الوضع المظلم
الخميس ٢٦ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
عندما يحاسب المرؤوس رئيسه
أحمد رحال

من حق مؤسسات المعارضة السورية، والجيش الوطني بالتحديد، المطالبة ببراءة اختراع وتثبيت حق ملكية لأكثر من إجراء وأكثر من واقعة باتوا يتفردون بها على مستوى الثورات، وعلى مستوى المؤسسات، وحتى على مستوى الجيوش (طالما أطلقوا على فصائلهم تسمية الجيش الوطني).

لهم الحق ببراءة اختراع بأن لكل فصيل مكتباً قانونياً، ومكتباً إعلامياً، ومكتباً سياسياً، ولمعظمهم ممثل بالسلطة التشريعية رعم كونهم سلطة تنفيذية.

البداية من وجود 15 عضواً بمؤسسة الائتلاف يمثلون الفصائل كأعضاء دائمين، والمعروف وحسب النظام الداخلي لمؤسسة الائتلاف أنه المعني بترشيح شخص لمنصب وزير الدفاع ويجب حصول الوزير المرشح على نسبة لا تقل عن النصف +1 من خلال مرحلة التصويت لكي يحصل على شرعية التوزير، ومن ضمن من سيصوت على قبوله أو رفضه هم الـ15 عضواً كممثلين عن الفصائل، بمعنى أن من سيكونون غداً مرؤوسين لوزير الدفاع هم من يحددون توزيره من عدمه، وإذا ما كانت مستقبلاً هناك محاسبة في الائتلاف لوزير الدفاع فسيشارك مرؤوسو وزير الدفاع بمحاسبته، أي المرؤوس سيحاسب رئيسه ويصوت على "توزيره" ويملك قرار عزله... إنها لسابقة لم تحصل حتى بأحكام قراقوش.

لم تحصل في التاريخ أن تحوز جهة على صفة السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية بآن واحد إلا في مؤسسات الثورة السورية.

نأتي للمكتب القانوني لكل فصيل، وهذا المكتب أيضاً يخالف كل التشريعات وكل عمل المؤسسات، ويفترض أن يكون بوزارة الدفاع فقط مكتب قانوني يقوم بمهام حماية الفصائل قانونياً والدفاع عنها إذا ما دعت الحاجة، لكن أن يكون لكل فصيل مكتب قانوني مستقل، هذا يؤكد أن ما يسمى جيش وطني وما يسمى وزارة دفاع ما هما إلا عبارة عن حالة هلامية، وأن السائد هي الحالة الفصائلية، وأن كل فصيل عبارة عن جهة مستقلة متكاملة لا ترتبط من بعيد أو قريب بغيرها من الفصائل أو بوزارة الدفاع.

وما ينطبق على المكتب القانوني ينطبق على المكتب السياسي، فالمعروف أن العسكر هم جهة تنفيذية، تنحصر مهامهم على الجبهات وعلى الحدود، أما السياسة فتعود للجناح السياسي الذي تقوم بمهامه مؤسسة الائتلاف الوطني والهيئة التفاوضية العليا، تلك المؤسسات منوط بها القيام بكل المهام المتعلقة بالتواصل الخارجي، سواء مع الحلفاء أو السفارات أو وزارات الخارجية أو التفاوض وغيرها، بكل ما يتعلق بشأن الثورة السورية وحاضنتها وحراكها المسلح، ولا يحق للفصائل تجاوز الجناح السياسي للثورة، ومجرد وجود مكتب سياسي يعتبر تعدياً على التمثيل السياسي وتجاوزاً للصلاحيات ويستوجب المحاسبة والعقاب.

مما سبق يتضح بشكل جلي مدى التخبط بعمل مؤسسات الثورة، ومدى التخبط والتداخل بصلاحيات التمثيل السياسي والعسكري، ويتضح بشكل جلي غياب الرؤية وغياب الهدف وضياع البوصلة وبروز العمل الفردي المستقل بعيداً عن أي عمل جماعي تراكمي يخدم الثورة.

