الوضع المظلم
الخميس ٢٦ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
شرق الفرات
محمود سليمان الحاج حمد

محمود سليمان الحاج حمد


لاجديد يطرأ على تلك المنطقة الممتدة من شرق حلب بأميال قليلة وصولاً للحدود العراقية، عانت تلك المنطقة الشاسعة والتي تلحق بها البادية السورية كلها من تهميش متعمّد طوال فترات الحكم المتعاقبة منذ مايقارب الألف سنة تاريخياً وتحديداً منذ الغزو المغولي الذي دمّر كل حواضرها فأصبحت خراباً منسياً الى مطلع القرن العشرين وكل هذه المدن الناشئة بدأت تأخذ شكل المدن المأهولة منذ ١٩٠٠ م ومابعد .


معظم سكانها من البدو الذين يرتحلون وراء الكلأ والماء ولكن ذلك الترحال كان يتم في حياض تلك المنطقة ولايغادرها، حيث كانت أرضاً وطنية للبداوة وكانت التجمعات المتناثرة على امتداد أرضها على شكل قرى وتسكنها طوائف شتى من الأعراق والديانات، كالآشور والكلدان والسريان ووفد إليها الأرمن الذين قامت القبائل العربية باحتضانهم ورعايتهم خصوصاً وأنهم كانو أصحاب حرف وصنعة كانت تحتاجها تلك القبائل، تلك السنين القاحلة والموجعة من الفقر والعوز لحقتها سنين طويلة ومظلمة من القهر والظلم الاجتماعي والسياسي، حيث تعتبر بحق هذه المنطقة خزان سورية الاقتصادي، حيث حقول النفط والقمح، ذلك القمح الذي يضاهي انتاجه انتاج دولة السويد بما يزيد على ٥ ملايين طن قمح والقطن عالي الجودة، والثروة الحيوانية التي بلغت مايزيد عن ستة ملايين رأس، ناهيك عن الموارد البشرية والارتفاع المتزايد لنسبة المواليد لدى أسر الفلاحين والبدو، كل تلك الموارد لايعلم أهلها أين تذهب ولجيوب من تجيى وتجمع وحيث تتعيش وتثرى طبقة الموظفين والشرطة والمخابرات القادمين من مناطق أخرى.


شرق الفرات

وسوى الروم خلف ظهرك روم

فعلى أي جانبيك تميل ؟


هذه المنطقة التي انحازات لثورة المطالب المشروعة ورفع الظلم والحيف عن كاهلها وكاهل الشعب السوري عامة كانت قد قدمت فلذات أكبادها بشكل يفوق أي منطقة أخرى في سورية، وحيث كان الفقر والبطالة يعصف بوجودها في السنوات الأخيرة مما اضطر أغلبية شبابها للهجرة والعمل إما في دول الخليج، أو في لبنان والأردن لمن هم أقل حيلة وكذلك تعاظمت هجرتهم في السنوات الأخيرة قبل الثورة إلى المحافظات الأخرى حيث عملوا في المزارع العائدة لكبار الضباط والسرّاق من طبقة الموظفين وتجار النظام، وعندما بدأوا ونجحوا بتحرير أراضيهم ومحافظاتهم اصطدموا بأجندات غريبة ومخيفة اشترك في الإعداد لها كل من النظام وأولئك السرّاق الغزاة القادمون من وراء الحدود والبحار ليصنعوا داعش وغيرها ثم تدمر بلداتهم فوق رؤوسهم ويتيهون في قيظ الصحراء والرعب والموت لترفع رايات لأجندات أخرى هي أكثر غرابة، وتحمل رايات التحرير من داعش مدعومة بقوى عديدة وتغرق تلك المنطقة بفقرها وجوعها أكثر من السابق بعشرات المرات وتستنزف خيراتها ومواردها الاقتصادية والبشرية في ظل حرمان رهيب لقاطنيها.


وفي هذه الأيام تدق طبول الحرب مرة أخرى وشعارات جديدة لتحرير المنطقة، من المحتل؟ ومن الغازي؟ من ذهب ومن جاء؟

شُرّد الجميع، من أكراد وعرب، وفي ظل حكم كل أولئك المحررين وبت ترى قرى كاملة في أوربا وغيرها من أبناء تلك المناطق المحرومة على مر التاريخ.

هل سيستسلم أبناء شرق الفرات للمحررين الحدد وتاريخهم وحاصرهم أثبت ألف مرة أنهم أكثر لصوصية وفساداً، وحيث ستدمر مناطقهم من جديد فوق كل دمارها، أم أنهم سيستسلمون للنظام الذي يدفع بميلشياته وعصاباته والتي تعتمل في صدورها نار الحقد والثأر على تلك المناطق التي خرجت باكراً عن سلطة النظام؟!


