الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
في نصرة الجزائر.. تتبرّع عامودا بأطفالها
الحزائر

خاص ليفانت – إعداد: آريا أومري

“خفف الوطءَ ما أظنّ أديم الأرض إلا من هذه الأجسادِ” عبارة محفورة على شاهدة قبر من بين عشرات القبور الجماعية المبعثرة في شرمولا، تتجول بينها بخطى مضطربة ينتابك شعور إنك زائر في متحف بشري. 

القبور، هاهنا، مزينة بعبارات متآكلة جار عليها الزمن، تحتاج إلى إمعان جيد لفك طلاسيمها.

“يا من آتى يزورني متأسفاً على صباي وشبابي.. سفك دمي أنا وصاحبي و صديقي”. عبارة أخرى موضوعة على شاهدة قبر جماعي لثلاثة أشخاص، يبدو واضحاً إن هنالك حروف وكلمات قد محيت بفعل الطبيعة، الزمن.

كل ما تلمحه عيناك يوحي بأن هنالك فاجعة ما توحي بها معالم القبور المنسية، على أطراف هذه البلدة حيث لا أبواب ولا منافذ سوى الريح وسور من الأشواك الشائكة وبعض كتل الطين المبعثر للتل الملاصق بها (شرمولا ).

بالإضافة إلى حجارتها القديمة المشترك الأكبر بين شواهد هذه القبور لتمييزها عن غيرها هو عبارة رثاء مكتوبة في أسفلها” شهيد فاجعة عامودا 1960″.

موسكو الصغرى
مجموعة من الأراضي الزراعية الخصبة والبساتين المتاخمة على الحدود السورية التركية، شكلت تاريخياً بلدة الطين، عامودا، المطلة على سلال من التلال الأثرية، في أقصى الشمال الشرقي في سوريا، البالغ سكانها حوالي 130 ألف نسمة ما بين المدينة والقرى التابعة لهاهذه البساتين التي صُدرت أشجارها وتحولت في الخمسينات بقرار سياسي إلى هكتارات زراعية لإنتاج الحبوب فقط. عامودا التي تشكل أقدم مدن الجزيرة وأكبر ناحية في سوريا كانت أول شاهدة على الاستيطان الكردي في المنطقة ويشكل الكرد الغالبية السكانية فيها .

في أرشيف هذه البلدة العديد من المأسي، والأحداث المهمة التي أثرت وغيرت مجرى تاريخها، سنتوقف في هذا النص على أكثرها فظاعة وحضوراً في الذاكرة؛ إنها الفاجعة التي يمر عليها أكثر من نصف قرن والتي يوثقها تاريخ 13-11-1960.

تميزت عامودا قديماً بتنوع إجتماعي، قومي، ديني، سياسي واسع، ساعدت مجموعة من العوامل لتشكيل فسيفساء عامودا بإعتبارها أقدم مدن الجزيرة، و كانت متاخمة على الحدود فقد باتت ملجأً للفارين من الإنتهاكات والمذابح التركية من (أرمن، آشور ، كرد، سريان) شكلوا الوافدين الجدد بعد الحرب العالمية الأولى حوالي أكثر من 30 بالمئة من سكانها. إلى أن بدأت الهجرة الأولى للعائلات المسيحية بمختلف قومياتها، بعد عام 1936 نحو المدن الصناعية التي كانت تتعمر حديثاً كالقامشلي والحسكة وبقي أن المكون المسيحي بجميع أطيافه يشكل 20 بالمئة من سكان عامودا في الستينيات إلى إن انحسرت هذه النسبة لتصبح شبه معدومة في السبعينات.

بعد إنتهاء الاحتلال العثماني، شهد الناس منفساً للحرية وشهدت عامودا كغيرها ظهور توجهات فكرية ودينية وسياسية جديدة ومتنوعة، وكانت التيارات الوطنية هي البارزة وتملك القاعدة الأوسع منذ المقاومة الوطنية ضد الفرنسيين ولغاية حكم الوحدة. في بدايات تأسيس الحزب الشيوعي السوري، انضم الكثير من أهالي عامودا ممن اهتموا بالشأن العام والسياسة إلى الحزب، كان للحزب نشاطه البارز ويملك قاعدة جماهيرية واسعة ومتنوعة من السريان والأرمن والكرد وكان يتبع له حوالي 400 تنظيم شبابي في عامودا والقرى المحيطة بها. وكان يطلق على عامودا وفقاً لذلك “موسكو الصغرى”، وهي تسمية باتت شهيرة جداً في ذلك الوقت.

وللحديث عن بعض أنشطة الحزب يطلعنا السياسي، حمد الله،على بعض الأمثلة إذ يذكر بأن: “الحزب كان يشجع على التعليم بشكل كبير، وبالأخص الإناث وذلك بقرار رسمي من القيادات، ويقول إن النساء والفتيات المنتميات لعائلات شيوعية حينها دفعن ثمناً باهظاً نتيجة تحديهن لبعض المفاهيم والعادات التي كان تحول دون إلتحاقهن بالتعليم كما كان يهتم الحزب الشيوعي بالموهوبين/ات ودعم الإمكانيات الشابة وكان يقيم العديد من الأنشطة الثقافية والقومية كإحياء عيد النوروز”.

أما عن أسباب الإنضمام الواسع إلى الحزب الشيوعي؛ يعزي الناشط السياسي وأستاذ الفلسفة، حليم قجو يعزي ذلك إلى سببين: “أولهما طبقي إذ كان هناك صراع مع بقايا الاقطاع وكان أغلب أنصار الحزب من الفلاحين والقرويين والطبقة العاملة. وثانيهما قومي بالنسبة للكرد إستنادا على وجهة النظر التي تؤمن بان الإشتراكية هي الخلاص وستؤمن حقوق الكرد. وضمان وجود للقوميات المسيحية كمفهوم يؤمن لها الحماية من هيمنة الأديان والقوميات الأخرى بالأخص بعد تعرضها للمجازر والإبادات الجماعية بحقها”.

تغير نظام الحكم والمزاج السياسي بشكل عام في عهد حكومة الوحدة المركزية فتم حظر الأحزاب السياسية وكانت المناطق الكردية مقبلة على بداية تبلور الفكر القومي إذ كان قد تأسس حزب البارتي حديثاً (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا) بقيادة نور الدين ظاظا وهو أول حزب قومي كردي في سوريا 1957. وكنتيجة طبيعية لتحول الحزب الشيوعي السوري إلى حزب محظور فقد تم ملاحقة أعضائه في عامودا واعتقال العديد من قياداته ونفي بعضهم وتغييب الآخر بالإضافة إلى من استشهد تحت التعذيب. ويذكر بعض البارزين منه ( رشيد كرد، جكر خوين، ديبو الياس، جميل مجدو، ملكه عيسى).

تنوعت أساليب القمع الوحشية للسلطة لتدب الخوف في قلوب الناس. “إن جمال عبد الناصر يذيب الشيوعين في الآسيت” عبارة تتكرر مراراً على السنة الأهالي منذ ذلك الحين وإلى وقتنا هذا. وقدلاقى حزب البارتي نفس المعاملة وشنت هجمات اعتقال واسعة بحقه وبحق قياداته وبالأخص أنه كان يعارض وحدة سوريا مع مصر وله مطالب قومية في مقدمتها الاعتراف بوجود الكرد وحقوقهم الثقافية وحرية الدراسة بلغتهم الأم. وأصبحت التهمة الدارجة حينها هي اقتطاع جزء من الأراضي السورية والحاقه بدولة أجنبية.

