-
درس مستفاد من المصالحة بين مصر وقطر
إن التحول الكبير في سياسة قطر الإقليمية هو أمر يستحق الترحيب والإعجاب. لأول مرة منذ الثمانينيات، تنفض القيادة القطرية عن نفسها غبار الاستراتيجية المعيقة المتمثلة في دعم جماعات الإسلام السياسي ضد مصالح الحكومات العربية. بدلاً من ذلك، أصبحت قطر حريصة على إعادة بناء علاقات صحية مع جميع الدول العربية الشقيقة بلا استثناء.
يبشر النهج الجديد في سياسة قطر باستعادة الاستقرار السياسي في المنطقة، بل أكثر من ذلك، فهو يُعد قطر لتكون واحدة من أكبر المؤثرين في أجندة الشرق الأوسط السياسية والاقتصادية، حيث إن بإمكان قطر بعد استعادة ثقة الدول العربية الشقيقة، أن تعيد تقديم نفسها كمحور لربط الدول العربية وغير العربية في المنطقة بشكل حقيقي وفعال، نظراً لحقيقة أن قطر هي الدولة العربية الوحيدة التي تتمتع بعلاقات عميقة ومتينة مع تركيا وإيران، بالإضافة إلى أهم دولتين في جوار الشرق الأوسط – أفغانستان وباكستان.
صرّح أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، لمجلة "لو بوينت" الفرنسية، الأسبوع الماضي، أن بلاده لا علاقة لها بالإسلام السياسي، وأكد أنه لا يُسمح لأي عضو نشط في جماعة الإخوان بالعيش في قطر، احتراماً لعلاقتها مع الدول العربية الأخرى التي تصنف جماعة الإخوان كتنظيم إرهابي.
حيث قال الأمير تميم نصاً: "هذه العلاقة مع جماعات الإسلام السياسي غير موجودة، ولا يوجد أعضاء نشطون في جماعة الإخوان المسلمين أو أي جماعات مرتبطة بها على الأراضي القطرية. نحن دولة منفتحة، يمر عبرها عدد كبير من الأشخاص ذوي الآراء والأفكار المختلفة. لكننا دولة ولسنا حزباً، وبالتالي نحن نتعامل مع الدول وحكوماتها الشرعية، ليس مع منظمات سياسية".
تزامنت تصريحات الأمير تميم المثيرة للإعجاب مع زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للدوحة، في إطار الجهود المتبادلة لتحسين العلاقات، بعد أربع سنوات من المقاطعة الدبلوماسية والحروب الإعلامية التي أشعلت النار في المنطقة بأكملها. منذ توقيع بيان العلا، في إطار مبادرة المصالحة العربية التي قادتها السعودية العام الماضي، تتقدم العلاقة بين مصر وقطر باطراد على جميع المستويات.
القطاع الاقتصادي هو أحد المجالات التي يتضح فيها هذا التحسن. في العام الماضي وحده، استثمرت قطر عشرات المليارات من الدولارات في قطاعي السياحة والبترول في مصر. علاوة على ذلك، وعدت قطر الحكومة المصرية، في شهر مايو، بالمشاركة في النهوض بالاقتصاد المصري المتعثر من خلال جدولة استثمارات أكبر على مدى السنوات الأربع المقبلة. وأثناء الزيارة الأخيرة للرئيس السيسي إلى الدوحة، تم توقيع عدة اتفاقيات لتعزيز التعاون بيم البلدين على المدى الطويل.
يعود التنافس السياسي بين مصر وقطر إلى حقبة الثمانينيات، أي أنها ربما تكون أقدم من عمر الأمير تميم نفسه. لكن، في السنوات السبع الماضية، وصل هذا التنافس إلى ذروته عندما تبنى السيسي وتميم مواقف متعارضة حول شرعية الإخوان المسلمين. مع ذلك، فإن صحوة الأمير القطري مؤخراً على حقيقة أن العلاقات بين الدول أكثر استمرارية هو أمر بالغ الأهمية، لأنه يشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط المشتعلة بالصراعات قد بدأت تدخل في حالة نضوج سياسي.
ظهرت بوادر تخلي الأمير تميم عن جماعة الإخوان المسلمين خلال زيارته للقاهرة في شهر يونيو، حيث حرص الأمير القطري على تهنئة نظيره المصري بذكرى الثلاثين من يونيو، فيما بدى على أنه إعلان من الأمير تميم للاستراتيجية الجديدة، عبر الإقرار بشرعية الدولة المصرية الحالية وسقوط شرعية الإخوان، حيث تمثل الثلاثين من يونيو ذكرى سقوط الإخوان المسلمين من السلطة في عام ٢٠١٣ وصعود الرئيس السيسي إلى السلطة في عام ٢٠١٤.
إن نجاح قضية لم الشمل بين مصر وقطر، وتأثيرها الهائل على إضعاف جماعة الإخوان المسلمين، ينبغي أن يشجع مصر على التفكير في اتخاذ خطوات أكبر نحو المصالحة مع تركيا. فقد كانت تركيا، على غرار قطر، داعمة لجماعة الإخوان المسلمين ضد قيادة السيسي في الماضي. لكن في العامين الماضيين، غيرت تركيا بشكل جذري سياستها في الشرق الأوسط، حيث سحبت القيادة التركية دعمها للإخوان المسلمين ضد الدولة المصرية، من أجل التركيز على إعادة بناء علاقات صحية مع الدول العربية وإسرائيل.
لإغلاق دائرة التضامن الإقليمي في الشرق الأوسط التي من شأنها ضمان الاستقرار السياسي الإقليمي على المدى الطويل، حان الوقت لكي تستجيب مصر ليد تركيا الممدودة بالسلام، مثلما فعلت مع قطر. فمن يدري، ربما يقود ذلك إلى نتائج سياسية لصالح المنطقة أفضل بكثير من حالة الشقاق الحالية بين البلدين.
ليفانت - داليا زيادة
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!