-
خلفيات حرب الإبـ.ـادة الإسـ.ـرائيلية على قطاع غـ.ـزة
بعد السابع من أكتوبر انطلقت التصريحات في الغرب من فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة، ومن الاتحاد الأوروبي، عن التأييد المطلق لإسرائيل في حربها الثأرية على غزة وتشبيه حماس بداعش وأنه يجب القضاء عليها مهما كلف الثمن حتى ولو تم قتل الآلالف من الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء على أساس أن حماس هي من يتحمل المسؤولية لاستخدامها لهم كدروع بشرية، حتى ولو تم القيام بجرائم حرب وضرب القوانين الدولية بعرض الحائط، وهذا مايذكرنا باستراتيجية الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وسوريا، كما حدث بالرقة بتدميرها على رؤوس أهلها وبمن فيها من الدواعش... عدا عن نعت وزير الدفاع الإسرائيلي أهالي غزة بالحيوانات ونزع صفة البشر عنهم لإحلال إبادتهم .
المدهش بالموضوع هو وقوف حكومات الدول الغربية إلى جانب إسرائيل وتصريحات زعمائها كدليل بالدعم المطلق لحربها على غزة دون النظر إلى قواعد واحترام القانون الدولي في الحروب لتجنيب المدنيين أكثر ما يمكن من الأذى والدمار وعدم قصف أو تدمير المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس التي ربما تكون ملجأ لهؤلاء المدنيين العزل.. والملفت للنظر أن تلك المواقف كانت متطابقة جميعاً، حتى إن مفوضية الاتحاد الأوروبي، فون دير لاين، أثارت حفيظة بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عندما عرضت في إسرائيل بعد عملية "طوفان الأقصى" موقفاً أكثر تأييداً لإسرائيل من موقف الدول الأعضاء الـ 27 أنفسهم وفي مناسبات أخرى، تجاوزت الوزيرة الألمانية السابقة مهامها، لا سيما في العلاقات مع واشنطن حيث طالبت بـ"إطلاق اليد لتسريع وشرعية جريمة حرب في غزة" حتى ولو أفقد الاتحاد الأوروبي "كل مصداقيته" باعتباره كان دوماً "وسيطاً عادلاً ومنصفًا وإنسانيًا".
هذا التشجيع اللامشروط على إطلاق يد الجيش الإسرائيلي بالقيام بجرائم حرب دون محاسبة وتدمير، ليس فقط للبنى التحتية، وإنما كل شيء في شمال القطاع بدافع إجبار الفلسطينيين للنزوح إلى جنوبه على أساس أن هناك عملية برية تحضر لها إسرئيل للقضاء على حماس في شمال القطاع وكل ذلك جاء في نداءات إسرائيلية لنقل فلسطيني غزة إلى سيناء ريثما تقضي على حماس، وهنا جاء الرفض المصري على لسان الرئيس السيسي واعتبر نقل الفلسطينيين إلى سيناء سيصفي القضية الفلسطينة من جهة، ومن جهة أخرى سيشكل تهديداً مباشر للامن القومي المصري لما قد يجلب لمصر عناصر من حماس "إخوان مسلمين" تزيد الطين بلة في حربه على "الإرهاب" في سيناء، حسب زعمه.
لا شك أن الحرب على غزة بشراستها وإبادتها للمدنيين، من أطفال ونساء وشيوخ، قد فجرت الغضب العالمي أمام هذه الهجمة الهمجية للجيش الإسرائيلي دون لجم أو بوادر عقاب مع شل قرارات الأمم المتحدة باستعمال الفيتو الأمريكي والفرنسي والإنكليزي، ولم تعد وسائل الإعلام العالمية قادرة على تبرير جرائم الحرب التي يرتكبها.
عملياً هذه الحرب قوّضت المساعي الدبلوماسية الأمريكية الأخيرة لدفع عجلة التطبيع المرتقب بين السعودية وإسرائيل، حسب اتفاقات أبرهام التي وقعت عليها مؤخراً عدة دول عربية، كالإمارات والبحرين والمغرب السودان.
أضف أنها غيرت وجهة الأنظار من الحرب في أوكرانيا إلى فلسطين، وأججت نيران الصراع المرتقب بين إيران وحلفائها مع إسرائيل الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى على وقع تطور الحرب في غزة.