وعلى هذا النحو فقد بات العمل السياسي محظوراً ولا يسمح سوى بالحزب الحاكم إتيانه والذي لم تكن سياساته مرضية وعادلة. يشير السيد حليم إلى بعض سياسات حزب الاتحاد القومي: “كانت تقوم على بث التفرقة بين الناس ونشر ثقافة التجسس والعمالة وتجنيد الناس لصالح إستخباراته” و يلفت النظر إلى أن بعض الأحزاب المحظورة كان يتم التغاضي عنها ويشهد بذلك بحزب (الإخوان المسلمين) الذي نشط في عامودا في بداية الخمسينات وكان يقوم بأنشطته علناً وبعد حكم الوحدة عاد للظهور ولكن بشكل سري وكان يقيم ندواته في تل معروف والعديد من القرى الأخرى بإذعان من قياداته في مصر دون أن يتعرض له أحد أو أن يلاحق أعضائه وذلك لأنهم كانوا يحاربون الفكر الشيوعي بالدين و فق طرق ممنهجة والتشهير بإنهم كفار وملحدين وكانوا يقدمون بذلك خدمة مجانية للسلطة.

ومن الواضح إن سياسة السلطات لم تقتصر على حظر الأحزاب والحراك السياسي بل كانت تمارس سياسة التمييز العنصري القومي إتجاه الكرد بمحاربة ثقافتهم و لغتهم الأم فكان التحدث باللغة الكردية ممنوعاً في الدوائر الحكومية ويعاقب عليها.

يروي البعض ممن تلقوا تعليهم الأساسي في عهد حكومة الوحدة قصصهم التي تحكي عن العقوبات التي كانت تفرض عليهم إذا ما تحدثوا باللغة الكردية.

و(ر. ا) أحد منهم يقول: “كانت اللغة الكردية تشكل فوبيا المدرسين وكنا دائماً قلقين وخائفين إذا ما تحدثنا بلغتنا الأم، كان عريف الصف غالباً ينتمي لقومية عربية أو من أبناء الديانة المسيحية ويكتب اسم من يتكلم بالكردية داخل الصف على اللوح ليعاقب المدرس أصحاب الأسماء بالأسلوب الدارج حينها (الفلقة). كنا نعامل معاملة سيئة ونشعر بإهانة كبيرة نتيجة لذلك”.

كما يضيف حج يونس البالغ من العمر 98 عاماً والذي يعتبر من الشخصيات المسنة التي زامنت العديد من الأحداث التاريخية، كانت إذاعة يريفان التي تبث الأغاني الكردية من الإذاعات المحظورة ويتم التشويش عليها وكان رجال المخابرات يصادرون جهاز الراديو من أصحابه إذا ما سمعوه صدفة فيقومون باقتحام البيوت وإهانة أصحابها ليصل أحياناً إلى حد الضرب والاعتقال.”.

“ايه نعم يا بنتي ليس فقط اللغة كانت محظورة بل حتى السماع إليها. بهذه الجملة يختم العم يونس حديثه بتحسر جلي في نبرة صوته.

أسبوع التسلُّح من أجل الجزائر
رغم كل المحاولات لتغييب الوعي السياسي والوطني في عامودا وطمس الهوية القومية والثقافية للكرد وسياسات التمييز العنصري، إلا إنه لم يتسبب في تراجع الشعور والانتماء الوطني كما إن التضامنمع مطالب الشعوب في الحرية بقي بارزاً و حاضراً بشكل ملحوظ.

في وقت كانت تشهد الجزائر فيه مقاومة الاستعمار الفرنسي فإن عامودا كانت تشكل صوتاً داعماً لحرية الشعب الجزائري، إذ لاقت الثورة الجزائرية فيها صدى كبير ودعماً معنوياً ومادياً واسعاً.

يروى من الأهالي ومثلما تشير بعض المراجع فإنه كانت تقام المزادات لدعم الثورة الجزائرية في الصالات والشوارع والأماكن العامة بالإضافة إلى التنظيم والمشاركة في المظاهرات التي كانت تخرج تنديداً بالاحتلال الفرنسي ولرفع معنويات المقاومين، ومن الملاحظ إن الدعم المادي كان يأخذ شكلين؛ إلزامي يقوم عبر فرض رسوم معينة في الدوائر الحكومية على الموظفين وطوعي يشارك به عامة الناس.

نعود إلى ذاكرة العم حج يونس لينقل لنا بعض الصور من هذا التعاون، يقول العم: “كان الجميع يهتف للجزائر ويحيي نضالها، والناس كانت تتبرع بأشياء مختلفة، نحن كنا فقراء جداً لم نستطع أن نتبرع بالمال ولكن كل ما هو في اعتقادنا بأنه سيفيد كنا نتبرع به من ثياب أومونة أو أي شيء نختزنه من الموارد الطبيعية التي كنا نعتمد عليها في العيش، نسلمها للدولة، و هي التي من المفروض أن تتكفل بمهمة إيصالها إلى الجزائر”.

في كل عام كان يعلن من قبل الحكومة عن أسبوع تسلح من أجل دعم الثورة الجزائرية ويتم فيه فرض رسوم تبرع يلزم دفعها على الموظفين في المؤسسات و الدوائر الحكومية والتعليمية، وفي عام 1960 تحديداً تغير شكل الدعم في المدارس ليتم عبر إقامة حفلات وعروض مسرحية وسينمائية للأطفال يخصص ريعها لصالح الثورة الجزائرية وكانت تشرف عليها الدولة عن طريق مدير الناحية والموظفين التابعين له في البلدية بشكل مباشر ويتم التنسيق من خلالهم مع المدرسين.

وللإحاطة بالوضع التعليمي آنذاك جدير بالذكر أنه في أواخر الخمسينات كان التعليم يشهد تشجيعاً كبيراً من قبل الأهالي وكان بدايات انتقاله بشكل رسمي إلى المدارس بعد إن كان يرتكز في دور العبادة والمساجد.

تأسست أول مدرسة حكومية ابتدائية في الثلاثينات (مدرسة الغزالي) وكان بناء صغيراً من الطيبن بالإضافة الى المدرسة الأرمنية التابعة للكنيسة الأرمنية، والمدرسة السريانية التابعة للكنيسة الآرثوذكسية وفي عهد حكومة الوحدة شهدت عامودا افتتاح عدة مدارس ابتدائية أخرى ولكنها لم تكن نظامية ببناء مدرسي ومستقل وانما كانت عبارة عن بيوت تستأجر كلها أو جزء منها ليتم التدريس فيها لم يكن يوجد إعدادية إلا في نهاية حكم الوحدة بعد عدة مطالبات للأهالي أما لمن يلتحق بالتعليم الثانوي فقد كان يضطر للذهاب إلى القامشلي إلى ثانوية “القامشلي” الحكومية، أو ثانوية “النهضة” الخاصة .

