الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • دور الطلاب والوسط الأكاديمي في الانتفاضة الوطنية الإيرانية ومعاناته "الجزء الثالث والأخير"

  • دور الأكاديميين الإيرانيين وشجاعتهم وتضحياتهم في دعم الانتفاضة]
دور الطلاب والوسط الأكاديمي في الانتفاضة الوطنية الإيرانية ومعاناته
سامي خاطر

أصدر اتحاد أساتذة الجامعات الإيرانية بياناً انتقدوا فيه "تدخلات" أجهزة أمن واستخبارات النظام الإيراني في  الأمور المتعلقة بالجامعات، وحذر البيان مما أسماه بـ"التراجع التدريجي" لهذه المراكز التعليمية، وفي البيان الذي نُشر في 27 أغسطس كتب اتحاد أساتذة الجامعات الإيرانية داعياً وزارة الداخلية إلى القيام بـ"واجباتها القانونية" بما في ذلك "تحسين أمن البلاد" بدلاً من التدخل في عمل الجامعات، وذكرت تقارير مختلفة في 26 أغسطس أنه مع اقتراب الذكرى السنوية للانتفاضة الوطنية الإيرانية 2022 وإعادة فتح الجامعات في إيران قد تم طرد 10 أساتذة على الأقل من جامعات شريف، وعلامه، وطهران من خلال إيقافهم عن العمل وإقالتهم، في يوم واحد.

كما وصف اتحاد أساتذة الجامعات رسالة وزير الداخلية في حكومة الرئيس الإيراني الجلاد إبراهيم رئيسي بـ"تعيين 15 ألف عضو هيئة تدريس من المتحالفين مع النظام بأنه فرض للأجواء الأمنية على الجامعات، وحذر البيان من أن الأساليب الحالية بالإضافة إلى "العواقب غير السارة" في سبيل تقدم البلاد لن تلبي مطالب "المتدخلين الاحتكاريين" أيضاً.

وفي وقت سابق، وصف عدد من أساتذة الجامعات الجهود المبذولة لتعيين 15 ألف عضو هيئة تدريس بتدخل مجلس الأمن القومي بـ "الانقلاب من قبل قسم الأمن في النظام السياسي الإيراني ضد النظام العلمي للجامعات" و"الطلقة الأخيرة في دماغ النظام العلمي" و"الثورة الثقافية الثانية"، وحذر اتحاد أساتذة الجامعات من أن الوضع "أدى إلى إحجام الأكاديميين عن مناقشة مختلف قضايا التنمية في إيران وزيادة مغادرة النخبة للبلاد".

كما وصف اتحاد أساتذة الجامعات الرسالة الأخيرة التي وجهها وزير الداخلية أحمد وحيدي إلى مكتب الشؤون الإدارية والتوظيف والتي تم فيها تحديد أعضاء هيئة التدريس على أنهم العامل الأكبر في الانتفاضة الثورية الأخيرة، كمثال بارز على "هيمنة الأجواء الأمنية في الجامعات".

يمارس النظام ضغوطاً على بعض أساتذة الجامعات، ومن بينها قطع رواتبهم بسبب تضامنهم ودعمهم للانتفاضة الشعبية في البلاد، فعلى سبيل المثال اعتقل النظام الإيراني في 7 ديسمبر (كانون أول) الماضي في محافظة كردستان غربي البلاد محمد صادق أميري الأستاذ وعضو الهيئة العلمية بفرع المحاسبة في جامعة سنندج الأهلية غربي إيران، كما استدعت لجنة النظر في مخالفات الأساتذة بجامعة باهنر بكرمان زهرا خشك جان أستاذة العلوم السياسية بسبب عدم عقد صفوفها الدراسية أثناء إضرابات عارمة استمرت لـ 3 أيام في إيران وهي الآن ممنوعة من الدخول إلى الجامعة وممارسة مهنتها، كما مُنِع أبو الفضل شابان، مدير قسم فرع التربية البدنية بجامعة جهرم الإيرانية، من الدخول إلى الجامعة وممارسة المهنة.