أضف أن نيران الحرب في غزة قد تنتقل إلى كل المنطقة وما ستحمله من ويلات ودمار وتوقف مؤكد لإمدادات الطاقة وتأثيره على اقتصاديات العالم في الغرب والشرق، وهذا ما يفسر قدوم البوارج الصينية إلى مياه البحر الأبيض المتوسط إلى جانب البوارج وحاملات الطائرات الأمريكية والبوارج الروسية والفرنسية والبريطانية.
ما الذي أدى إلى انفجار هذه الأزمة وكيف وصلنا إلى هذا الحد؟
أولاً: اتفاقات أبراهام للسلام جعلت بعض الدول العربية تتوافد لتوقيع معاهدات التطبيع مع الكيان الصهيوني من السودان للإمارات للبحرين والمغرب، وأخيراً كان انطلاق المفاوضات مع السعودية التي ربطت توقيعها على موافقة ضمنية من الولايات المتحدة على شروطها الثلاثة:
- تسوية صفقات السلاح التي أوقفتها إدارة بايدن.
- إجراء تحالف دفاعي معها.
- إقامة برنامج نووي كامل في السعودية.
دون البت بحل عادل شامل ونهائي للقضية الفلسطينية على أن يبقى هذا الأمر معلقاً لمرحلة قادمة، كما أوضحه نتنياهو بخطابه بأن "السلام مع الدول العربية كأولوية سيساعد على حل قضية الفلسطينيين وليس حل القضية أولاً ومن ثم التطبيع لاحقاً".
ثانياً: الاستفزازات المتكررة من اليمين الاإسرائيلي المتطرف فيما يتعلق بالمسجد الأقصى والذي أثار غضب الشارع الفلسطيني ومارافقه من قمع وإهانة وإذلال للمواطنين الفلسطينيين.. مع اشتداد وطأة التمييز والفصل العنصري وبأبشع صوره وبناء الجدار الذي جعله أسوأ من الأبرتايد في جنوب أفريقيا، أضف إلى الحصار الخانق على غزة والذي يشبهها الجميع بالسجن المفتوح لـ 2,2 مليون نسمة.
ثالثاً: هناك عامل خارجي هو التهديد المتواصل بين إسرائيل وإيران والذي دعا نتنياهو مراراً لتدمير قدرات إيران النووية والبالستية ومنعها من الوصول لامتلاك السلاح النووي والذي سيهدد أمن إسرائيل وحتى وجودها، طالما المفاوضات الحالية حول الملف النووي تتعسر ودون الوصول إلى اتفاق يرضي إسرائيل منذ تعطيل اتفاقية عام 2015.
رابعاً: اشتداد الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي بين حكومة نتنياهو والأحزاب الأخرى على خلفية التعديلات المطروحة من قبل نتنياهو فيما يتعلق بالسلطة القضائية والتي تمنحه الفرصة لتصفية حساباته معها والبحث عن حصانة لنفسه أمام العديد من الاتهامات التي سيواجهها أمام القضاء الإسرائيلي.
خامساً: تبخر حل الدولتين بسبب الاستيطان المستمر وانكماش رقعة الأراضي تحت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية والذي يجعل قيام دولة فلسطينية على رقعة أرض غير متجانسة أو متواصلة شبه مستحيل.. كذلك تبخر حل الدولة الواحدة على أساس القوميتين بعد التأكيد على يهودية الدولة بمشروع قانون عام 2018.
خلف هذا المشهد المعلن هناك مشاريع واتفاقات مع دول الخليج قد بدأت تظهر للعلن بعد خطاب نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي أعطى فكرة عن الخطوط العريضة لمشروع الشرق الأوسط الجديد وعن أهمية التطبيع مع السعودية.
فأهم هذه المشاريع الاستراتيجية هي:
1- مشروع الطريق الذي يربط آسيا من الهند للإمارات بحراً، ومن الإمارات للسعودية لإسرائيل ميناء عسقلان (الذي يبعد 25 كم شمال قطاع غزة فقط) براً، وميناء حيفا فأوروبا بحراً.