وكان الكادر التعليمي يتألف بمعظمه من مدرسين مصريين ومن الداخل السوري يعتمد عليهم بشكل أساسي في عملية التدريس.

ويعزي الأستاذ حليم ذلك إلى مجموعة عوامل متداخلة ليقول: “نظراً لإنه لم يكن يوجد لدينا كادر تدريسي مؤهل في الجزيرة كنتيجة سابقة لفقر التعليم وعدم وجود مدارس والاعتماد على دور العبادة وأيضاً وجود فائض لدى مصر في المدرسين من جهة بالإضافة إلى الظروف السياسية والاجتماعية المهيمنة فالكردي المتعلم لا يحظى بفرص التوظيف وكان ذلك يؤثر في التراجع بالرغبة والحافز في التعلم. لم يكن هناك كردي يشغل أي وظيفة لا معلم ولا شرطي ولا موظف. كان عمي يقول دائماً: “كورمانج نابن تشتك” – بما معناه ( الكردي ماراح يصير شي) – كانت هذه الجملة تتردد على ألسنة العديد من الآباء وكان لها تأثير ووقع سلبي في نفوسنا وتحبط من معنوياتنا”. نصرة الجزائر

لا يخفى أن التعليم لم يكن مؤسسة مستقلة عن السلطة وسياساتها، فقد كان هنالك هيمنة لحزب الاتحاد القومي على التعليم وكان أفضلية التوظيف ترجع للناصرين أو يشترط إنتمائهم للحزب.

يزودنا الأستاذ حليم بحادثة شخصية من شأنها أن تدل على هيمنة سياسات السلطة على المؤسسات التعليمية :”عندما كنت طالباً في الثانوية في القامشلي 1960 ودعماً لثورة الجزائر هتفت في المظاهرة شعارات تضامن وتحية للمقاومة، أتذكر ذلك الموقف المهين الذي لا يبارح خيالي إذ صفعني أحد المدرسين على وجهي ليقول لي بإني كردي ولا أملك الأذن بالهتاف”.

ويضيف محمد عزو ماكو أحد الملتحقين بالدراسة زمن الوحدة: ” المدرسين كانوا على مستوى جيد من الخبرة والمعرفة وكنا نتلكم العربية الفصيحة إلا أن تعاملهم لم يكن جيد مع الكرد كانوا مثل رجالات المخابرات يكتبون التقارير في دفاتر محاضرهم”.

على هذه النحو كانت تدار مدارس التعليم.وفي أسبوع التسلح الذي أعلن عنه عام 1960 وخصصت فيه العروض لأطفال وتلاميذ المدارس كانت مديرية الناحية والبلدية تشرف عليها بشكل مباشر أما تذاكر العروض فقد وزعت من قبل المدرسين واقتصرت الأنشطة في اليوم الأول على أفلام سينمائية عن الثورة الجزائرية وفق البرنامج المعلن عنه.

شبح نصف اللّيل
شهدت عامودا افتتاح أول دار عرض في الجزيرة السورية في الثلاثينات وكانت “سينما آل مرشو”،التي أغلقت في الخمسينات بسبب سفر أصحابها ليتم بعدها مباشرة إفتتاح صالتان سينمائيتان حديثتان؛ هما سينما فؤاد الصيفية 1956 وسينما شهرزاد الشتوية 1957 وكانتا مبنيتان بنموذج بدائي بسيط.

كانت تشهد عامودا حينها إقبالا واسعاً على صالات السينما ومشاهدة الأفلام. وقد تم اختيار سينما شهرزاد الشتوية من قبل مدير الناحية لتقديم عروض أسبوع التسلح التي بدأت بتاريخ 13-11-1960 وقسمت فيه الأنشطة لثلاث حفلات ليتم فيها تقديم عروض مسرحية وأفلام عن الثورة الجزائرية، الحفلة الأولى كانت مخصصة لطلاب المدرستين الأرمنية والسريانية الخاصة، والثانية لطالبات المدارس الحكومية والثالثة للتلاميذ الذكور من المدارس الثلاث (المتنبي، الغزالي، عمار بن ياسر).

يزودنا قاطع التذاكر لسينما شهرزاد سابقاً الخطاط والرسام ابراهيم عيسى مواليد 1937 ببعض التفاصيل حول عروض أسبوع التسلح: ” كان هنالك إقبال كبير على السينما من قبل أهالي عامودا، وولع بمشاهدة الأفلام الهندية، كنت المسؤول عن قطع التذاكر وعمل لوحات الإعلانات، و لكن في برنامج أسبوع التسلح لم يكن لدينا أي دور في الإشراف على أي شيء فقد استأجرت الدولة السينما وتكفلت بكل شيء وتبرع أصحابها بأجرة السينما لصالح أسبوع التسلح. تمت الدعاية لفيلم ” جميلة بوحيرد” الذي يحكي قصة مقاومتها ضد فرنسا.

وكان توزيع التذاكر يتم في المدرسة من قبل المدرسين و موظفي البلدية، وكان التبرع لأول مرة يقوم بهذه الطريقة، وكان معظم الأطفال يحضرون للمرة الأولى عرض سينمائي؛وقد أحدث ذلك ضجة كبيرة في عامودا وازدحام كبير للأطفال في السينما في الحفلة الثالثة تحديداً؛ فقد تم شمل تلاميذ المدارس الأخرى أيضا ضمن المدارس الثلاث المتفق عليها ومنها عدنان المالكي، ورابعة العدوية مما خلق ازدحاما كبيراً وفوضى فظيعة”.

تضج سينما شهرزاد منذ الصباح الباكر بالأطفال من مختلف الأعمار ما بين السادسة والثالثة عشر عشر وهم على أهبة الإستعداد والسرور للقاء “جميلة بوحيرد”. تقام بعض الأنشطة الترفيهية في الحفلتين الأوليتين بالإضافة إلى عرض فيلم جميلة بوحيرد.

وتشكل الحفلة الأخيرة الأكثر زخماً بالأطفال إذ يبلغ فيها عدد الحضور أكثر من 500 طفل في قاعة يبلغ طولها حوال 20 م وبعرض 6 امتار وتحوي من المقاعد ما يتراوح بين ال 100 و150 مقعداً فيضطر أغلبهم إفتراش الأرض و دكة المسرحأ وأجسام الزينة المحيطة بها.

هتافات الحرية تعلو بين الأطفال وهم متلهفين لظهور “جميلة بوحيرد”، لكن يبدو أن الانتظار سينتهي بمفاجأة مخيفة فالعرض مختلف جداً، ليتصدر شاشة السينما فيلم”شبح نصف الليل”المرعب؛ لفريد شوقي وزهرة العلا. ويبدو أن ذلك المساء كان يخبئ  أكثر من مفاجأة مرعبة لهؤلاء الأطفال.

إذ عند اقتراب الفيلم من نهاياته تحصل المفاجأة الثانية والكارثية، تلتهم النيران السينما بمن فيها لتحصد أرواح أكثر من 200 طفل وتشوه من نجا منها.

