-
سماسرة الجريمة ومكاتب الموت
عادة ما تفتح المدارس والمعاهد والمراكز لتوجه الناس للابتعاد عن الجريمة والقتل والأذى، لكننا اليوم أمام مدرسة إرهابية غير مسبوقة في منهاجها، مدرسة تدعو للجريمة وتشجع مرتكبيها وتكافئهم بالأموال الطائلة، مدرسة تعاقبك حين لا تكون دموياً قاتلاً وذلك بتهمة الخيانة العظمى.
لكننا اليوم أمام مشهد مريع حيث تكافىء «حكومة ملالي إيران» من كان مجرماً.. فقد شهدت عدة مدن في جنوب العراق تكثيفاً لحملات تجنيد المقاتلين ليقاتلوا إلى جانب النظام السوري، بشكل أثار قلقاً واسعاً داخل المجتمع العراقي، ومخاوف المراقبين من توقيت الحملات التي اكتسبت صفة العلنية، بعدما كانت تجري في دوائر ضيقة تُشرف عليها مليشيات محلية، فقد باتت هذه الحملات تجري بشكل مفضوح، بحيث تم افتتاح مكتب صغير في متجر لبيع المواد الكهربائية في منطقة «الشوصة» بمدينة الكاظمية في بغداد، لاستقبال الشباب الراغب بالتطوع للإجرام الطائفي، ويجري داخل هذه المكتب شرح لطبيعة الوضع في سورية، وأهمية المعركة الحالية، وما يعرف بتداخل الجبهات، في إشارة إلى الساحتين العراقية والسورية.
وقد نشرت حسابات شخصية وصفحات عامة على موقع «فيسبوك» إعلانات موحدة جاء فيها: «عاجل ولفترة محدودة!!! لمن يرغب للقتال في سورية لردع التنظيمات التكفيرية براتب 1500 دولار شهرياً. علماً بأنّ المراجع شرعوا القتال في سورية وسيلتحق المتطوع مع كتائب الإمام علي».
وأرفق الإعلان بصورة لـ«قبة السيدة زينب» في سورية كتب عليها «لن تسبى زينب مرتين». فيما ورد إعلان آخر بصيغة مختلفة أكثر تفصيلاً جاء فيه: «إنّ إخوان المقاومة الإسلامية بسورية الذين يدافعون عن السيدة زينب بحاجة إلى 600 مجاهد يستطيعون حمل السلاح والدفاع عن مرقد العقيلة.. علماً أنّ جميع حقوقه محفوظة من الراتب 1500 دولار، ومدة صعوده هي 45 يوماً».
وتجنّد مكاتب التطوع بمختلف أشكالها بشكل شهري ما بين «300 إلى 400» مقاتل، غالبيتهم من الشبان المنحدرين من أسر فقيرة، ومن سكان العشوائيات والضواحي الفقيرة. ويتقاضى المتطوع في البداية مبلغ ألف دولار كمنحة له، فيما يتقاضى مرتباً ثابتاً لدى وصوله إلى الأراضي السورية يبلغ 1500 دولار بحسب الإعلانات التي تروجها تلك المكاتب، ومواقع التواصل الاجتماعي، وتجد مكاتب التجنيد في تلك المناطق بيئة خصبة لقبول التطوّع بسبب الفقر وقلة التعليم.
هي إذاً «مكاتب الموت» والجريمة المنظمة والقتل الممنهج، هي انتكاسة إنسانية إلى العصور الحجرية تنفذها ميليشيات تحارب الحياة والتقدم والفضيلة والقيم.
أغلب المقاطع المصورة التي نشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعلى القنوات الفضائية، التي تظهر قيام عناصر المليشيات بارتكاب جرائم بشعة بحق مدنيين عزل؛ بحرق أجسادهم وهم أحياء تارة، أو قطع أجزاء من أجسادهم وتعذيبهم ومن ثم قطع رؤوسهم أو إعدامهم عن قرب تارة أخرى، وقعت في مناطق خاضعة لسيطرة مليشيا عصائب أهل الحق ومنظمة بدر وكتائب حزب الله وكتائب الإمام علي، الذي ينتمي إليها القيادي البارز «أبو عزرائيل».