2- مشروع ربط خط أنابيب الإمارات فالسعودية فإسرائيل (إلى ميناء عسقلان) من أجل إمدادات البترول ومشتقاته إلى أوروبا.. ومشروع أنابيب بحري يربط إسرائيل بقبرص فاليونان فأوروبا.
3- مشروع قناة بن غوريون الذي بدأت بتنفيذه إسرائيل والذي يربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط ويصل بالذات إلى شمال قطاع غزة فإذا تم تفريغ غزة أو على الأقل شمالها فيمكن أن تمر القناة من غزة بأقل التكاليف.
4- الاكتشافات أمام شواطئ غزة وفي المياه الإقليمية التابعة لها لكميات كبيرة من الغاز الطبيعي وهذا ما يوضح السياسة الإسرائيلية بمنع أهالي غزة بالملاحة أو الصيد إلى أبعد من 20 ميلاً، علماً بأن مياه النشاط الاقتصادي تصل إلى 200 ميل حسب قانون البحار الدولي.
مشروع الطريق :
لقد تم الإفصاح عنه في الاجتماع الأخير لمجموعة العشرين من قبل الولايات المتحدة وحلفائها عن خطة بناء طريق تجاري وسكك حديدية ستربط الهند بالشرق الأوسط والمجموعة الأوروبية، وهو طريق يراد به أن يكون بديلاً ومنافساً لمشروع الحزام والطريق الذي ستنشئه الصين والذي يربط شرق آسيا والشرق الأوسط إلى البحر الأبيض المتوسط عبر الأراضي الإيرانية والعراقية والسورية إلى الموانىء السورية ومن ثم إلى أوروبا.. وربما هذا ما يفسر وصول البوارج الصينية إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط الشرقية وإلى منطقة النزاع الحالي لضمان الملاحة وحماية بواخرها التجارية.
مشروع أنابيب الإمدادات البترولية الإماراتي:
وهو المشروع الذي سيمتد من الإمارات عبر السعودية إلى إسرائيل، حيث وقّعت أبو ظبي وتل أبيب العام الماضي اتفاقاً يستهدف نقل نفط الخليج إلى أوروبا، وذلك عبر خط أنابيب يربط أبو ظبي والخليج بميناءي إيلات على البحر الأحمر، وعسقلان على البحر المتوسط (25 كم عن غزة)، والذي يمر معظمه حالياً عبر قناة السويس من خلال حاملات البترول البحرية.. هذا المشروع سيخفض من سعر الكلفة ويسهل نقل كميات أكبر تلبي حاجات السوق الأوروبية المتزايدة بعد انقطاع تزويدها من البترول والغاز الروسي عقب حرب أوكرانيا والتي كانت تعتمد على هذا المصدر بشكل أساسي 95%. هذا المشروع سينوع من مصادر الطاقة لأوروبا، خاصة وأن الإمارات وقعت اتفاقية ببناء خط أنابيب بحري يصل إسرائيل بقبرص فاليونان فأوروبا، وهذا مما سيجعل إسرائيل ممراً أساسياً يتحكم بصادرات البترول الخليجي إلى أوروبا وصادرات الغاز من شرق البحر المتوسط سيكون المصدر الأساسي للغاز لأوروبا خلال 76 سنة القادمة... بنفس الوقت سيخفض عائدات قناة السويس بنسبة 17 % أضف أن هناك تحذيرات من ازدواج خط بترول إيلات عسقلان قبل نهاية 2025، والذي سيتسبب في قتل خط سوميد المصري (الذي ينقل النفط الخليجي من ميناء العين السخنة بالبحر الأحمر إلى ميناء سيدي كرير على البحر الابيض المتوسط).
مشروع قناة بن غوريون:
هو مشروع لشق قناة موازية لقناة السويس تربط البحر الأحمر عند ميناء إيلات بالبحر الأبيض المتوسط عند ميناء عسقلان، فهذا يعني أن أنابيب البترول لن تقضي فقط على الملاحة البحرية لناقلات البترول عبر قناة السويس، بل ستأخذ أيضاً حصة بالناقلات التجارية والتي بدورها ستخفض عائدات قناة السويس بنسبة كبيرة والتي تقدر سنوياً بـ 6 مليارات دولار تعود عادة للخزانة المصرية.