يوثق تاريخ 13-11-1960 حدثاً مأساوياً لا مثيل له في تاريخ عامودا باتت غصة أليمة في ذاكرة الأهالي، تعددت فيه أشكال الموت فمن مات دعساً بين الأرجل ومن صعقه التيار الكهربائي، ومن أختنق من الدخان ومن اشتعلت فيه النار حتى تفحمت عظامه ومن غرق في البئر الذي لم يكن يعلم أحداً بوجوده في الباحة الخلفية للسينما إثر محاولته القفذ من النافذة أو من الباب الجنوبي للنجاة بروحه.

يروي لنا العم المسن محمد إبراهيم أبو عيسى والذي يبلغ التسعينات من العمر بعض تفاصيل نتائج وأضرار الحريق الكارثية وهو من السكان القاطنين في حي السينما: “كنا خائري القوة كان حجم الحريق مرعب وخارج عبارات الوصف، لم يكن هناك إطفائية في عامودا والإطفائية التي جاءت من القامشلي كانت فارغة إلى إن عادت مملوئة كان السقف قد هبط وساهم الماء في تفتت تلك الأجساد وسلقها أكثر “. نصرة الجزائر

لقد ساهم العم أبو عيسى مع أصدقائه خالد وعبد الفتاح برازي في إخراج الجثث و جمعها إذ لم يكن يوجد سيارات إسعاف وكان يتم نقلها عبرعربات العتالة إلى الجامع الكبير. لا تزال ذاكرة العم إبراهيم مليئة بتفاصيل المشهد المؤلمة رغم كبر سنه: “كنا ننبش بين الركام لغاية صباح اليوم التالي سخونة المكان كان تلفح وجهنا ونحن نخرج جثثاً مسلوقة كانت رائحتها جداً قوية لدرجة جعلتنا ننزف، لحوم الأطفال وجلودها كانت تنسلخ لمجرد لمسها كنا نجمع المفتت منها ونضعها في أكياس خيش لم يستطع العديد من الناس التعرف على جثث أولادها لهول ما حدث بها .عثرت على جثة متفحمة لم أعرف إنها لإمرأة إلا من خلال جديلة شعرها لنكتشف بعدها إنها جارتنا عيده “.

بين الفينة والأخرى يتخلل حديث العم إبراهيم جملة يرددها كثيراً : “يا قلبي عليهم هالولاد نحن وين والجزائر وين شو دخلنا فيها أطفالنا راحو ضحية”.

تحولت على إثر حادث الحريق سينما شهرزاد إلى سينما الفاجعة أو السينما المحروقة هذه التسمية التي أطلقها أهالي عامودا بعد الحادثة المروعة. وبات هذا التاريخ مفصلياً مثل النكبة ( قبل السينما أو بعد السينما ) و أصبح من العلامات الزمانية و المكانية التي يستدل بها الأهالي للإشارة إلى الكثير من الأمور والأحداث. نصرة الجزائر

ضحايا، شهود عيان، جنود مجهولين

كما في كل حدث لابد من ضحايا ناجين وشهود عيان ومن توفر بعض الشروط الموضوعية المحيطة به، من الملفت في حريق سينما عامودا أنه لم يكن هنالك مرافقة من الكادر التدريسي مع الأطفال في الدفعة الثالثة التي لاقت مصيراً مفجعاً. كان هنالك ثلاثة مستخدمين للمدارس الثلاث (المتنبي، و عدنان المدني، و عمار بن ياسر). و السيد رمضان أحمد حسن الذي كان يعمل كمستخدم في مدرسة عمار بن ياسر هو أحد شهود العيان وله الفضل في إنقاذ حياة العديد من الأطفال.

في الوهلة الأولى عند مقابلته تظن إنه بالكاد يستطيع تذكر شيء لكبر سنه واعتلال صحته ولكن عندما تبدأ بإثارة ذاكرته والإلحاح عليها تحضر الكثير من الصور و التفاصيل المهمة إليها وتراه شيئا فشيئا يضيف أجزاء منسية إلى الحديث ليبدو وكأنه عن أمر حدث البارحة وليس قبل نصف قرن. وفي السؤال عن مهمته في ذلك اليوم يجيب:

“كنت أنا مع زميلي المستخدمين محمد ماردلي، ورمضان خاني صوري مرافقين مع التلاميذ؛ طُلب منا أن نرافقهم إلى السينما لكن دون طلب رسمي أو إلزامي بذلك، وأن نحرص على عدم مغادرة الأطفال. كنا نهاب المدرسين بشكل كبير لأن الحفلات كانت إلزامية. لكننا لم نستطع أن ننظم الأطفال كان الازدحام كبيراً جداً كانوا يتدفقون وكأنهم على باب فرن”.

“ما تسعفني ذاكرتي فيه انه كان من المتفق أن يرافقنا بعض المدرسين لكنهم لم يأتوا معنا وسمعت إنه فيما بعد قد جاء بعضهم وكانوا جالسين في اللوج (بركون الرجال) وهربوا أثناء الحريق لكنني لم أرهم لأجزم بوجودهم كانت هناك ازمة كبيرة. أتذكر إني رأيت بعض النساء اللاتي رافقن اطفالهم في اللوج ولكني لم أرى أية مدرسين”. يقول حسن.

وفي الحديث عن كيفية حدوث الحريق يروي السيد رمضان: “كنا واقفين من الأزمة أنا وزميلي رمضان خاني صوري إلى جانب بعض بالقرب من الباب ونتفرج على الفيلم، انتهت الدورة الأولى وأعلنت الاستراحة لمدة 10 دقائق، وبعد الاستراحة، حدث الحريق لم ننتبه في البداية لأن الفيلم كان يحوي أيضاً على مشاهد نار ودخان، فعندما اشتعل الحريق في غرفة التشغيل خلفنا انعكس ذلك على الشاشة واعتقدنا إنه إحدى مشاهد الفيلم لم ندرك إنه هنالك حريق إلا بعد سماع صوت دوي يشبه صوت (الببور) وبعد إن تعالى صوت الأطفال في اللوج (بركون العائلات) التفتنا لنرى خيمة دخان حول اللوج، فتحنا الباب الرئيسي فوراً ليخرج الأطفال، لكن الحريق كان سريعاً وانتشر بسرعة البرق اشتعل في السقف المصنوع من القش بالإضافة إلى أن الجدران كانت مكسوة بالخيش وتحيط بها أيضاً أشرطة الكهرباء، لم يكن بناء سينمائي يا ابنتي بل كان أشبه بإسطبل”.

لا يخفى أن السيد رمضان قد ساهم في إنقاذ العديد من الأطفال وفق طاقته التي كانت الظروف الموضوعية أكبر منها وفق ما يشير إليها. “تدافعوا الأطفال إلى الباب وخلقوا ازدحاماً مرعباً، باتوا كالنمور يقذفون من فوق رؤوسنا ويدعسون بعضهم ويتسلقون بنا ليرموا أنفسهم من فوق رؤوس بعضهم، المشهد يفوق التصديق، الكل يهلع لإنقاذ نفسه، بدأوا بدفعنا وأصبحنا مهددين بالاحتراق لم نعد نملك القدرة على المساعدة في الداخل لأنهم كانوا يدفعوننا ويدفعون بعضهم إلى الباب فخرجنا وبدأنا بسحبهم واحداً تلو الآخر من الخارج، تكدس الأطفال فوق بعضهم عند الباب، وكنا نصيح بالناس طالبين المساعدة ونقول: “تعبنا” كان الأطفال يصلون منهكين إلى الباب وعندما نسحبهم يغمى عليهم مباشرةً، إستطاع البعض أن يقذف من خلال النوافذ المحيطة باللوج، وشيئاً فشيئاً فقدنا القدرة على التماسك وفقدنا قوتنا، النيران باتت تلفح وجوهنا فالحريق وصل إلى الباب وتساقطت علينا حمم النار أما الباب فقد أغلق بأجساد الأطفال بفعل تدافعهم عليه”.

