الوضع المظلم
الجمعة ٢٧ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
سياسات الرسائل المتبادلة
باسل كويفي

اجتماعات هذا الشهر وإعلاناتها وبياناتها، باعتقادي ستشكل مفترق طرق لمشاكل المنطقة الأوسطية قد تحمل في طياتها بدايات الحل أو ستكون فراقاً أعمق بين أطراف النزاع عبر قرع طبول الحرب وشرذمة المنطقة وتحميلها المزيد من المعاناة والمآسي لمجتمعاتها، المُعلن من نتائجها يُبشر بالخير، ولكن ما لم يتم معرفته بعدده وعتاده باعتقادي هو الأخطر.

في نفس الوقت، يبدو أن الأجواء في المنطقة أصبحت أكثر ليونة لحوار إقليمي تشارك فيه إيران وتركيا والسعودية ومصر، ومن مصلحة منطقتنا وبلادنا أن تشجع هذا التوجه لأنه السبيل الوحيد لتخفيف حدة الاحتقان في المنطقة، وتأتي أنباء عقد جولة مباحثات سعودية - إيرانية في بغداد هذا الأسبوع بمثابة جرعة أمل لاستقرار مستدام للمشكلات العالقة من اليمن إلى لبنان.

هناك فارق مميز بين القضية والمشكلة، حيث القضية تخضع لأحكام، بينما المشكلة تخضع في حلها لأحكام القوانين الوطنية المعمول بها في الدولة صاحبة العلاقة. توجيه رسائل هو عنوان اجتماعات تموز/ يوليو 2022 رسالة "جدة" حول الأمن والتنمية في المنطقة بمحتواها المختلف من الاستقرار والسلام والأمن السيبراني، إلى زيادة إنتاج النفط ومشاريع التنمية والدعم والتعافي والتغير المناخي.

الرئيس بايدن صرح قائلاً: "كان من الجيد حضور "قمة جدة للأمن والتنمية" الأولى من نوعها مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن. الولايات المتحدة ملتزمة بشرق أوسط مزدهر وسلمي ومتكامل. نحن نستثمر في بناء مستقبل أفضل للجميع". في حين بعث ولي العهد السعودي، خلال قمة جدة، برسالة تفاؤل وفخر لشعوب المنطقة حينما عبّر بكل وضوح عن أهمية أن يحترم العالم قيمهم النبيلة وضرورة وضع إطار شامل لمرحلة جديدة تترجم آمالهم وطموحهم وتطلعاتهم بمستقبل آمن ومستقر ومُشرق.

في المقابل، صرح تشينغ أنَّ "الصين مستعدة للعمل مع السعودية وجميع الدول العربية الأخرى لتعزيز علاقات الشراكة القائمة على المساواة والمنفعة المتبادلة والتعاون المربح للجميع باستمرار، للمساهمة في تعزيز السلام والاستقرار والتنمية والازدهار في العالم". بينما رسالة "طهران" إلى الغرب عبر “الدول الضامنة - مسار أستانا” (روسيا- تركيا- إيران) تركز حول الملف السوري، والعملية العسكرية التي تنوي تركيا تنفيذها في سوريا. مصلحة الطرفين منها: روسيا وإيران، التقت على الحاجة لتبديد نتائج جولة بايدن الشرق أوسطية، وإلقاء ظلال كثيفة من الشك والتشكيك بأهمية تلك النتائج، أما الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، فقال إن ملف العملية العسكرية في الشمال السوري، سيظل مدرجاً على أجندة بلاده، لحين تبدد المخاوف المتعلقة بأمن تركيا القومي، وطالب واشنطن سحب قواتها من شمال شرق سوريا، وأعرب عن أمله في أن تمد موسكو وطهران، يد العون له في حربه على "الإرهاب"، في حين أن موسكو في خضم حرب متعددة المجالات مع واشنطن، محورها "نظام عالمي جديد" تهدف إلى خروج القوات الأمريكية من سوريا وتتقاطع مع طهران التي تهدف إلى إخراج القوات الأمريكية من "غرب آسيا" وليس فقط من سوريا. وخرج المجتمعون ببيان ختامي مشترك، أكد على توافق الدول الثلاث في مجال “القضاء على الإرهاب” في سوريا، والحفاظ على وحدة سوريا والحل السياسي الذي يحقق السلام المستدام.