مع الأسف كان من الممكن لمصر أن تقف عائقاً أمام هذه المشاريع أو تستفيد جزئياً من عائداتها، لولا تخليها عن سيادة جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية، وهما اللتان تتحكمان في مدخل خليج العقبة وميناءي العقبة بالأردن وإيلات بإسرائيل، وتقعان على امتداد يتسم بأهمية استراتيجية ويمثل طريق إسرائيل لدخول البحر الأحمر. من هنا نستطيع أن نفهم الغضب المصري من رغبة الإسرائيليين تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء علماً أن هذا المشروع قد عرض سابقا على الرئيس مبارك مع تعويضات مالية كبيرة وتم رفضه لما فيه من تهديد للأمن القومي المصري.
أما فيما يتعلق باكتشافات للغاز امام شواطىء غزة:
فيعود الأمر لاكتشاف أول حقل للغاز في حوض شرق المتوسط بمنتصف التسعينيات من القرن الماضي وكان ذلك على يد المهندس الفلسطيني إسماعيل المسحال الذي كان يشغل منصب مدير الموارد الطبيعية والمعدنية لدى السلطة الفلسطينية وصاحب الخبرة الكبيرة في المجال، لطالما عمل في مجال البترول في ليبيا وقطر والعراق، فكان أول من تنبأ بوجود الغاز في بحر غزة وتواصل حين ذاك مع "أبو عمار"، رئيس السلطة الفلسطينية، الذي وصله حين ذاك مع عدة شركات للتنقيب والاستخراج. في بادىء الأمر تم التفاوض مع شركتيين ألمانيتين GEF وشركة ROBERTSON لكن تم التوقيع مع شركة BRITISH GAZ لاحقاً دون الدخول بمناقصات دولية تفتح الباب للتنافس والحصول على أفضل العروض لصالح الفلسطينيين. قيل حين ذاك الوقت إن الدائرة المحيطة المغلقة بالرئيس ياسر عرفات أقنعته بالتعامل مع شركة يعرفونها ولها علاقات استراتيجية مع إسرائيل يمكنها أن تقنع الطرف الإسرائيلي بعدم وضع العراقيل على هذا المشروع. وفي 19 أكتوبر 1999 تم التوقيع على عقد التنقيب بشروط بأقل بكثير مما كان يفاوض عليها المهندس إسماعيل المسحال من أطراف أخرى رفضت أن تفصح حتى اليوم عن مداخلات ذلك العقد، أبرز تلك النقاط كان على كيفية توزيع العائدات حيث تحصل BRITISH GAZ على 60% وتحصل شركة اتحاد المقاولين CCC على 30% أما حصة صندوق الاستثمار الفلسطيني تحصل على 10% فقط. وكان هناك البند الآخر الملفت للنظر أن على الجانب الفلسطيني أن يعلم الجانب الإسرائيلي عن أي اكتشافات وإنتاج للغاز والبترول يقوم به الفلسطينيون أو من يكلفونهم! (اللافت بالأمر أن هذه الاتفاقية لم تعرض على المجلس التشريعي الفلسطيني ولم تنشر في الصحف الرسمية) أضف أن عملية التنقيب والاستكشاف والمسح يجب أن تحصل على الموافقة الإسرائيلية، علماً بأنها مياه فلسطينية خالصة وفق الأعراف والقوانين الدولية. فوراً بعد التوقيع مباشرة قامت مفاوضات شركة BRITISH GAZ والحكومة الإسرائيلية لشراء غاز غزة المستخرج باعتباره أفضل مورد للغاز والذي يبعد فقط 36 كم عن شاطىء مدينة غزة والذي سيعتمد على مد أنابيب مباشرة إلى ميناء عسقلان القريب جداً من موقع الاستخارج من حقل مارين.. حتى يكون هذا الأمر ذا جدوى اقتصادية فلا بد من وجود سوق يستهلك على الأقل Billion Cubic Meter) 2 bcm) وهذا السوق لم يكن موجودا داخل مناطق السلطة الفلسطينية، لذلك السوق الوحيد الذي كان متوفرا هو السوق الإسرائيلي. بالنتيجة تم افتتاح عملية التنقيب من قبل ياسر عرفات في 28 سبتمبر 2000. ماذا حدث بعد ذلك؟
1- بعد التوقيع بيوم واحد اقتحم أريل شارون باحات المسجد الأقصى واندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية! وبأشهر قليلة اعتلى شارون سدة الحكم وتعثرت مفاوضات السلام. لكن في الغرف المغلقة كان ملف الغاز يتم التفاوض عليه سراً وتم الاتفاق على الغاز مقابل الكهرباء لأن الطرف الإسرائيلي أفهم السلطة الفلسطينية التي كانت تحكم غزة أنهم لن يدفعوا ثمن الغاز وإنما سيسدد جزءاً من ديون الكهرباء التي تعطيها إسرائيل لغزة وسيبنون محطة كهرباء على مقربة من غزة مقابل الغاز رغم موافقة السلطة الفلسطينية على الشروط المجحفة بحق مورد استراتيجي للفلسطينيين، إلا أن أريل شارون لم يمرر هذا الاتفاق بحجة أن أموال الاتفاق قد تذهب للإرهاب!
