-
سوريا.. بين إنتاج الديكتاتورية والمستقبل المجهول

في خطوةٍ متوقعة رغم غموضها، تم تعيين السيد ماهر الشرع، شقيق الرئيس أحمد الشرع، أمينًا عامًا لرئاسة الجمهورية. يثير هذا التعيين تساؤلاتٍ جوهرية حول المشهد السياسي السوري، ويعكس بوضوح ما يمكن اعتباره عودةً لـ"الديكتاتورية العائلية"، مشابهًا بذلك نماذج سابقة كحافظ الأسد وشقيقه رفعت، وبشار الأسد وماهر. يبدو أن سوريا، بعيدًا عن كَونِها دولة مؤسساتٍ أو دولة قانون، تقترب من نموذج "الإقطاع العائلي" حيث تسيطر عائلة واحدة على مصير البلاد.
يُعيد هذا الواقع إلى الأذهان حقبة حكم الأسد، التي شهدت هيمنة عائلية على مفاصل الدولة، ممّا أفضى إلى توريث السلطة وتحويلها إلى ملكية خاصة. ألا يُثير هذا التكرار للسيناريو نفسه، وكأنّ الزمن لم يتغيّر، تساؤلاً جوهرياً؟ هل نحن أمام شركة عائلية خاصة، أم أمام دولة دستورية تُوزّع فيها السلطة وفقاً للضوابط الدستورية والقانونية؟
تُجسّد قصة أبو العميان، بلسعة فكاهتها اللاذعة، واقعاً سورياً مُرّاً. فقد كان أبو العميان يسير وحيداً، فإذا بنجار ماهر يظهر عن يمينه، وبائع حازم عن يساره، إلا أن الحمار أَبى السير. وعندما استفسر أبو العميان عن سبب ذلك، فاجأته فتاة صغيرة بصراخها: "إذا الحمار أضرب عن السير، فما بالك ببقية الناس يا أبا العميان؟!" وتُعبّر هذه الحكاية، بأسى فكاهي، عن الجمود السياسي الذي يعانيه الشعب السوري، بينما يتوق المواطنون لتغيير مُنتظر، بدأت في كل خطوة تُسيطر فيه العائلة القادمة إلى السلطة على مفاصل الدولة، دونما بوادر تغيير في الأفق.
في ضوء هذا الواقع، يبرز تساؤل جوهري حول سبل تمكين الشعب السوري من التطلع لمستقبل أفضل. هل سيستمر الوضع الراهن الذي تسيطر فيه الدولة بقيادة "القائد" وعائلته؟ وكيف يمكن بناء دولة وطنية حقيقية في ظل تركيز السلطة في يد عائلة واحدة؟ إنّ الحاجة الملحة لإحداث تغيير حقيقي في سوريا تتطلب بناء دولة مؤسساتية قائمة على القانون والدستور، بعيداً عن هيمنة "القائد" الفرد، تاركة خلفها إرث متخلف مات القائد عاش القائد.
يتطلب بناء سوريا جديدة رؤيةً واضحةً لدولة القانون، حيث يتم تطبيق القوانين بإنصاف وشفافية، وتعمل مؤسسات مستقلة لخدمة الشعب، بعيداً عن مصالح الأفراد أو العائلات. يجب أن تتمتع هذه المؤسسات بالقوة الكافية لحماية حقوق المواطنين، وبناء دولة عادلة ديمقراطية، دولة حقوق إنسان ومواطنة تسود فيها المساواة بين الجميع.
بالإضافة إلى ذلك، يتعين وجود دستور يُحترم ويُنفذ على جميع المستويات، بما في ذلك أعلى هيئات السلطة. كما يجب أن تكفل هذه الدولة الجديدة حرية التعبير، والمشاركة السياسية، وصون الحقوق المدنية لجميع المواطنين. وعليه، يتوجب على جميع مؤسسات الدولة العمل وفقاً لمبادئ الاستقلالية، والشفافية، والمساءلة، ولتُعدُّ مسؤولية احترام وصون حقوق المواطنين واستقرارهم وأمانهم السمة المميزة للقضاء الوطني المستقل والجيش والدرك الوطنيين، بما ينسجم مع أفضل الممارسات للمؤسسة العسكرية والأمنية في الدول المتقدمة.
ختامًا، يتطلب بناء سوريا المستقبل جهدًا يتجاوز مجرد تغيير المناصب، بل يتطلب إرادة سياسية حقيقية للتحول من نظام قائم على شخص الفرد الواحد والعائلة الواحدة إلى دولة مؤسسات وقانون. فهل سيتمكن السوريون من تحقيق هذا التحول؟ أم سيتكرر التاريخ، وتبقى سوريا تحت رحمة حكم فردي لعائلة واحدة؟ يبقى المستقبل هو الفيصل، إلا أن الأمل يحدونا في تغيير الواقع نحو الأفضل، وتحقيق أحلام السوريون في دولة تحترم حقوقهم وتضمن لهم مستقبلاً زاهراً.
بقلم السياسي الكاتب أحمد منصور .
قد تحب أيضا
كاريكاتير
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!