يتابع السيد رمضان حديثه واصفا حالته: “لم أشعر بالحروق التي في وجهي ورقبتي إلا في صباح اليوم التالي، وكانت رائحة الدخان وشواء الأجساد تملأ الجو والأنفاس أما الذين انقذهتم فهم يشكرونني كلما التقيت بهم رغم إنني لا أتذكرهم فقد كانوا صغاراً حينها “.

يختم العم حديثه باكياً : ” كم كنا نرغب بإنقاذ الكل كانوا طلاب مدرستنا وأطفالنا و كنا نحبهم كثيراً، الله لا يفرجيها لأحد يارب، ما يفرجي الي شفناه لعدونا”.

أما المستخدم محمد ماردلي فقد انهار وأغمي عليه داخلاً لكنه تمكن من النفاذ إلا إن إبنه الذي كان بجانبه ضاع في تلك الفوضى العارمة والتهمته النيران ليمسي شهيداً.وللتعرف على محنة الناجين من ذلك الأتون نبدأ بـ رستم إبراهيم أحد الضحايا الناجين والذي تركت الحادثة أثراً بليغاً في نفسه رستم البالغ من العمر 68 عاماً، كان حينها طالباً في الصف الثاني في مدرسة عمار بن ياسر لا تبارح المشاهد ذاكرته ينقل إليك حزنه وألمه العميق في كل لقاء أو حديث معه حول السينما حتى وإن كان عابراً. لا تزال آثار الحريق تغطي يديه ورأسه بشكل ملحوظ.

“اقتناء التذاكر كان إلزاماً، قالوا سيعرض فيلم عن جميلة بوحيرد وألزمونا بالحضور، لم نستطع أن نرفض أنا شخصياً كنت خائف جداً من الفلقة التي هددتنا بها المعلمة إذا امتنعنا عن الذهاب. دخلنا السينما أنا وإخوتي أخي الكبير كان صف ثالث أما الصغير فقد كان صف أول ولم يكن يملك تذكرة فادخله موظف البلدية مجانا كان متشوقاً جداً لزيارة السينما لأول مرة، جلس أخي الكبيرفي اللوج عند الباب الرئيسي أما أنا وأخي الصغير جلسنا على دكة العرض الملاصقة بالشاشة إذ لم يكن هناك متسع والذي كان جداً مرتعبا من الفيلم ويود الهرب حيث المغادرة كانت ممنوعة “. أما رستم فقد كانت عيناه تبحث عن جميلة بوحيرد في الفيلم ونتظرها طويلاً قبل أن يدرك إنه ليس الفيلم المقصود.

واصفاً هول مشاهد الفيلم: “لم أرى سوى عجوز ساحرة شمطاء ملامحها تثير الرعب، عندما اندلع الحريق خلفنا انعكست شرارته على الشاشة إختلط معنا الفيلم مع الواقع، وبعد صيحات الأطفال من خلفنا أدركنا إنه حريق، كنت مذهولاً جداً لم أكن أُدرك أبداً ما يحدث حولي”.

كابد رستم الكثير من العناء لينجو بإعجوبة ويصل إلى زملائه المتكدسين أمام الباب. “استطاع أخي الأكبر أن يهرب من اللوج عندما قذف من الشباك أما أخي الصغير فقد ضاع بين أقدام الطلاب الكبار لم نعثر عليه إلا ميتاً في صباح اليوم التالي وعلى خصره آثار منجل كانت لا تزال حقيبته في ظهره و مفتاحه في عنقه أما وجهه فقد بدا ملائكياً و لم يصبه شيء مثلما كانت تصف أمي”.

يبدو من خلال رويات الشهود والناجين أن الأطفال الصغار كانوا يتجمعون أمام الشاشة وأغلبهم ذهب ضحية لصعوبة وصلوهم إلى الباب ولصغر أجسادهم التي ضاعت ودهست تحت الأرجل أم الكبار منهم فقد كانوا في الخلف في “بلكون” العائلات.

كل ما يخوض رستم في تفاصيل سرد الحادثة يغلب الحزن على صوته ليخنقه و تشوب ملامحه الكثير من الألم والانفعال.

“نسيت كل شيء في تلك اللحظة لم أتذكر حتى إخوتي كان كل همي أن أطفأ ظمأي وسخونة جسدي غمسته في بركة ماء المنزل واستلقيت على ظهري في الهواء. لم نشعر بحروقنا في اليوم الأول إلا عندما سلخ ذلك الجلد المحترق عنا، كان يغمى علي مراراً وتكراراً في المشفى الذي بقيت فيه حوالي ثلاثة أشهر أدخل في غيبوبة ومن ثم أفيق، جروحي لم تكن تلتئم فقام الأطباء بعملية تطعيم من باقي الأماكن في جسدي. عظامنا كانت تظهر من تحت الجلد وأصواتنا تصل إلى السماوات من شدة الألم”. لم يقف آثار الفاجعة على الناجينمنها عند هذا الحد بل تعدت إلى أبعد من ذلك؛ فبقي رستم لا يقترب من السينما لمدة سنتين إذ كان يشعر بالخوف وتحضر المشاهد في ذاكرته بكل تفاصيلها المرعبة وطيلة خمس سنوات تلت الحادثة لم تغادره الذكريات المؤلمة في كل لحظة فكانت تأتيه على شكل كوابيس يومية كما كان يحرص ألا يمر من شارع السينما رغم قرب منزله منها.

لم تنتهي المأساة عند ذلك بل بسبب وضع رستم الصحي فقد إنقطع عن التعليم حوالي 4 أشهر وعندما عاد تم إرسابه في عامه الدراسي ويبدو إن هذا الإجراء كان بالغ الأثر في نفسه، يقول: “كنت من الأوائل في المدرسة ولكن لم أعد أهتم وبعد قانون الإحصاء الذي جرى عام 1962 وأصبحنا بحسبه أجانب تركت المدرسة بشكل نهائي”. شكل هذا الحادث عائقاً كبيراً أمام تكملة الدراسة لدى الكثير من الناجيين. 

محمد أمين عبد السلام هو أيضاً أحد ضحايا الحريق والناجين منه انقطع سنة كاملة عن المدرسة بسبب حروق ساقيه ولم يتم استقباله أو تسوية وضعه فالتحق بالجامع ومن ثم ذهب الى حلب مع بعض التلاميذ لدراسة الشريعة ولكنه لم يفلح.

كذلك بالنسبة للناجي محمدعزو ماعكو وهو إبن أحد الشركاء في ملكية السينما خضر عزيز حسين عزو ماكو استطاع محمد أن ينجو من الحريق دون أي إصابة أو ضرر جسدي و لكن لا يبدو ذلك على الصعيد النفسي.