2- مرة أخرى معارضة استخراج الغاز ارتكزت على مبدأ مستند إلى قانون دولي أن المنطقة الاقتصادية في البحر هي لإسرائيل وبما أن السلطة الفلسطينية ليست دولة فليس من حقها أنت تمتلك مياه إقليمية خاصة بها.. لذلك تم اعتبار الحقوق التي منحها يهود باراك لياسر عرفات غير قانونية وباطلة.
3- أدركت الشركة الإنكليزية British Gaz أنها دخلت بدوامة الإسرائيليين ولن تنتهي بسلام فأعلنت أنها ستتفاوض مع الجانب المصري لنقل غاز غزة عبر الموانئ المصرية في العريش.. لكن مصر في عهد حسني مبارك وفي الوقت الذي أعطت الموافقة لتصدير الغاز الفلسطيني كانت تجري مفاوضات تحت الطاولة عبر شركات خاصة لبيع الغاز المصري لإسرائيل بأسعار جدا منخفضة وبكميات غير محدودة مما ضرب سوق الغاز الفلسطيني وعطل استخراجه ونجح شارون بابقاء غاز غزة بمكانه.
4- في عام 2006 شارون دخل بغيبوبة وصعد يهود أولمرت إلى سدة الحكم، وبالجانب الفلسطيني فازت حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية وتشكلت حكومتها وتعقدت الصورة بعد ذلك، فحماس مطالبة دولياً بالاعتراف بإسرائيل وبكافة الاتفاقيات التي وقعتها السلطة. لكن رفض حماس فرض عليها عقوبات مختلفة، والغريب أن حكومة حماس لم تجد أي أثر لاتفاقيات الغاز والعقود التي وقعت من قبل السلطة الفلسطينية، ولم تجد سوى تقارير صحفية من هنا وهناك.
5- اختلف الفلسطينيون فيما بينهم وحسمت حماس بسيطرتها على غزة عسكريا.. بالتزامن مع ذلك ذهب يهود أولمرت للتفاوض مع BRITISH GAZ بمعزل عن السلطة الفلسطينية وفشلت المفاوضات وأغلقت BRITISH GAZ مكاتبها في إسرائيل ورحلت، والسبب كان أن أولمرت طلب أن تشتري إسرائيل الغاز بثلث سعره العالمي! لكن بالنسبة للشركة الخاصة BRITISH GAZ سيعود ذلك عليها بالخسارة وأصبح واضحاً أن لا جدوى لهذا المشروع بسبب القيود الإسرائيلية عليه.
6- 2012 حاولت حكومة حماس تحريك المياه الراكدة بالسعي لاستخراجه بإمكانيات محلية لكنها لم تفلح لعدم توفر الإمكانيات التقنية والمعدات اللازمة بسبب الحصار على غزة مع أنها حصلت على مسح جيولوجي لحقول الغاز من قبل روسيا، والأبحاث والدراسات على وضع غاز غزة أجمعت على أن عدد آبار الغاز وحجم الكميات فيها أكبر بكثير من الكميات التي أعلن عنها رسمياً.
7- عدد حقول غاز غزة في حدودها البحرية غير محدد ولكن لا يقل عن 8 حقول تستغلّ إسرائيل حالة التخاذل والصمت الدولي وتضع يدها على كل الحقول التي تجاور حدود المياه الإقليمية لفلسطين.. استطاعت أن تجفف حقل ماري B الذي احتوى على 1,5 ترليون قدم مكعب كانت لتكفي تزويد الفلسطينيين بالغاز ل15 عاماً.
