-
رؤساء سورية وطنيون أم موظفون؟ الرئيس السادس بهيج الخطيب.. رئيس دولة أم رئيس مديرين؟
عُرف الرئيس السوري السادس بهيج الخطيب بأنّه أحد رجالات الانتداب الأوفياء، وبعدائه للكتلة الوطنية التي ناضلت من أجل الاستقلال، وخلال رئاسته أصدر أحكاماً عرفية لملاحقة كل المعارضين، من مستقلين أو منتمين لأيّاً من الاحزاب السياسية.
الرئيس الخطيب لبناني المولد والنشأة، ولد في الشوف عام 1895، تلقّى تعليمه هناك، ثم توجه إلى دمشق عام 1918 بحثاً عن العمل، وتدرّج في المناصب الإدارية حتى أصبح محافظاً للسويداء ومديراً لشرطة دمشق، ولم ينخرط في أيّ عمل سياسي.
بعد أن قدّم الرئيس هاشم الأتاسي استقالته نتيجة للاحتجاجات التي شهدتها البلاد ضد قانون الأحوال الشخصية وسلخ لواء إسكندرون وضمّه إلى تركيا، أصدر المفوض السامي الجنرال، غبريال بيو، القرار رقم 142 في الثامن من تموز لسنة 1939، عين فيه الخطيب رئيساً لحكومة المديرين وليس رئيساً للدولة، بينما أكدت كل الدراسات التي تناولت تاريخ سوريا خلال فترة الاحتلال الفرنسي على أنّه كان رئيساً ومارس صلاحيات الرئيس بتدخل فرنسي مباشر، بدوره قام الخطيب بتعيين مديرين للوزارات وليس وزراء وعليه سميت بحكومة المديرين كما لم يسمِّ وزيراً للدفاع والخارجية.
قامت فرنسا بتعليق الدستور وحلّت البرلمان وأعطت الخطيب صلاحيات تنفيذية مطلقة، فأصدر قراراً يحظر به العمل السياسي والحزبي على موظفي الحكومة، وفصل كل من يتعاطى بالشأن السياسي، كما حلّ جميع الأحزاب والمنظمات السياسية والنقابية وأصدرا أحكاماً عرفية لملاحقة المعارضين لنهجه الانتدابي.
ونتيجة لسياسته الانتدابيّة والقمعية وزجّه للمعارضين بالسجون، تعرّض لمحاولة اغتيال في شهر تموز لسنة 1939 باءت بالفشل، وذكر السياسي السوري أكرم الحوراني في مذكراته بعض التفاصيل لتلك الحادثة وقال: (( كنت والأستاذان سعيد الخاني وعلي عدي الوحيدين من أعضاء اللجنة العليا في قيادة حزب الشباب المطلعين على التنظيم السري الثوري الذي كان يتولّاه الأستاذ عثمان الحوراني، الذي اقترح علينا في اجتماع خاص العمل لإشعال نار الثورة ضد الاستعمار الفرنسي، لأنّها السبيل الوحيد للتوحيد والتحرير.
وأخبرنا أنّ العراق على استعداد لمؤازرة سورية في ثورتها المسلحة المنتظرة، وأنّ فوزي القاوقجي سيقود هذه الثورة، وأنّ السلاح العراقي المعدّ لها مخبأ في اللجاة والصفا. وينبغي البدء باغتيال الخونة والضباط الفرنسيين، فتندلع الشرارة ثم تعمّ الثورة سوية، الشمالية والجنوبية معاً، فيهبّ الشعب العربي لمكافحة الاستعمارين الفرنسي والبريطاني. سألت الأستاذ عثمان: هل الوقت مناسب يا ترى لإشعال هذه الثورة، لاسيما وأنّ فرنسا تعتبر سورية جبهة رئيسة في الحرب المقبلة، وهي تعدّ لها في سورية منذ الآن؟ فأجاب: عند اللزوم فإنّ الجيش العراقي مستعد للتدخل ومؤازرة الثورة، قلت: ومن هم الأشخاص الذين سيبدأ باغتيالهم كمقدمة للثورة؟ قال: بهيج الخطيب وكبار الضباط والمدنيون الفرنسيون، وانتهى الاجتماع بالاتفاق على الفكرة، وتولّى الأستاذ عثمان مسؤولية التنفيذ.