يقول محمد: “انقطعت عن المدرسة فترة لأنني لم أكن أحتمل الجلوس في مقعد خالي من أصدقائي الذين سرقهم مني الحريق ريثما غيرو الصفوف وخلطوا بين التلاميذ. كما لم أستطع أن أمر من عند السينما فالمشهد كان يمتثل أمامي. فكرة تركي العشرات من زملائي خلفي وأنا أراقبهم كيف يحترقون كانت تعذبني جداً أصواتهم إلى الآن لا تفارقني، إبراهيم غيدا وابن خليل كوجري كانوا من أصدقائي المقربين برحيلهم تركوا فراغاً و ألماً كبيراً في نفسي لا يعوض و لا ينتسى”.

أما الناجي محمد إسماعيل” النصف شهيد ” كما ينعته أخاه ديلاور فقد أخذ نصيباً عظيماً من الألم الذي لم يبارحه إلى مماته.

الضحية التي تشوهت جسدياً ونفسياً. يحدثنا أخاه الكاتب ديلاور إسماعيل زنكيعن محنتهم الكبيرة ومعاناتهم المزدوجة التي عايشوها جراء هذه الفاجعة: ” ولدت بعد حريق سينما عامودا ب 8 أشهر وولد معي الهم و الحزن لم أستطع أن أرضع حليب أمي المفجوعة بأخي الشهيد ولم أستطع أن أداوي أخي الناجي كما إنني تحملت المسؤولية باكراً بالأخص بعد رحيل أبي “.

يبدو أن لعائلة ديلاور مسيرة حزن طويلة ومؤلمة فمعاناة محمد النفسية كانت كبيرة وقد عانى جميع أفراد العائلة معه. “لم ينسى أحد منا الفاجعة كل شيء في البيت كان يذكرنا بها بكاء أبي، جفون أمي المتدلية ورموشها المتآكلة ، صراخ أخي محمد ومناجاته طيلة 47 عاماً “.

ويتابع: “أبي كان يبكي كلما يُفتحُ حديثٌ عن حريق السينما، أما أمي فقد كانت آثار الحريق بادية على وجهها وبالأخص عينيها كانت تتذكر أخي الشهيد وتبكي كلما أقبلت على قص رموشها التي باتت تنمو باتجاه داخلي، أما أخي محمد. فقد عان الأمرين ذاكرته كانت تفيض بالصور المؤلمة والكوابيس لا تفارق مناماتهكان يحدثني دوماً عن مشاهد الفيلم المرعبة وعن فقدانه لأخي أحمد نستيقظ كل صباح على صوته : (جاء أحمد يا أبي فيق) فنجهش جميعنا بالبكاء وبقي محمد ينادي بإسم أخي أحمد حتى آخر لحظة قبل وفاته عام 2007 “.

يبدو أن الحكومة لم تتكفل بالعلاج والتعويض الذي حصلت عليه عائلة ديلاور كان بسيطاً ولا يسد رمق الخسارة “أحوالنا المادية كانت جيدة مقارنة بالكثير وقد بعنا كل أملاكنا لنعالج أخي محمد سافرنا إلى بيروت طلباً للعلاج ومكثنا فيها 4 سنوات أبي يعمل ليل نهار وأمي وأختي كانتا تصنعان أكياس ورق في البيت لأبيعها في السوق كي نستطيع أن نؤمن مصاريف العلاج ولم نستفد شيء الأعصاب في رأس أخي محمد كانت قد تضررت كثيراً. كان كل هم أبي أن يشفى محمد فلا يتردد بأخذه عند أي طبيب يسمع باجتهاده”.

أما أمهم فريدة التي فجعت بإبنها أحمد ولم تتعرف على جثته إلا من خلال شامة ظهره فقد كانت هي أيضا إحدى الجنود المجهولين كالعم رمضان إذا ساهمت في إنقاذ ما يقارب ال 10 أطفال من الحريق يروي ديلاور عن أمه بطولتها: ” كان هنالك تجمع لرجال الشرطة يمنعون الناس من الدخول والاقتراب من السينما ويحملون في أياديهم “خيزرانات” ولكن أمي دفشت العسكري الذي اعتدى عليها بالضرب واقتربت من الباب لتنقذ أرواح الأطفال وقد بقي آثار الحريق على وجهها وعيونها إلى أن وافتها المنية، أما أبي فكان يحفر الجدار ويهده بالمنجل ليخرج الأطفال من دكان السينما و منهم أخي محمد “.

الشهيد البطل
محمد سعيد آغا الدقوري الذي برز اسمه عالياً وتغنت عامودا ببطولته ورثته النساء بقصائد ذاع صيتها في الجزيرة هو ابن سعيد آغا الدقوري الشخصية الوطنية و السياسية البارزة وقائد إنتفاضة عامودا ضد الإنتداب الفرنسي 1926. 

أنقذ محمد سعيد آغا أرواح العشرات من الأطفال من النار مضحياً بنفسه في سبيل نجاتهم ليغدو الشهيد البطل كما أطلق عليه الأهالي.

يقول الخطاط وقاطع التذاكر ابراهيم عيسى: “لقد رأيته عندما خرج من قهوة جوزيف وركض مسرعاً باتجاه السينما كنت أشاهده كيف دفش الشرطي الذي كان يمنع الناس من الإقتراب لف خفتانه عند خصره و دخل إلى السينما عنوةً رأيته أكثر من ثلاث مرات متتالية كان يدخل ويخرج حاملاً الأطفال على يديه وآخر مرة دخل فيها لم يخرج كان يلقي بالأطفال خارجاً إلا إن وقع سقف السينما ولم نعد نراه”.

كما أن العم محمد ابراهيم أيضاً هو أحد شهود العيان على بطولة محمد سعيد آغا. يقول: “سمعت الناس يقولون له آغا أولادك قد نجوا وهم الآن في البيت ولكنه لم يكترث قال جميعهم أولادي أطفال عامودا كلهم أولادي لم يهب النار وزج بنفسه بها لينقذ حياة العديد من الأطفال رغم أن النار باتت تشتعل في ثيابه إلا أنه لم يتراجع لقد أبدا شجاعة لا مثيل لها في وقت لم يتجرأ أحد منا الإقتراب من دوائراللهب المرعبة”.

تتمكن النيران من محمد سعيد آغا حتى إن خسر حياته داخل ذلك الأتون مع الأطفال وغدا الشهيد البطل.

العدالة طي الكتمان
شاعت الكثير من الروايات عند وقوع الفاجعة أن الحريق مفتعل، ولكن لحد الآن لم يؤكد ذلك بشكل موضوعي لأن ملابسات الحادثة الغامضة ظلت لفترة طويلة طي الكتمان وغير مثارة إلا إن ظهر من ينبش فيها وهو المحامي وأحد الناجين منها “حسن دريعي”. والذي ألف كتاب توثيقي من جزئين حول حريق السينما.