مؤسسة SOMO الهولندية المختصّة بشؤون البيئة والطاقة وثقت تقريراً مفصلاً لسرقة إسرائيل للغاز الفلسطيني بطرق غير مشروعة على الحدود البحرية لفلسطين.. المسؤولون الإسرائيليون رفضوا ذلك على أساس أن الطبقات الجيولوجية التي تحتوي الغاز متواصلة فيما بينها والجواب على هذا الأمر متروك لتقييم كلا الجانين الفلسطيني والإسرائيلي وكل طرف يراه على هواه. أضف أن إسرائيل لم تسمح للفلسطينيين بالاستكشاف عن الغاز سوى على 17% من المنقطة البحرية التابعة لها اقتصادياً.. فالمنطقة الباقية مرشحة لأن تستغلها إسرائيل كما فعلت بحقل ماري B.. وحسب الخبراء الدوليين فلسطين لن تحصل على شيء ما لم تتخذ خطوات جادة بالمطالبة بحقوقها بهذه المنطقة الاقتصادية.
9- أكثر من 85% من كهرباء غزة، والتي تمثل العنوان الكبير من معانات أهلها يتم شراؤها من الشركة الإسرائيلية التي تستخدم الغاز الفلسطيني من حقل ماري B الذي تم تجفيفه بالكامل.
10- لكن التطور الأخير الذي حدث هو إعلان الحكومة الإسرائيلية في يونيو/ حزيران الماضي موافقتها المبدئية على تطوير حقل «غزة مارين» الواقع قبالة قطاع غزة، بشرط أن "تتحقق فيه المتطلبات الأمنية والدبلوماسية لدولة إسرائيل".
فلقد تخلت شركة "شل" عن المشروع لصالح التحالف المصري -المؤلف من الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» وبعض شركات القطاع الخاص- وصندوق الاستثمار الفلسطيني على أن يبدأ التنقيب بشهر أكتوبر الماضي 2023 مع دعم من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على أن يوزع قسم لمحطة كهرباء غزة وقسم لمحطة جنيين والباقي لمصر ليتم تسييله وتصديره للأسواق الأوروبية، لكن طوفان الأقصى جاء وأوقف هذا المشروع.
هناك عدة تساؤلات تطرح نفسها:
1- هل هجوم حماس في السابع من أكتوبر جاء لتعطيل هذا المشروع طالما كانت مبعدة كليا عنهىأم أن استفزازات الأقصى كانت السبب لتفجير الوضع بين إسرائيل والفلسطينيين وتعطيل هذا المشروع كما حصل سابقا عندما اجتاح شارون باحة المسجد الأقصى وأشعل الانتفاضة الثانية والنتيجة كانت إيقاف هذا المشروع في ذلك الوقت؟
2- هل ستعمل إسرائيل اليوم على اجتثاث حماس من غزة لتسهيل التعاون مع السلطة الفلسطينية أم الدفع للنزوح من غزة ليسهل على إسرائيل السيطرة التامة على آبار غزة في مياهها الإقليمية باعتبار غزة لم تعد فلسطينية، وفي كلا الحالتين هي المستفيد الأول؟
3- هل تعطيل التنقيب والبحث عن آبار أخرى في المياه الاقتصادية الفلسطينية من قبل حماس يغضب أوروبا التي كانت تعلق الآمال الكبرى على ايجاد وتنويع مصادر الطاقة، وبالذات الغاز من شرق المتوسط بأسعار تنافسية بعدما توقف استيراد غاز روسيا بسبب الحرب الأوكرانية وما تبعه من آثار سلبية على اقتصادياتها. واليوم تجلت حاجتها الماسة لهذا الغاز الذي سيكون سعر المتر المكعب بأقل بكثير من ثمن غاز الولايات المتحدة المستورد الأساسي اليوم؟
