الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
فتور العلاقات الزوجية بين مودة ورحمة
نرفت عمر

منذ الصغر يكبر معنا حلم لقاء شريك الحياة وقضاء سنوات العمر بحب وأمان مع من اخترناه ليكون السند والملجأ ومن تسكن الروح له ويهدأ الفؤاد بقربه، فنرغب بتأسيس عائلة تحمل صفاته شكلية كانت أم روحية جذبتنا إليه.


هذا الحلم الجميل تتغير أحداثه عندما يصبح واقعاً ملموساً ومملوكاً من الطرفين بعقد وشهود، وفي أغلب الحالات تتشوه تلك العلاقة المنشودة بكل ما تتوعده من سعادة واستقرار لتتحول إلى كابوس، وحين أقسما أن لا يتفرقا يصبحان فجأة غريبين عن بعضهما البعض ويبتعدان عاطفياً وحتى جسدياً، لا يجمعها إلا سقف واحد ويتحول الأولاد إلى الوتد الوحيد لتبقى هذه العلاقة الزوجية قائمة، حتى ولو شكلياً.


ما الذي يتغير في العلاقة الزوجية مع مرور السنوات والأيام؟ يتسلل الملل الزوجي إلى عش الزوجية ويبدأ البرود يملأ أركان البيت بعد دفء المحبة والسكينة، ويتحول السكن الزوجي إلى فندق أو مطعم خال من الانتماء والطمأنينة. أليس من المفروض أن القدم والزمن يصقل العلاقات الإنسانية فيتجذّر الصدق والأمان فيها بمرور الوقت ويزداد التعلق والانتماء لتكتمل جمالية العلاقة بالذكريات واللحظات المشتركة؟ لماذا نجد أن العلاقة الزوجية مستثناة من هذه القاعدة بحجة أن الحب يتحول والشغف يموت مع مرور الأيام؟ ماذا يحدث للرحمة والمودة التي جعلها الله عز وجل مباركة لكل علاقة زوجية؟


يبدأ الزواج في مجتمعاتنا الشرقية بحب واشتياق لمتقد ثم يخبو هذا الشغف مع كل سنة بسبب ضمان بقاء الشريك وعدم بذل الجهد للحصول على الإعجاب الشكلي والفعلي فيغلب الإهمال الجسدي وعدم الاكتراث للطرف الآخر مع الاعتياد اليومي للحياة المشتركة بما فيها من مشاكل ومواقف تواجه الطرفان فيكتشفان أن هناك صفات لم يكونا يعلمان بها ويتفاجآن بتصرفات وكلمات موجعة تضعف الحب والوئام لتختفي مهارات التواصل بينهما تدريجياً وتظهر التخمينات الشخصية مفعمة بمشاعر يائسة وأفكار سلبية مترافقة مع عدم الرغبة في الكلام أو حتى الاستماع والمناقشة تحت بند أنّه لا جدوى من الحديث، والأفضل تفادي العراك العقيم على من يكون اللوم بتسلل الملل والفتور الزوجي إلى عش الزوجية، على الزوج الذي ينشغل بعمله طوال اليوم ويعود إلى بيته منهكاً أم الزوجة التي تنجرف بلا حول لها إلى احتياجات وواجبات منزلية، والأسوأ وجود عنف لفظي أو بدني ممارس في البيت ممزوج بقلة الاحترام والتعنت بالأخطاء، أم الملام هم الأولاد الذين يأخذون حيزاً كبيراً من حياة أبائهم ووقتهم وخصوصيتهم فينسى كل من الأب والأم علاقتهما العاطفية مع بعضهما البعض، وتتغير أولوياتهما، فتتجه عواطفهما وجهدهما حول الأولاد والمسؤولية المتزايدة، لينجرفا مع روتين ورتابة الحياة الزوجية، مختزلان الأحاديث والمواضيع المشتركة على الأولاد ومشاكلهم فقط، متغاضان عن حاجتهما لما هو أساس العائلة، والتي هي كل منهما بكل ما يحملان من مشاعر واهتمامات يجب أن تبقى متجددة ومقدرة لدور كل منهما بما فيها ألفة الحوار الزوجي اليومي (فضفضة وأسرار)، والذي من المفروض أن يبقى قائماً، وإن كان عتاب أحبة لبعضهما البعض، فهذا أفضل من كتم مشاعر مجروحة بالإهمال وعدم الاكتراث وتكديس أحاديث لم تكتمل مع وجهات آراء لم تسمع ولم تناقش حتى.


تدفن هذه الرغبات في ذكريات العمر مما يجعل كلا الطرفين تحت ضغط كبير وصراع مستميت بين بوح بأثقال زادت روحه رهقاً، وبين خوف من عدم تفهم واستهجان من الطرف الآخر، بل هجوم عنيف يزيد الجفاء والخذلان الزوجي، وهنا تكمن كارثة أكبر باستسلام الطرفين لشبح الفتور الطويل وتحولهما إلى جثتين يقومان بواجبهما ولكن دون مشاعر، وجودهما مثل غيابهما، ويسمحان للصمت الدائم أن يكون الملاذ الآمن للنفس والروح التعبة، فتتطور هذه الأزمة الزوجية وتتفاقم معلنة استحالة استمرار الحياة الزوجية ويظهر الطلاق العاطفي ومن بعده الطلاق الفعلي، وتصبح الخيانة منفساً أو حلاً مغرياً لأحد الطرفين لفقده الحنين مع الشريك منجرفاً إلى أي تعبير إعجاب قد يجده عند أحد ما خارج نطاق الزواج. وبهذا الحل يحرق جثة شريكه بالحياة بدلاً من إنعاشه. إن الملل الزوجي خطر محتمل يلازم العلاقة الزوجية فلابد من اتخاذ بعض التدابير لضمان نجاح العلاقة الزوجية واستمرارها في خضم مطبات الحياة والظروف المتغيرة والأكيدة، جسدياً ونفسياً وحتى اقتصادياً وصحياً، التي قد تحدث لكل من الطرفين.


١- يجب إجراء دراسة شاملة وصحيحة لشريك الحياة ومحيطه من العائلة والأصدقاء وعلاقته معهم، ولكن الأهم وبالأحرى معرفة الذات بالمقام الأول بكل تجرد وصدق، للبحث عن ما يناسب شخصيتنا وتفكيرنا من صفات وطبائع إنسانية.


٢-عدم السماح لأي تدخل سلبي خارجي من قبل الأهل أو الأصدقاء.


٣- تعلم مهارات التواصل والذكاء العاطفي وكيفية استخدامه لتمكين العلاقة والمرور الآمن بالفترات العصيبة التي تواجه كل علاقة زوجية للوصول إلى بر الأمان، وهنا تقع المسؤولية على الطرفين على حد سواء.


4- البحث دوماً عن نشاطات واهتمامات مشتركة مع محاولة خلق مساحة خاصة بهما فقط ووقت يمضيانه مع تجديد العلاقة والتعبير دوماً عن حبنا وتقديرنا للطرف الآخر.


 ٥- بقاء حيز حر لكل من الطرفين يمارس من خلاله اهتماماته الشخصية ويجدّد من طاقته الروحية مع استمرار الاهتمام بالمظهر الخارجي والمثابرة على نيل إعجاب الشريك.


وأخيراً.. الحب الصادق والنية السليمة من الطرفين كفيلة بإعادة الانسجام والوفاق الزوجي.. مع اتقاء الله في جميع العلاقات البشرية.


نرفت عمر


ليفانت - نرفت عمر  ليفانت 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!