هناك عوامل موضوعية كثيرة يسهب في سرد تفاصيلها حسن دريعي في كتابه “عامودا تحترق” ولكن أغلبها تشير للعوامل المساعدة في اندلاع الحريق وانتشاره بهذا القدر الكبير كمواصفات الصالة السينمائية غير القانونية وغير المؤهلة لأي شرط صحي ليطلق عليها سينما اذ كانت في السابق اصطبلاً، كل شيء فيها قابل للإشتعال البناء من الطين والخشب والقش والنايلون، باباها الخشبيان الشمالي والجنوبي كل منهما بارتفاع مترين وعرض 80 سم ومؤلفان من دفتين يفتحان نحو الداخل، السقف من القش والديكور خيش مدهون بأصبغة مميعة بالزيوت، أرضية الصالة منخفضة عن مستوى الشارع.

بالإضافة إلى الفيلم الكثير التقطيش (التقطيع) بسبب قدمه والمادة المصنوعة منه وهي مادة سريعة الاشتعال. أما السبب المباشر للحريق فلا يغدو واضحاً لحد الآن وتشير الروايات إلى محرك آلة العرض الذي تم تشغيله من الصباح الباكر وأصبح شديد السخونة مما أدى إلى احتراق الفيلم واندلاع الحريق.

و لكن لم يتم تقديم دلائل قاطعة تؤكد بشكل جازم أن هذا هو السبب الرئيسي و المباشر للحريق.

العديد من الشهود الذين قابلتهم أشاروا أن ملاكي السينما ذهبوا إلى مدير الناحية و طلبوا وقف العروض لأن محرك العرض لم يعد يتحمل المزيد ولكنه لم يقبل. و منهم الخالة حليمة شيخموس حسن زوجة المرحوم خضر عزو ماعكو الذي كان شريكاً في ملكية السينما والذي ذهب بنفسه إلى مدير الناحية إذ تم تشغيل آلة العرض منذ الصباح الباكر لغاية المساء وكان المتفق مع ملاكي السينما تنظيم حفلتين فقط. نصرة الجزائر

ومن خلال حديث العم ابراهيم عيسى عن ديكور السينما وعدد مقاعدها الخشبية يتوضح أن السينما لم تكن تسع إلا بين 100 و 150 شخص في حال كان عدد الموجودين يفوق ذلك بأربعة أضعاف.

تم توثيق عدد الضحايا الذين فقدو حياتهم في كتاب عامودا تحترق الجزء الثاني و هو 206 معظمهم أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و 13 سنة بينهم إمرأة واحدة والشهيد محمد سعيد آغا باعتقادي إن العدد ممكن أن يفوق أكثر من ذلك. لأن عملية التوثيق لم تطال الجميع بالإضافة إن الكثير من القبور الفردية والجماعية تنسب إلى مفقودين دون معرفتهم أو معرفة عائلاتهم والذي الكثير منها سافرت منذ زمن بعيد خارج البلاد.

الجدير بالذكر إن أسر الشهداء وعوائلها لم تتجرأ برفع الدعاوي على مدير الناحية نتيجة التهديدات التي تعرضت لها من قبل وزير الداخلية وممثل جمال عبد الناصر في الجزيرة عبد الحميد سراج وأيضاً من قبل رئيس مباحث الحسكة ” حكمت ميني” بعد إن علموا أنهم عازمون على طلب التحقيق في الحادثة أصروا على إبقاء هذه الفاجعة مسألة قضاء و قدر.

كما تعرض نذير آغا الأومري الذي فقد إثنان من أطفاله إلى تهديد من قبل الحكومة بالتحريض على سلامة الدولة لأنه قاطع أربعينية الشهداء التي قام بها رجال الدولة ونظم مع العديد من أسر االضحايا أربيعينة أبنائهم رافعين علم الاستقلال وعلم الجزائر وصورة محمد سعيد آغا ،كما طالب بتحقيق يوضح أسباب الحريق. صرة الجزائر

ومن الواضح إن الذكرى السنوية الأولى لفاجعة السينما قد قمعت ومنع إحيائها فيما بعد، حيث حدثت فيها العديد من الإعتقالات لمنظمي الحفل الذين كانوا يشكلون لجنة من أسر الشهداء وبعض النشطاء والسياسيين من الأحزاب المحظورة كحزب الشيوعي السوري، وحزب البارتي.

علقت لافتة كبيرة في الشارع العام كتب عليها: “إجراء تحقيق عادل مع مسببي حريق سينما عامودا”. ورفعت بعض الشعارات الوطنية كـ:”ضحت عامودا وستضحي دوما في سبيل نصرة الشعب الجزائري”. “الأخوة العربية الكردية هي الصخرة التي سيتكسر عليها رأس كل عنصري”.

تعرضت اللجنة لأثرها إلى الإستجواب في صباحية ذكرى الإحياء 13-11-1961 بحضور رئيس المباحث العامة عبد الحفيظ جود والذي طلب قراءة خطاباتهم قبل إلقائها على الجمهور.

يقول مصطفى دقوري وهو المتحدث باسم عوائل الشهداء : “قالو لي في الاستجواب إن خطابي كتبه الشيوعين رغم إني لم أكن إنساناً حزبياً وأنا كتبت خطابي بيدي باسم عوائل الشهداء، كما سألوني عن رأيي في جمال عبد الناصر. لكننا لم نتنازل عن شعاراتنا، وعندما وصلنا إلى المقبرة أطلقنا هتافات تطالب بالتحقيق، وأخرى عن الجزائر وعن الأخوة الكردية العربية، حضر المناسبة وقتها القائم مقام وقائد الشرطة وعبد الحفيظ جود رئيس المخابرات. وبعد إطلاق الهتافات فوق المقبرة قال عبد الحفيظ جود: يظهر إنها ستكون السنة الأخيرة لإحياء هذه المناسبة. قادونا إلى التحقيق في القامشلي واعتقلونا قال لنا حينها رئيس المحققين : (مانكم أخوتنا ، و لا نحن أخوانكم، روحوا من بلادنا) “.

وجهت إلى المعتقلين إتهامات عديدة منها الانتماء إلى منظمات سرية ،إثارة نعرات عنصرية ، ومحاولة اقتطاع جزء من الأراضي السورية.

بعد حملة الإعتقالات والإجراءات التعسفية التي طالت هذه اللجنة والتي كانت معظمها من أسر الشهداء حتى السياسيين منها كمحمد علي حسو عضو البارتي الذي فجع بإبنه البكر وهو قابع في سجن المزة، بات إحياء الذكرى ممنوعاً لسنوات طويلة والمفجوعين بأبنائهم لا يملكون الحق بالتعبير ولا المطالبة بتحقيق عادل يكتفون برثاء أولادهم و زيارة قبورهم. إلا أن بادر حسن دريعي مع بعض الشباب لإحياء ذكراها السنوية بشكل علني في 2008 بإشعال الشموع في شوارع المدينة وحمل باقات الزهور إلى قبور الشهداء و حديقة السينما.

ما يبدو جلياً أن السياسة العنصرية و اللاعادلة التي كانت تنتهجها الحكومة اتجاه الأهالي خلقت ردات فعل قوية وزادت من إصرار بعضهم إن الحريق مفتعل فتدور في ذهنهم أسئلة كبيرة لا يجدون لها أجوبة و يبقون أسيري تصوراتهم.