بحسب تقارير من مصادر طلابية في إيران، فإن النظام الإيراني مارس ضغوطاً على كل من الأستاذة آذين موحد أستاذة مشاركة وعضوة رسمية في اللجنة العلمية لفرع الموسيقى بجامعة طهران، والأستاذ أمير قادر آمرزي في كلية الرياضيات بجامعة طهران، وتزامناً مع الاحتجاجات الطلابية بدأ النظام في جامعات إيران بقمع الأساتذة والأكاديميين الذين أعلنوا دعمهم للطلاب المحتجين، وأثارت الضغوط على الأساتذة الجامعيين موجة من الغضب والاحتجاج بين الطلاب في إيران.

ونظم الطلاب إضرابات وتجمعات بكلية الموسيقى بجامعة طهران احتجاجاً على قطع راتب الأستاذة آذين موحد وغيرها من الأساتذة ورفعوا شعار "الأستاذ والطالب يداً بيد وجنباً إلى جنب".

وتعبيراً عن تضامنهم مع الأستاذ أمير قادر آمرزي؛ شارك طلاب كلية الرياضيات بجامعة طهران، اليوم السبت، بشكل مكثف في محاضرة هذا الأستاذ، وأدان الطلاب ما سموه "بثّ الرعب والخوف بين الأساتذة" عبر قطع رواتبهم.

وقبل أيام أيضاً نظم طلاب جامعة شريف بطهران تجمعات في بهو كلية هندسة الحاسوب احتجاجاً على استدعاء الأستاذ علي شريفي زارجي، ويشار إلى أن شريفي زارجي كان يتابع قضايا الطلاب المعتقلين منذ اندلاع الاحتجاجات الطلابية.

الجامعات الإيرانية ثكنات أمنية وعسكرية في ظل حكم نظام الملالي

تعمد نظام الملالي استهداف الجامعات منذ قيام الثورة الإيرانية، ليحولها إلى بؤر يستهدفها بالقمع والاعتقالات للقضاء على ثورة طلابها، وقد ظلت الجامعات منذ فترة الستينيات في حالة صراع كبيرة بين النظام الإيراني والطلاب اللذين سعوا إلى إقرار الحرية والعدالة الاجتماعية مقابل رفض النظام ذلك.

إن انتشار القوى الأمنية والأمن السري والقوى المسلحة داخل الجامعات الإيرانية وخضوع إدارة الجامعات لتلك القوى حولها لثكنات أمنية وعسكرية ومراكز تعسفية بدلاً من أن تكون حصوناً علمية رصينة تحمي أبناءها.

وعلى صعيد آخر، طالب عدد من العناصر المرتبطين بالمؤسسات الأمنية والعسكرية في إيران، منهم أعضاء  في مجلس النظام، بفصل النخب والأكاديميين الذين ينتقدون عمل الحكومة من الجامعات الإيرانية، وتوظيف مزيد من العناصر المقربة من نظام طهران للعمل بالتدريس في المنشآت الجامعية، ورد الطلاب على ذلك في مذكرة احتجاجية وقع عليها آلاف الطلاب وأعضاء التدريس في الجامعات الإيرانية رافضين من خلالها عمليات التطهير الحكومي وانخفاض المستوى الأكاديمي مطالبين بعودة جميع الأكاديميين والطلاب الذين تم فصلهم وهددوا السلطات الجامعية بالانقطاع عن الدراسة في العام الدراسي الجديد ما لم تلبِّ مطالبهم.

وفي هذا السياق، قامت الأجهزة الأمنية ووزارة العلوم في حكومة إبراهيم رئيسي، خلال الأسابيع الماضية، وقبل بدء العام الدراسي الجديد في الجامعات بفصل مئات الأكاديميين الذين كانت لديهم آراء سياسية واجتماعية تختلف عن عقيدة النظام ومؤسساته وعناصره؛ أو أولئك الذين انتقدوا أساليب القمع والقتل التي طالت كثيرين من الطلاب العام الماضي.