يرى المحلل السياسي «محمد البياتي» أنّ المليشيات الشيعية في العراق أصبحت تشكل خطراً كبيراً على وحدة العراق، وأنّ المليشيات تفرض سلطتها بالقوة في الساحة العراقية وداخل المؤسسات والدوائر الحكومية، وأنّ أغلب المليشيات المقاتلة ضمن منظومة الحشد الشعبي، وهي مليشيا شعبية أُسست صيف 2014 بفتوى من المرجع الديني «آية الله علي السيستاني» بزعم مقاتلة تنظيم «الدولة»، وهي متهمة بارتكابها لجرائم ترقى إلى أن تصنف كجرائم حرب، جلّها وقعت في مناطق كانت خاضعة لسيطرة تنظيم داعش قبيل تحريرها من قبل القوات الأمنية والحشد الشعبي. وأبرز هذه الميليشيا الدموية:
♦ مليشيا بدر: وتعد مليشيا منظمة بدر التي أُسست في طهران عام 1981 على يد محمد باقر الحكيم، الذي اغتيل في العراق عام 2003، ويتزعمها حالياً «هادي العامري»، واحدة من أكبر المليشيات في العراق، حيث يبلغ عدد مقاتليها نحو 20 ألف مقاتل، وكثيراً ما اتهمت بإحداث تغيير ديموغرافي في محافظة ديالى الواقعة شمال شرق العراق من خلال تهجير سكانها وحرق المساجد والمنازل.
♦ مليشيا عصائب أهل الحق: وأُسست في 2007، ويقودها «قيس الخزعلي»، وحصلت منذ تأسيسها على دعم رئيس الوزراء السابق «نوري المالكي»، فكانت ذراعه العسكرية الضاربة. وتمتاز بتسليح عالٍ وإمكانيات مادية متفوقة، ويقدّر عدد مقاتليها بنحو 10000 مقاتل، يتوزعون في مناطق الوسط والجنوب، وتوصف بأنّها من أشد المليشيات الشيعية تشدداً وتطرفاً.
♦ حزب الله: مليشيا حزب الله العراقي تعدّ واحدة من أهم المليشيات الشيعية المدعومة من إيران، التي يتولى «فيلق القدس» الإيراني تمويلها وتدريبها، وترتبط ارتباطاً مباشراً مع «حزب الله اللبناني»، إذ يتدرب عناصرها في دورات بلبنان على زرع العبوات الناسفة، وتنسيق الهجمات بالأسلحة الصغيرة والمتوسطة، وهجمات القناصة وقذائف الهاون، والهجمات الصاروخية.
♦ كتائب الإمام علي: مليشيا كتائب الإمام علي تعد مليشيا حديثة التأسيس، حيث بدأت نشاطها بعد سيطرة «تنظيم الدولة» على الموصل صيف 2014، ومن أبرز قادتها القيادي البارز «أبو عزرائيل»، الذي دائماً ما يظهر بفيديوهات مصورة وهو يجسد دور المقاتل الجسور، فيما عرفت تلك المليشيا بأعمال انتقامية من المواطنين السنة، خاصة بعد وقوع تفجيرات يتبناها تنظيم الدولة.
جميع هذه المليشيات ومليشيات أخرى غيرها أعلنت انضمامها إلى مظلة الحشد الشعبي، ويتمتع عناصرها برواتب شهرية عالية، وإجازات دورية ورعاية صحية مساوية لما تتمتع به تشكيلات الجيش العراقي، بالإضافة إلى مخصصات مماثلة لقتلى القوات المسلحة.
عبد الناصر الحسين
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!