لعلّ ( نبع السلام ) قد تدفق في أرض كثيرة الكهوف والمغاور، أرض قد تبدو للزائر إليها أول مرة أنها أقرب للصحراء بطبيعتها، جرداء لأجبال تدق أوتاداً بأرضها، سهول مترامية تكاد تطبع ساكنيها بطبعها الهادئ وغير العنيف، قاطنوها هم أقرب بأمزجتهم وتكوينهم الطبيعي للريح، فهم يهبّون لهبوببها وينامون لنومها، مسالمين حتى تظنهم ضعفاء مترددون، غير أن الريح غالباً ماتفعل فعلها بهم فيثورون معها بجنون.


نفط أراضيهم الوفير و (٥) ملايين طن من القمح الذهبي وملايين أخرى من رؤوس الماشية ومايعدون، ومع كل هذا ظلوا يحصدون الجوع والفقر زاداً يتقوون به على سننين حياتهم القاسية !

حصد الجوع آباءهم ويحصدهم الآن وسيحصد ذرياتهم المتبددة قسراً في في كل المنافي، وتلك النابتتة المتجذزة في أرضها حباً بها من جهة وقلة حيلة وعجز عن المغادرة، هم يسمعون من أقرانهم عن لذيذ عيشهم في أوروبا وعن تدفق اليورو بين أيديهم وفي جيوبهم، متسولون أو اصحاب حق وأصحاب وطن كما يظنون وليسوا وحدهم بل يفوقهم كل السوريون أبناء دمشق وحلب وغيرهما من أولئك الذين لم يسقط حجراً من بيوتهم أو مدنهم ولم يهجروا قسراً إنما لمزيد من المال!!

شرق الفرات وذلك النبع الذي لا أحد يتكهن أين ستتدفق مياهه وفي أي أودية ستسير!


سبق لهذا الشرق الفراتي أن تعرض لفاتحين عديدين على مر السنوات القليلة الأخيرة وكل تلك التحريرات كانت تسوقهم سوقاً في دروب لايعرفونها، دروب قادتهم إلى التشرد والموت مما جعلهم بحكم التجارب المريرة متوجسين وغير واثقين بأحد، لاثقة براية غالباً تحمل بطياتها غير ماتعلنه !

يبحث المواطن في ذلك الشرق الحزين منذ ألف عام ويزيد، ألف عام تولاهم البعث قهراً، دمر بيوتات العز فيهم وعمّر بيوت المرتزقة والمنافقين، دمّر نظام القبيلة وأعرافها وولى أراذل القوم عليهم، تلك الصور نفسها تعاد، تعاد وهم مرغمين على فعلها، حلقات الدبك والرقص وهتافات (هذا اليوم ال كنا نريدو ، و بلغ للحزب برقية).


ذات الشعارات والحداءات والأهازيج التي تسمعها في كل مرة وعند ظهور أي محرر مدّعى أو محتل، سيان ولافرق كبير لديهم فكل الدروب مجهولة لديهم!

مايريده المواطن القاطن في ذلك الشرق الحزين هو الأمان، هذه كل أحلامه، الأمان لأسرته والأمن الغذائي والصحي والتعليمي وأن لايتعرض للقتل والتهجير والاذلال، يريد بذاراً لأرضه ليزرعها وماء ليسقي محصوله، وحينما يجد سوقاً ليبيع ويشتري فسيرقص لوحده ومن ذات نفسه ورغبته!


الكرد والعرب والمسيحيون أبناء تلك المنطقة يكادون يتطابقون ويتشابهون فيما بينهم وفي كل شيئ، أحلامهم ومأكلهم وملبسهم وأعمالهم في الزراعة وملحقاتها من الحصاد والبذار وغيره.

لاشك أن هناك قلة من المرتزقة، تلك القلة من كرد ومن عرب ومن غيرهم من تقودهم أحلامهم المريضة وهزيمتهم المجتمعية وافلاسهم الأخلاقي والفكري ليدبكوا لأوجلان أو للنظام أو لداعش وأن يرددوا دون معرفة أو إدراك لما يرددون:(يا إسرائيل مين حماكي غير البعث الاشتراكي و واصرار حارس مسجد كردي على شيخ دين كردي مسلم ومؤمن)


أليس صلاح الدين الأيوبي كردياً؟

فيجيبه الشيخ بنعم فيرد الرجل إذاً لماذا لم يجعل القرآن بالكردي!؟

أيها السوريون :

علينا أن نحمل الناس على افهامهم ومداركهم لا أن نحملهم على مستوى فهمنا إن كنا مثقفين ومتنورين!

علينا أن نعرّفهم على حقوقهم ونعمل على تحقيقها لهم لإنهم يجهلونها !

العرب والكرد والسريان وكل ساكني ذلك الشرق الحزين يريدون عداً الأمن الحياتي والغذائي والعيش الكريم إنما يريدون حياة لا اضطهاد لهم فيها ولا استعباد!

ولايعنيهم أن يكون ذلك الفاسد المضطهد شكله ولونه فكلهم سواء وإن تغيّرت وجوههم أو راياتهم ، لافرق بين النظام أو داعش أو بي ك ك أو احمد طعمة أو رمضان !

انظروا في مطالبهم وامنهم وستجدونهم أخوة متحابين وكما كانو على مر السنين!

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!