران بمحافظة الحسكة السورية، حيث خطط التنظيم للهجوم منذ أكثر من ستة أشهر بحسب القوات المحلية، فأتى الهجوم ثنائياً من الداخل والخارج، حيث تفاجأت قوات قسد بالهجومين المتزامنين من خارج السجن وداخله، بالتزامن مع احتجاز السجناء للكوادر الطبية والمدنية داخل السجن واستخدامهم بجانب الأطفال المحتجزين كدروع بشرية.

تكتيك قديم اعتمد عليه التنظيم لتشتيت القوات المحاصرة للسجن، دون أن تدرك القوات المحلية ماضي التنظيم في مثل هذه الحالات، بجانب نشر الزعر والخوف بين المدنيين، وبالتالي تشتيت التركيز لدى تلك القوات وهروب المساجين على شكل دفعات باتجاه الأحياء المجاورة، والتسبب في مقتل أكثر من 100 قتيل على مدار الأيام الماضية، بجانب الدمار المرافق للبنى التحتية في المنطقة، وتشريد الآلاف من سكان المنطقة في البرد القارس هذا العام.

بعد المعارك الضارية والشديدة، عادت قوات سوريا الديمقراطية بالسيطرة على المنطقة وقتل العديد منهم، وإلقاء القبض على من فروا من السجن ونقلهم إلى سجون جديدة مع الأطفال المحتجزين، وذلك بمساندة من قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان الدعم الجوي والبري عنصراً فعالاً في إنقاذ المنطقة من دمار جديد وفرصة جديدة لإعادة انبعاث التنظيم من جديد، علماً أن فرص الانبعاث مازالت قائمة بما أنه مازال هناك عناصر فارون من السجون، ومنهم من وصلوا إلى العراق، بحسب بعض المراقبين.

لا يغيب عن ذهن أحد من المراقبين والمهتمين بهذا الملف، أن خطورة تصعيد الموضوع مرة أخرى قائم بكل تأكيد، وكما أنّ خطورة أن تستطيع قوات سوريا الديمقراطية صدّ تلك الهجمات من عدمها أيضاً قائمة، وبالتالي على القوى الدولية المتواجدة في المنطقة، وعلى رأسها أوربا، حل ملف المحتجزين الأجانب من عناصر وقيادات التنظيم بأسرع وقت، فسيناريوهات اقتحام السجون وتفعيل الخلايا النائمة من جديد ما زالت قائمة، وخاصة بالتزامن مع التواجد التركي والإيراني بجوار المنطقة، فللدولتان مصلحة مشتركة بنشر الفوضى هناك، والقضاء على مكتسبات الإدارة الذاتية المدعومة أوربياً وأمريكياً.

إن المطالبات المتكررة في الأوقات السابقة، محلياً ومناطقياً، مدنياً وسياسياً، بحل ملف المتحجزين الإرهابيين في معتقلات وسجون الغدارة هي مطالبات محقة تبعد الخطر المباشر عن المنطقة، كما أننا يجب ألا ننسى أن تسرع الإدارة الذاتية بحل ملف المحتجزين السوريين وبوساطة عشائرية للإفراج عنهم أيضاً معضلة كبيرة، إن لم يؤخذ بعين الاعتبار مراقبة هؤلاء بعد الإفراج عنهم، ودراسة أوضاعهم لعدم عودتهم بالعودة إلى مبايعة التنظيم والقتال معهم من جديد.

بعد كل ذلك وما رأيناه خلال هذا الأسبوع من تكتيكات استخدمت في هذه الهجمات، يجب أن يبادر لذهننا ما قام به تنظيم داعش الإرهابي في بداياته عام 2012 عندما كسروا جدران السجون في العراق، وبدؤوا بالهروب لتشكيل التنظيم وترتيبه داخلياً، فالتكتيك والتخطيط هو المبدأ الأول للتنظيم، وهذا ما كان في حالة سجن غويران، حيث كان هناك تنظيم موجه ومركز مدعوم من داخل وخارج السجن، وكانت هناك منازل جاهزة لإيواء العناصر وتدريبهم وتزويدهم بالأسلحة، الخطر ليس فقط من هم داخل السجون، بل أيضاً الخلايا النائمة التي تقتات من الميليشيات التركية والإيرانية في الجوار، وهو باعتقادي خطرٌ مازال قائماً ولو انتصرت قوات التحالف وقوات سوريا الديمقراطية عليهم في سجن غويران الآن.

إلا أنه وبالمحصلة يبدو أن أنظار القوى الدولية لم تعر الانتباه إلى قضية انبعاث داعش من جديد في الشرق الأوسط، كما سبق وأن حصل، فالأنظار مازالت مركّزة بشكل كبير على ملف روسيا وأوكرانيا، متجاهلين خطورة ما إذا أعاد التنظيم الإرهابي الذي أرعب العالم في الأوقات السابقة. والأيام القادمة ستوضح لنا أكثر، هل ملف المقاتلين الأجانب وتأسيس مراكز التأهيل لهؤلاء في السجون التي يحتجزون فيها من قبل الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية سيؤخذ بعين الاعتبار أم سيبقى الحال كما اعتدنا، يدفع السوريون من شباب ونساء ثمن المقايضات السياسية والعسكرية في المنطقة؟

 

 شيار خليل

ليفانت - شيار خليل

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!