4- اذا كان الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وبالذات قرب الممرات البحرية كقناة السويس، باب المندب، مضيق هرمز، عاملاً متغيراً وغير مضمون على المدى القصير حسب الصراع القائم مع إيران وحلفائها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان يجعل من إسرائيل وسياسة التطبيع مع دول الخليج السبيل الوحيد لضمان تدفق الطاقة إلى أوروبا وبأفضل الأسعار فهل هذا يفسر دعم الحكومات الغربية والأمريكية غير المشروط لحكومة نتنياهو للقضاء على حماس وإطلاق يده بتدمير غزة على رؤوس أطفالها ونسائها ورجالها من أجل دفعهم للنزوح وإفراغ غزة أو طرد حماس لتأتي السلطة الفلسطينة الأكثر "اعتدالاً وتعاوناً" مع سياسات إسرائيل حيث ستستلم القطاع مكان حماس أم أن تفريغ القطاع من سكانه وتهجيرهم إلى سيناء ومن ثم ضم القطاع لدولة إسرائيل ومحو حقوق الفلسطينيين بثروات مياه غزة الاقتصادية واستثمار الغاز فيها كما يحلو لها..على اعتبار إسرائيل تبقى الدولة الأكثر ضمانة للمصالح الغربية في منطقة الشرق الأوسط؟
الخلاصة:
إسرائيل بحكوماتها المتعددة عملت وتعمل على جعل حياة الفلسطينيين لا تطاق حتى تدفعهم للهجرة وترك أرضهم لتصبح أرضاً صهيونية خالصة، لكن إصرار الفلسطينيين والتضحيات الجسام التي قدموها ويقدموها، إن كان في الضفة أو في قطاع غزة، لا بد وأن تنتهي بحل والاعتراف بفشل هذه السياسة الفاشية والعنصرية التي أثبتت فشلها بتأمين الأمن لإسرائيل بل على العكس تماماً... الوضع الحالي والجرائم المتكررة، وبالذت الحرب القائمة لم تعد تطاق لاعالمياً ولاحتى في الداخل الإسرائيلي وستؤدي بنهاية المطاف لإيجاد حل يسكت نار الحقد والكراهية ويدفع نحو السلم العادل والدائم، هذا السلم لا بد من تحديد معالمه على ضوء التجارب السابقة الفاشلة (من قرارات الأمم المتحدة 242 و338 واتفاقية أوسلو)، وعلى ضوء التغيرات الديمغرافية التي حصلت وسياسة الاستيطان التي عقدت المشهد السياسي والجغرافي والاقتصادي والإنساني فلا حل الدولتين أصبح وارداً بسبب التغييرات الديمغرافية التي أحدثها الاستيطان في الضفة الغربية وجدار الفصل العنصري القائم. ولا حل الدولة الواحدة بقوميتين الذي ما يزال معقداً والذي يتطلب جهوداً كبيرة مع إبعاد المتطرفين من كلا الطرفين وتعديل قانون يهودية الدولة الإسرائيلية والبحث عن تركيبة أخرى تضمن السلام والأمان والازدهار للشعبين تحت علم واحد.. ربما هذا السلام يجعل المشاريع المطروحة أعلاه مشاريع تطور وازهار يستفيد منها الشعبان وليس لشعب على حساب الآخر.. خاصة وأن الطموحات السعودية لعام 2030 وفكرة تطوير مدن مستقبلية تعطي المجال لخلق فرص عمل وتطور وازدهار وربط اقتصادي مع كل دول المنطقة سيعود بلا أدنى شك بالفائدة والرخاء والاستقرار والسلام ويجعل الشرق الأوسط، أوروبا المستقبل، كما تصورها ولي العهد السعودي لكن دون الإفراط بحقوق الشعب الفلسطيني الذي سيبقى عائقا أمام كل المشاريع والرقم الصعب إذا تم على حسابه أو حساب أي شعب آخر في المنطقة.. فاليوم نحن على مشارف حرب إقليمية وربما عالمية ليس من الحكمة إيجاد حلول عبر الطرق الدبلوماسية والضغط على إسرائيل للاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني بالحياة الكريمة على أرضه وحقه بالتنقل على كامل أرضه واستثمار ثرواته وتأمين الحماية الدولية له ريثما تهدأ النفوس ويصبح التعايش ممكنناً بين الشعبين وبين شعوب المنطقة بأكملها.
ليفانت - د. حسان فرج
كاريكاتير
قطر تغلق مكاتب حماس
- November 11, 2024
قطر تغلق مكاتب حماس
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!