الملاحظ في تلك القمم للأسف غياب ممثلي البلدان التي تم تداول قضاياها ومشاكلها (من اليمن مروراً إلى لبنان وصولاً إلى ليبيا)، ونستذكر المثل الشعبي القائل (العرس قائم والعريس غائب). من زاوية أخرى، قالت وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، إن الخلافات منعت وزراء المالية ورؤساء البنوك المركزية من إصدار بيان رسمي، لكن المجموعة G20 وافقت على ضرورة التصدي لأزمة الأمن الغذائي الآخذة في التأزم. وأضافت "هذا وقت صعب لأن روسيا عضو في مجموعة العشرين ولا تتفق معنا بشأن كيفية وصف الحرب". وهاجمت المسؤولين الروس على خلفية التداعيات الاقتصادية الهائلة التي خلفتها.

وحثّ محافظ البنك المركزي الإندونيسي، بيري وارجيو، الدول الأعضاء على الاستمرار في التركيز على أهدافها الرامية إلى إنعاش الاقتصاد العالمي، وانعكاساً للتهم المتبادلة بعرقلة سلاسل إمدادات الغذاء والنفط. صرحت أنقرة، 18 يوليو 2022، أن مسؤولين من روسيا وأوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة سيجتمعون لمناقشة استئناف صادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود بينما قال مسؤول تركي إنه ينبغي التغلب على "مشكلات صغير"عالقة. الأمم المتحدة ومنظماتها (حسب تصريحاتها) تعمل على توفير الإغاثة والمساعدة، صون السلم والأمن الدوليين، التصدي لتغير المناخ، محاربة الفقر، حماية حقوق الإنسان، وتعزيز التنمية المستدامة.

وحسب الوقائع والمشاهدات الراهنة، فإن معظم أعمالها مسيّسة ولا تحقق المساواة بين البشر وتعطي وتمنع حسب توجهات الممولين السياسية وليس حسب الضرورات الإنسانية، مما يحدونا إلى التنبؤ بأن الظروف الدولية وضرورة تحقيق أهدافها يحتاج إلى تغيير وإعادة النظر في هيكلتها وقوانينها وانحيازها وخياراتها التي غالباً ما تدفع المجتمعات الفقيرة والمضطهدة إلى سلوك لا يصون السلم والأمن ويهدر بمنظومة حقوق الإنسان. الاقتصاد الدائري يقوم على المشاركة وإعادة الاستخدام وإعادة التدوير، وهو نموذج اقتصادي يحتاجه العالم بشدة لمواجهة نقص سلاسل الإمدادات والتغيير المناخي. لقد بعثت قمة جدة ببيانها الختامي وخطاباتها، رسالة "إنعاش" للفلسطينيين في رام الله وبيت لحم، بعد أن سادت في أوساطهم أجواء الخيبة والإحباط، وهم يرون كل هذا الدعم المتحمس لإسرائيل، وكل هذا الفتور في استقبال مطالبهم المشروعة بفتح أفق سياسي، وصولاً لإنهاء الاحتلال وترجمة حل الدولتين.

لقد تجاهلت خلال الفترة الماضية تشكيك العديد من مدعي المعارضة والإعلام المأجور وبرامج الأكشن ومذكرات الحياة للذين أصابهم الخرف، حيث يقومون بتزييف الفكر أو الحقائق أو المعلومات بمذكراتهم وتسجيلاتهم ونشراتهم عبر إدعاء زائف بالثورية والديموقراطية بالتسفيه والمزايدة من قبل بعض من يسمون أنفسهم معارضة الخارج وبعض أصحاب المصالح الخاصة، وهم يعرفون رأيي ومنذ سنوات هو بالتأكيد أن سوريا لا يصلح بها معارضة من الخارج، فقط المعارضة الوطنية السلمية هي بوصلة التغيير والتشاركية الديموقراطية، ولو كان طريقها وعراً وصعب عبر الحوار الذي لن ندّخر جهداً لإطلاقه، وفق الطعم والنكهة السورية للقرار الأممي 2254 بعد الموت السريري لاجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف لتحقيق الاستقرار والسلام المستدام.

وطني أولوية بطاقتي ووقتي، وآلية الحوار القادم ولو تأخر قليلاً ومقدماته وفرصه الممكنة لتحقيق التوازن في مسارات التنمية، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتحسين مستوى الأحوال المعيشة والحقوقية والقانونية في المستقبل القريب، تستحق تجاهل السفاهات. وكما يقول أحد الشعراء: يُخاطِبُني السَفيهُ بِكُلِّ قُبحٍ

‏فَأَكرَهُ أَن أَكونَ لَهُ مُجيبا

‏يَزيدُ سَفاهَةً فَأَزيدُ حِلماً

‏كَعودٍ زادَهُ الإِحراقُ طيبا
 



ليفانت - باسل كويفي

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!