بعد مضي أقل من شهر تقريباً، كنت جالساً في مقهى فندق أبي الفداء مع عثمان الحوراني وسعيد الخاني، فأتى من أخبر الأستاذ عثمان سراً نبأ فشل محاولة اغتيال بهيج الخطيب، فغادرنا الفندق في الحال وأمّنت للأستاذ عثمان مفتاح منزلاً قريباً لبيتنا، خالٍ وأمين، ليختبئ فيه ريثما نهيّئ هربه للعراق. وذكّرته بأنّ رفيقنا وقريبنا حسين الشقفة يمكن أن يتولّى تهريبه ثانية للعراق عبر البادية الشمالية.
ولما خيّم الليل، سهرت مع الأستاذ عثمان في ذلك البيت الأمين إلى ساعة متأخرة، وعندما غادرته إلى بيتنا لم يغمض لي جفن، لأنني كنت مقدراً أنّ نهايته هي الموت المحقق إذا تمكن الفرنسيون من القبض عليه، كما كنت أخشى أن يعترف أحد المعتقلين تحت التعذيب فيذكر علاقتي بالتنظيم.
وفي الليلة التالية، تولّى حسين الشقفة أمر تهريب عثمان إلى العراق، بسيارة علي جمران الذي كانت تجمعنا به صداقة ومودة قديمة.. وفيما كان الأستاذ عثمان يصل إلى العراق بأمان عن طريق الصحراء كانت قوى الأمن “تكبس” بيته، وبعض البيوت الأخرى في حماة.
لم نعرف عن وقائع فشل المحاولة سوى اعتقال رفاقنا الذي قاموا بها، وهم علاء الدين الحريري والشيخ يوسف السفراني وأحمد نايف العلواني وحافظ الباشا، أما الحاج عبد الكريم الفنير فقد هرب قبل وقوع المحاولة، ثم نشرت “القبس” في 27 تموز 1939، نبأ فشل المحاولة واعتقال رفاقنا، بالإضافة إلى اعتقال نجيب الريس صاحب “القبس” ونجيب الفرا.. وبعد أقل من شهر اعتقل رفاقنا علي عدي وسعيد الخاني وزكريا زينو ورامي الصابوني، وبقينا نجهل أسباب اعتقالهم سوى تقديرنا بأنّ رفاقنا المعتقلين قد اعترفوا بالتنظيم تحت التعذيب الشديد.. ثم أجرت المخابرات العسكرية الفرنسية التحقيق مع رفيقنا أدهم عكاش، وأطلقت سراحه لعدم علاقته بالقضية.
أما المعتقلون الآخرون فقد نُقلوا إلى سجن المزة، واشتعلت نيران الحرب العالمية الثانية في 3 أيلول 1939، دون أن نعرف من أخبارهم شيئاً إلا ما كانت تنشره الصحف أحياناً من بيانات رسمية، كالبيان الرسمي التالي الذي نشرته “القبس” في 28/4/1940: “في مساء يوم 25 تموز 1939 أوقف الدرك الفرنسي في دمشق أمام منزل رئيس مجلس المديرين لسوريا عدداً من الأشخاص المسلحين القادمين لاغتيال سعادة بهيج بك الخطيب.
وأوضح التحقيق بسرعة أنّ هذا الاغتيال لم يكن سوى العمل الأول من مؤامرة إرهابية تنطوي على اغتيالات للضباط الفرنسيين والعائلات الفرنسية في دمشق، وقد قام الدرك الفرنسي بعمل سريع حازم أدّى إلى إحباط المؤامرة، وبما أن هذه الحوادث تتعلق في الدرجة الأولى بالنظام والسلامة العامة فقد تلقّت المحكمة العسكرية بدمشق أمراً بفتح التحقيق، وأدّى هذا التحقيق إلى تأكيد النتائج التي أسفر عنها التحقيق الأول وأوضح أنّ هناك منظمة واسعة النطاق يديرها عادل العظمة الملتجئ إلى العراق، غايتها السعي لإثارة حركة ثورية باستخدام عصابات مسلحة يقودها محرضون أجانب.