والجدير بالذكر أن عمليات الفصل الحالية تسمى بـ"الثورة الثقافية الثانية" وما يحدث فيها يحاكي ما حدث في "الثورة الثقافية الأولى" خلال السنوات الأولى من انتزاع خميني السلطة من الشعب عام 1979 والتي شهدت فصل واعتقال عدد من أكاديميي الجامعات المعارضين لنظام طهران في الفترة الواقعة بين عام1981 و1984 مما أثار موجة من الانتقادات بين صفوف الطلاب والأكاديميين.

خوف نظام الملالي من الحراك الطلابي

بعد سقوط شاه إيران وقيام ثورة فبراير عام 1979 سعى نظام الملالي إلى خلق مناخ جديد يتحكم في الأوساط الجامعية، وانسجم ذلك مع تخوفات خميني الولي الفقيه، الذي أعرب عن قلقه من طلاب الجامعات في مقولته الشهيرة التي رددها كثيراً "كل مصائبنا تأتي من الجامعة"، وقد رددها كثيراً في المواجهات القمعية الكبيرة التي كان يقوم بها نظامه ضد الطلاب.

وتزامناً مع تخوّف "خميني" من طلاب الجامعات وقدرتهم على تحريك الشارع الإيراني ضد نظامه، سعى إلى ملاحقة اتحادات الطلبة، وكل الأنشطة التي كان يقوم بها الطلاب لدعم حرية التعبير، واستهدف النظام الإيراني بالتحديد عناصر منظمة مجاهدي خلق الإيرانية وما كان منه إلا أن يصدر تعليمات بملاحقة واعتقال وإعدام عدد كبير منهم، خاصة وأن الجامعات ظلت قبل مجي الثورة الإيرانية مركزاً للتجمعات والاحتجاجات قبل سيطرة خميني وسعيه لنسف استقلاليتها.

وما أصاب مرشد الثورة الإيرانية بالرعب هو أن تتحول الجامعات إلى بؤر شعبية لتغذية الثورة ضد النظام في ظل عدم قدرته على السيطرة على حماس شبابها، وهو ما جعله يقوم بتكبيلها بعددٍ من القوانين والأساليب القمعية التي تضمن بحسب ظنه عدم الخروج على نظامه.

وبدأ خميني بالفعل في تطبيق سلسلة من الخطوات لإبعاد كل العناصر المعارضة له في الجامعات، وإغلاق بعضها ضمن مشروعه الذي زعم أنه تصحيح ثقافي للجامعة ليصبح ذريعة لتصفية كل العناصر المعارضة، فقام بإعدام ما يقرب من 120,000 فتاة وشاب مجاهد في حقبة الثمانينيات إلى جانب إبعاد الطلاب الثوريين وإحلال العناصر التابعة له بدلاً منهم، وعلى الرغم من محاولات «خميني» ونظامه المستميتة قتل دور الجامعة والقضاء على ثورة طلابها، إلا أن الطلاب سعوا بشتى الطرق إلى التعبير عن رفضهم لممارسات النظام الإيراني القمعي، وهو ما ظهر في مشاركتهم في مظاهرات 2017 والتي اندلعت في 30 ديسمبر من العام ذاته؛ خاصة بعد تأييد التظاهرات لأفكار منظمة مجاهدي خلق الإيرانية باعتبارها البديل الجاهز المعبر عن نضال الشعب الإيراني.

نماذج من التضحية والبطولة والفداء في الوسط الأكاديمي

لقد تمت إقالة 58 أستاذاً جامعياً منذ بداية تولي رئيسي منصبه كرئيس لجمهورية الملالي، والجدير بالذكر أن الصحف قد جمعت أسماء الـ 157 أستاذاً من الذين كانوا قد فُصلوا من الجامعات في عهد حكومات أحمدي نجاد وروحاني ورئيسي، من بينهم إقالة علي شريفي زراتشي، وبهارك أخترانديش، وراحلة علي مراد زاده، وليلى ورهرام، وآمنة عالي وحميدة خادمي وغيرهم، ويعتبر هذا عدد كبير في الوسط الأكاديمي وعملية تطهير فكري.

ليفانت - د. سامي خاطر  

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!