-
في سوريا.. هل «العفو عند المجزرة» ينقذ جهود التطبيع؟
شهدت الأشهر الأخيرة محاولات محمومة لإعادة نظام الأسد إلى المجموعة العربية، وقادت الإمارات العربية المتحدة جهوداً عملية لتطبيع العلاقات بين الدول العربية والنظام السوري.
انطلقت تلك المبادرة من رؤية تتحدث عن تلكؤ المجتمع الدولي في حل القضية السورية، وبالتالي ضرورة البناء على معطيات انتصار نظام الأسد في الصراع العسكري، وأهمية العمل العربي المشترك بتوحيد الجهود العربية في مواجهة الأخطار الوجودية.
ومن أجل تحقيق تلك الرؤية، اعتمدت دولة الإمارات خارطة طريق تنسجم مع الموقف الأمريكي المعلن والمواقف العربية المعلنة. فالولايات المتحدة الأمريكية ما فتئت تتحدث عن مبدأ «تغيير سلوك النظام.. لا تغيير النظام»، والدول العربية (في معظمها) ترغب بابتعاد سوريا عن الحضن الإيراني، على اعتبار إيران موغلة في التدخلات العسكرية والسياسية والثقافية والاقتصادية في المنطقة، وتعمل على زعزعة الأمن والاستقرار ومنع التنمية والتطوير.
وبناء عليه، تقدمت الإمارات بمبادرتها إلى النظام السوري، وكأنها تقول لأمريكا وللعرب: "دعونا نحاول، وسوف ترون". وفي لقاءات المسؤولين الإماراتيين مع رأس النظام السوري «بشار الأسد» وتواصلهم معه، أبلغوه بضرورة المسارعة لأخذ خطوات تباعدية تجاه إيران، وإجراء إصلاحات أخرى تتعلق بالقوانين، وبحقوق الإنسان، مشيرين إليه بضرورة إطلاق سراح المعتقلين، ويبدو أن القيادة في الإمارات لم تقفز على الشأن الإسرائيلي، الذي كان حاضراً، في المداولات (السورية - الإماراتية)، موضحة للنظام السوري أن إسرائيل ستقبل ببقاء الأسد في السلطة إذا قطع علاقاته مع إيران وحزب الله وحركة حماس.
النظام الذي يتقن المراوغة والمناورة في اللحظات الحرجة، أبدى استعداداً لإجراء إصلاحات، وباشر باتخاذ بعض الإجراءات مثل سنِّ قانون يجرِّم التعذيب، والوعد بالتعاطي مع ملف المعتقلين بإيجابية، باستثناء «الإرهابيين»، على حدّ وصفه، وهم الشعب السوري الثائر سلمياً، وأوضح للإماراتيين أن العلاقة مع طهران يمكن أن تتراجع بقدر ما تتحسن العلاقات (العربية - السورية) حتى لا تذهب سوريا إلى الفراغ الساسي، لا سيما وأن لإيران الفضل الأكبر في القضاء على الإرهاب، ودعم الجيش السوري، على حد وصفه.
هنا وبينما كان الفريقان (السوري والإماراتي) ينسقان الخطوات لمرحلة قادمة عنوانها الانفتاح والبناء، حدث ما لم يكن متوقعاً، حدث ما لا يروق للقيادة الإماراتية، وطبعاً للقيادة الأسدية، والحديث عن نشر مجلة «الغارديان» لفيديو يوثق مجزرة بشعة ارتكبتها ميليشيا النظام في «حي التضامن» في دمشق ضد مجموعة من المدنيين، تم احتجازهم على الحواجز الأمنية بطريقة وحشية ثم اقتيادهم إلى جوار حفرة عميقة، كانت معدة لتنفيذ المذبحة، بطريقة أقل ما يقال فيها: (ما فوق إجرامية).
عندئذ ارتبطت وبقوة صورة النظام المنوي وإعادة تأهيله مع النظام الذي يقذف بالناس في الحفرة، ويعدمهم بإطلاق الرصاص الحي من خلفهم وعلى رؤوسهم، ثم إضرام النار بهم، كما حضرت بقوة الدوافع الطائفية أثناء تنفيذ المجزرة، الأمر الذي جعل جهود إعادة النظام إلى جامعة الدول العربية تبدو عبثية بل هزلية.
سارع النظام إلى نبش ملف المعتقلين، فأصدر قوائم للمفرج عنهم، وأحاطها بزوبعة دعائية ضخمة، ليغطي على «مجزرة التضامن»، وللإبقاء على محاولات الإمارات بذل الجهود لإنجاز عملية التطبيع، لكن عملية الإفراج بحد ذاتها كانت بعيدة كل البعد عن المعايير الإنسانية والأخلاقية، بل إنها تشبه الاعتقال أكثر من شبهها بالإفراج.
أفرج النظام عن أعداد من المدنيين تم اعتقالهم بالأصل بطريقة عشوائية، استعداداً لمثل هذا الاستحقاق، كما أفرج عن أشخاص فقدوا الذاكرة من هول ما تلقوه من جرعات تعذيب وتنكيل، كما احتوت قوائم المفرج عنهم على أسماء بعض الشبيحة المتعاملين مع الأجهزة الأمنية، لتحضر بذلك كل العجائب، فكما أن الاعتقال في سوريا غريب الأطوار فالإفراج كذلك أشد غرابة، لا سيما حين تنظر إلى احتشاد آلاف الأشخاص والعوائل تحت جسر الرئيس في دمشق، لاستقبال أعداد زهيدة جداً من المفرج عنهم، وبشكل متقطع، نتيجة لتعمد الأجهزة الأمنية نشر الأكاذيب التي تهوِّل من عملية العفو الصادر عن القيادة العليا، وهكذا يعذب النظام الناس حتى وهم يظنون أنهم ذاهبون إلى فرحة العمر.
إن نظاماً يقتل شعبه بكل أدوات القتل، ويعذب الناس بكل وسائل التنكيل، ويهجر المدنيين من بلداتهم، ويستدعي دولاً وكيانات لتمارس القتل والتعذيب والتهجير، ويرهن أجزاء كبرى من مقدرات البلد وخيراته للمحتل الأجنبي مقابل بقائه في السلطة، لا يمكن إعادة تدويره، إلا إذا أمكن إعادة الكربون إلى الأشياء التي احترقت وتفحمت.
ليفانت - عبد الناصر الحسين
قد تحب أيضا
كاريكاتير
قطر تغلق مكاتب حماس
- November 11, 2024
قطر تغلق مكاتب حماس
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!