وكشف التحقيق أيضاً عن أنّ زعماء هذه الحركة كانوا يتلقّون الأوامر من دوائر الدعاية الألمانية، وأنّ الأوامر التي أعطيت من قبل هؤلاء الرؤساء، شرعت تتخذ تدريجياً شكلاً واضحاً محتم التنفيذ تبعاً لتحرج الحالة الدبلوماسية في أوروبا. وهكذا أحيل 27 شخصاً، منهم 11 فارّاً، إلى المحكمة العسكرية بدمشق بتهمة التآمر ضد سلامة الدولة الداخلية، وبينهم 7 وجهت إليهم، فضلاً عن ذلك تهمة محاولة اغتيال سعادة بهيج بك الخطيب، وبعد المحاكمات لفظت المحكمة بتاريخ 11 نيسان وبالإجماع حكمها بالإعدام على سبعة أشخاص، منهم اثنان فاران حوكموا بجرم محاولة اغتيال، وحكمت على الآخرين أحكاما تتراوح بين 5 و20 سنة بالسجن. وقد ميّز المحكومون بالإعدام أحكامهم إلى محكمة التمييز العسكرية التي تدرس إضباراتهم في الوقت الحاضر”.
أما الذين حُكموا بالإعدام وجاهياً فهم رفاقنا: علاء الدين الحريري ويوسف السفراني وحافظ الباشا وأحمد نايف العلواني بالإضافة إلى أحمد البارافي من حي الأكراد بدمشق. وصدر حكم الإعدام غيابياً بحق عثمان الحوراني وجميل العلواني الذي قمنا بتهريبه أيضاً إلى العراق، بمساعدة رفيقنا عثمان العلواني الذي كان من دعائم حزب الشباب ومن أعضاء لجنته العليا.
لم يعد بوسعنا إلا إعداد الوفود من حماة، ومن كافة المدن السورية الأخرى، لمراجعة المسؤولين والضغط لإصدار عفو عن جميع المعتقلين السياسيين، بهذه القضية وسواها، لاسيما وقد أصبح عددهم كبيراً جداً، وكان لمراجعات هذه الوفود أثرها في صدور العفو عن المعتقلين السياسيين، بعد أن أنزلت محكمة التمييز حكم الإعدام على رفاقنا إلى السجن المؤبد، وقد صدر قرار العفو في 25 أيلول 1940)).
في 7 يوليو 1940، اغتيل عبد الرحمن الشهبندر برصاصة في الرأس بعيادته، ووجه الاتهام من قبل الخطيب للكتلة الوطنية التي هرب غالبية قادتها إلى العراق رغم براءتهم قبل أن تلقّي السلطات القبض على الفاعلين الأربعة بقيادة أحمد عصاصة، والحكم عليهم بالإعدام.
وأكدت سلمى جميل مردم بك في روايتها (أوراق جميل مردم بك- استقلال سورية 1939-1945) حيث قامت بنشر المذكرات الشخصية لوالدها بالتفصيل عن حادثة اغتيال الشهبندر براءة الكتلة الوطنية من حادثة الاغتيال ووثقت محاكمة أحمد عصاصة.
انتفاضة الجوع
في عام 1940 سقطت باريس بيد ألمانيا، وأعلن المفوض السامي في لبنان، غبريال بيو، ولاءه لحكومة فيشي، وبقي الخطيب على رأس عمله رغم كرهه للنازيّة. وكان لهذا السقوط أثاراً اقتصادية كبيرة، حيث أغلقت الحدود مع فلسطين، وتوقف التبادل التجاري مع المحيط السوري وخط السكك الحديدية وخط ضخ أنابيب نفط كركوك الذي يصل إلى البحر المتوسط، وزادت أسعار السلع إلى ثمانية أضعاف وتراجع سعر الليرة السورية، واختفت بعض المواد الأساسية من السوق مما أدّى إلى “انتفاضة الجوع” في يناير 1941، التي واجهها الخطيب بالقوة وسقط العشرات من الجرحى والقتلى في غالبية المحافظات السورية، وتوسعت دائرة الاحتجاجات إلى المدن اللبنانية الأمر الذي دفع الخطيب للاستقالة بناء على طلب المفوض الفرنسي في 15 مارس 1941.
شغل الخطيب بعد استقالته العديد من المناصب الإدارية قبل أن يغادر إلى بيروت بعد استلام حزب البعث السلطة، وبقي هناك حتى وفاته عام 1981، وكان واضحاً نهجه الانتدابي وفقاً لغالبية المصادر، حتى قال عنه رئيس وزراء سوريا الأسبق خالد العظم: “بهيج الخطيب الذي أطلق الرصاص بيده على الجماهير المطالبة بحقوقها”.
ليفانت – طه الرحبي
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!