يقول الناجي رستم حول رأيه في مسببات الحريق: “أكاد أجزم أن الحريق كان مفتعلاً تلك النيران التي رأيتها لم تكن نيران عادية وكأن أنبوب غاز إنفجر فينا هذا أولا من ثم لماذا كل الذين إحترقو كرد؟ لماذا كانت حفلتنا منفصلة عن باقي المكونات؟ السريان والأرمن كانوا بالدفعة الأولى ومنظمين أكثر ويرافقهم المدرسين أما نحن كنا كاليتامى لم يرافقنا أحد و الفوضى كانت تعم المكان لماذا لم يسمح بفتح تحقيق عادل وتهديد كل من يطالب بذلك؟. لقد سافر قسم من أهلي مع وفد عوائل الشهداء إلى الشام للمطالبة بتحقيق ولكن القضاة هناك قالوا قضاء وقدر ولم يقبلوا الدعوة “.

الحقيقة إن كل من كان يطالب بفتح تحقيق عادل كان يتم تهديده من قبل الحكومة، والتحقيق الذي جرىمع ملاكي السينما والعاملين فيها كان شكلياً ولم يتم مع الجهات المعنية والمشرفة على تنظيم الحفل كما أغلق ملف التحقيق بعد أيام قصيرة و لم يعرض على الناس ولم تتم مشاركة ملفهمع أهالي الضحايا الذين بقوا مفجعوين بفلذات أكبادهم و لم يتم إنصافهم فرافقتهم الحسرة و الفضول طيلة حياتهم حالمين بعدالة تريح صدورهم.

حديقة الشهداء
تركت السينما ببقايا جدرانها على حالها ما يقارب السنةبعد إن تم هدمها كاملاً و بناء سور من الإسمنت حولها وقد زرع فيها أهالي الضحايا العديد من أشجار الصنوبر وأشجار الزينة بالإضافة إلى تمديد أنبوب مياه للشرب مع صنبوره كصدقة جارية على أرواح الضحايا كما تجري العادة وفق معتقداتهم الدينية. جدير بالذكر إن المساحة الأساسية للسينما لا تتجاوز 120م2 لكن تم تكبير حديقة السينما بتوسيع المساحة وذلك بإضافة مساحة الأرض التي تحد السينما من الجنوب إليهاو يعود ملكيتها إلى عائلة عزو ماعكو.

يقول محمد عزو: ” صادرت الدولة قطعة الأرض التي كانيبلغ طولها 1000 متر ، لم يعترض أبي على ذلك ولم يطالب بأي مقابل كان يقول الأرض مو أحسن من ولاد العالم الي راحو لكن تم مصادرة 500 متر آخر لتكبير الحديقة بالإضافة أن الدولة صادرت عقاراً آخر لنا وهو البستان المجاور الذي يبلغ طوله 200 م. وأبلغونا إنه بات أملاك دولة لا نستطيع إلى الآن استثماره و لم نحصل إلى حد الآن على أي تعويض مادي يذكر من الدولة ولا عن متر واحد “.

وفي عام 1962 أهدى الفنان التشكيلي والنحات محمود جلال، أهالي عامودا نصباً تذكارياً بإسم أطفال عامودا وهو فنان ليبي المنشأ وقد ترعرع في سوريا و تخرج من الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة من روما عام 1938.

إن النصب هو برونز إيطالي يجسد مشهد الحريق وفكرة تضحية أطفال عامودا بأنفسهم في سبيل إعلاء راية الجزائر.

ثلاثة أطفال متشابكون في صراعهم مع النار المحيطة بهم والتي تتسلق أجسادهم يلتف بعضهم حول بعض في إيقاع فني معبر جداً تظهر ملامحهم الكثير من الفزع والألم ويحمل الأوسط منهم علم الجزائر عالياً. إن المنحوت يجسد الألم بطريقة وإسلوب إبداعي واضح وكأن صاحبه قد عايش الألم بنفسه.

يقول الفنان التشكيلي محمد أنور الحامدي والذي يعود له الفضل في تصميم حديقة السينما: “عندما شاهدت النصب لأول مرة أدمعت عيوني وشعرت بالفزع، تجسد المشهد أمام عيناي رغم إني لم أكن حينها، التمثال جداً ذات رهبة وحضور ومنحوت بمستوى عالي من الدقة والحرفية”.

بقيت السينما في مهب الإهمال يحيط بها جدار ضعيف مائل دون عواميد أو أي شيء يدعم ثباته و ينتصب في منتصفها النصب التذكاري وحيداً على قاعدة هشة لغاية العام 2002 حيث بادر محمد أنور الحامدي لتقديم مشروعه والضغط على سلطة البلديات لتمويله.

حيث عين بصفته مراقب فني مشرف على المشاريع في بلدية عامودا 1990 وكان أيضاً عضو اللجنة النقابية والديوان ومجلس المدينة. نجح الحامدي في الحصول على الموافقة لمشروعه وتكفلت البلدية بالمصاريف أما هو فقد صمم الديكور بنفسه وأشرف على تنفيذه لمدة 8 أشهر وبذلك أضاف الكثير من الجمالية لحديقة السينما.

وفق الديكور الجديد فقد تم ترميم الجدار وتوسيع الممرات وبناء قاعدة حديدية جديدة للنصب التذكاري و على يساره صورة فسيفسائية من الرخام للشهيد محمد سعيد آغا منحوتة على لوح سيراميك، كما تم بناء قوس حجري خلف التمثال، و بئر بتصميم فني فوق البئر القديم المهدوم بالإضافة إلى بناء نافورات مياه و المزيد من التشجير، و توسيع الباب الرئيسي.
كما تم مؤخراً تعليق آرمة " حديقة الشهداء"  أمام الباب وهو الإسم الجديد الذي لم يعتد الأهالي أن يتداوله فلازالت الذاكرة تصر على تسمية " سينما شَوِتيْ " أي السينما المحروقة أو  " سينما الفاجعة".
وتغدو  "حديقة الشهداء " اليوم مزاراً للأهالي والسياح ويتم إحياء ذكرى حريق سينما عامودا كل سنة فيها كما يتم إستخدامها في العديد من الأنشطة الثقافية والسياسية التي تقام في المدينة.
تمر السنين ويبقى ذكرى حريق سينما عامودا حياً طازجاً في الأذهان ويحتل الجزء الأكبر من مأسي الذاكرة الجمعية لسكانها كما لا يزال الغموض يلف الكثير من ملابسات الفاجعة ولا يزال الأهالي يتطلعون بشوق لتحقيق عادل والمزيد من التوثيق والمتابعة للحدث.
وإن لم يكن الحريق مفتعلاً فلا تقتضي العدالة تبرئة الجهات المسؤولة من فسادها وإهمالها هذا ما يتفق عليه الجميع.
الحقيقة إن جيلاً كاملاً كان يمثل مستقبل البلدة التي لم يكن يبلغ عدد سكانها حينها أكثر من 15000ألف نسمة ذهب في محرقة حشدت فيها أجساد الأطفال بطريقة همجية. لا يزال الناجين منها يتطلعون إلى تحقيق عادل يرقى لمستوى خساراتهم وألمهم.

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!