أيضاً ومن خلال تجارب الثورات السابقة تبرز قضية مهمة جداً، أين المجلس العسكري الأعلى للثورة السورية؟

المجلس العسكري الأعلى ليس جهة قيادية على الأرض، ولن يسلب قادة الفصائل مقرات قيادتهم وسطوتهم على جنودهم ومناصبهم، المجلس العسكري الأعلى جهة تمثيلية تعبر عن السياسة العليا للحراك المسلح عبر استراتيجية عسكرية تتم بالتوافق مع القيادة السياسية ومع وزارة الدفاع وأركانها، ويكون المجلس العسكري الأعلى هو المظلة القانونية والعسكرية لوزارة الدفاع بما تضم، ويعمل كممثل للحراك المسلح ويقوم بمهمة التواصل مع الجهات الخارجية بما يخص الأمور العسكرية ومصلحة وزارة الدفاع واحتياجات الحراك المسلح وعبر علم وتنسيق كامل ودائم مع القيادة السياسية لخلق حالة متكاملة من تطابق للأهداف بينهما.

المجلس العسكري الذي يضم خيرة الضباط ومن كافة الاختصاصات، ومن خيرة العقول وممن يتصفون بالحكمة والخبرة وبعد الرؤيا والتخطيط الاستراتيجي، وعن طريقهم تصاغ الخطط العسكرية بخطوطها العامة ويترك لوزارة الدفاع وأركانها وللقادة الميدانيين تفاصيل التنفيذ على محاور القتال والجبهات، ثم يقومون بمهمة التواصل الخارجي شراكة مع القيادة السياسية لتأمين احتياجات ومتطلبات ونواقص وزارة الدفاع والفصائل والجنود (سلاح، ذخيرة، طعام، شراب، احتياجات طبية... إلخ)، ويقدمون التقارير العسكرية حول حالة ووضع وإمكانيات ومقدرات الحراك المسلح لأعضاء القيادة السياسية مع إبداء النصائح وتقديم المقترحات.  

العلاقة بين الحراك المسلح والحراك السياسي كالعلاقة بين العضلات والمخ، فالمخ بدون قوة العضلات سيكون ضعيفاً مشتتاً غير قادر على تحقيق الأهداف، والعضلات بدون عقل وتوجيه وحكمة الساسة ستتحول لديكتاتورية وتسلط وعنف، والتكامل بينهما فقط من يعيد التوازن للثورة ويضبط تجاوزات العسكر ويقوي المفاوض السياسي على طاولة المفاوضات ويوصل السفينة لبر الأمان.

لكن كل ما سبق يرتكز إلى نقطة غاية بالأهمية، تتمثل بامتلاك القرار السياسي والعسكري المستقل، وبدون استعادة استقلالية القرار نكون كمن ينفخ بقربة مثقوبة، فالقرار العسكري المستقل المحصن، الذي يراعي مصلحة الثورة وحاضنة الثورة وجبهات الثورة، القرار المستقل الذي يستند للرؤية الاستراتيجية للمجلس العسكري الأعلى والذي توضح فيه الأهداف، وتوضع من خلاله الخطط، وتحدد له الأولويات والمراحل، والقرار السياسي المستقل هو من يصنع التحالفات ويحشد الجهود ويأخذ المبادرات، وعندما تتلاقى الأهداف السياسية مع الجهود العسكرية نكون أمام حتمية تحقيق الأهداف ومن بعدها تتالى الإنجازات.

ما تعيشه الثورة اليوم من ضعف وتراجع ناجم عن حالة من التخبط، حالة من العشوائية، حالة من الترهل، حالة من تقاذف المسؤوليات، والكل يعلق فشله وتخاذله عن أداء مهامه على شماعة الضغوط الدولية والإقليمية والعربية وقلة الموارد المالية.

بعد أحد عشر عاماً من عمر الثورة السورية، وبحكم أن معظم القيادات العسكرية والسياسية هي نفسها ما زالت تتصدر المشهد، لا يمكن القبول بتلك الأعذار، ولا يمكن التسامح مع تلك المبررات، ولا يمكن التغاضي عن كل تلك الخيبات التي أوصلت الثورة وحاضنة الثورة لواقعها الكارثي.

معاناة الناس والحالة التي وصلت لها حاضنة الثورة تشكل حالة ضاغطة تحتم على الحراك المسلح والحراك السياسي طرح مبادرات إنقاذية، وخطوات إسعافية، ومقترحات سريعة، تستطيع تجاوز الواقع الحالي، لا نخون أحداً ولا نتهم أحداً بالعمالة، بل الواقع يقول: إن لم تكن قادراً على ابتكار الحلول والبحث عن بوابات إنقاذ لأكثر من 4,5 مليون نازح ومهجر يتواجدون بالشمال السوري ومناطق إدلب والساحل، فعليك الترجل من القاطرة وترك مكانك لوجوه جديدة قادرة على حمل راية المسؤولية والبحث عن مخرجات طال انتظارها.
 

ليفانت - أحمد رحال

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!