الوضع المظلم
الخميس ٢٦ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
ماذا تريد روسيا وماذا يريد الغرب؟
بسام البني

هناك حرب يتم شنّها ضد روسيا، فهل الغرض منها هو حرمانها من حقها في المستقبل؟ يبدو أن هذا السؤال غير عادي فكيف يمكنك أن تسلب مستقبل أمة بأكملها؟ هذه ليست احتياطيات من الذهب والعملات الأجنبية حتى تصادرها، وليست تأشيرات شنغن تستطيع منعها عمن تريد.

"وحده هو الذي يستحق الحياة والحرية، الذي يذهب كل يوم ليقاتل من أجلهما". /غوتيه/

وللأسف في العقود الأخيرة، فضل المواطنون الروس الذهاب إلى المستقبل عن طريق الجمود، جنباً إلى جنب مع البشرية جمعاء، وقبل كل شيء، مع "العالم المتحضر"، واثقين من أنه مع أي تغيير في الدول الرائدة والأيديولوجيات المهيمنة، فإنه سيشملهم، وأن أطفالهم سيعيشون أفضل منهم، وأحفادهم أفضل من أطفالهم، وسيستخدم أطفالهم آيفون الثالث عشر والرابع عشر، وستعم الرفاهية على البشرية جمعاء. ربما نشأت هذه النزعة القهرية المتفائلة في العهد السوفييتي، عندما كانت هناك صورة لـ "مستقبل مشرق"، فغالباً ما عانى الناس من قسوة الحياة، لكن هذه الحياة كانت بمثابة بصيص من المستقبل.

كتب ماياكوفسكي عن "عصر السنوات المشرقة"، ووصف كتّاب روس آخرون المستقبل في روايات خيالية من قبل، تصوروا فيها عالماً واحداً تحت قيادة معقولة، متحرراً من الحروب والفقر، حيث كان الناس المحررون من العمل الميكانيكي، منخرطين بشكل أساسي في الإبداع ومعرفة الطبيعة. تشكلت صورة المستقبل في ذلك الوقت جزئياً من أعمال الاشتراكيين الطوباويين، وجزئياً من الأفكار الساذجة عن جنة الفلاحين.

عندما تم تجاهل هذه الصورة، بدأ الكثيرون بشكل افتراضي في الاعتقاد بأن المستقبل بالطريقة الغربية يبدو متشابهاً، تم تحقيقه للتو بوسائل أخرى. ومن هنا يأتي الموقف شبه الديني من السوق الحرة، التي "تقرر كل شيء". ومن هنا كان الأمل في العولمة: بدا أنها كانت تهدف إلى تحقيق الصالح العام للكوكب بنفس طريقة مشروع الأخوة الشيوعية للشعوب. لكن كل هذا كان مجرد وهم، فتقدم الثقافة الغربية بشكل أكثر إلحاحاً، جعل الأشخاص ينظرون إلى صورة المستقبل بتدقيق ووعي أكبر، والتي من ناحية تتبع الأفكار المسيحية حول نهاية الزمان، ومن ناحية أخرى، تعكس الطريق المسدود الحقيقي لتلك الحضارة الحديثة.

وتم عرض هذه الصورة علينا في العديد من أفلام هوليود، كقاعدة عامة، هذا عالم فقير وقاسٍ ما بعد نهاية العالم، حيث تتعايش جزر التكنولوجيا العالية مع المناطق الوحشية. هذا تقسيم لا غنى عنه "المختارون وطبقة المنبوذين"، والتي حددها هربرت ويلز HG Wells.

هذا هو تقليد العالم الذي حاولت روسيا أن تندمج فيه، مجتمع الدول المتحضرة، كما في المسلسل الإنجليزي عن حياة البلد، حيث يتم تصنيف أي وافد جديد على الفور: سواء كان سيداً أم خادماً، هذا "النهج الطبقي" الصارم الذي اكتشفه الروس أنه ليس سوى شعارات متفائلة فقط حيث يعيش البيض مع السود، والأصحاء مع المعاقين بشكل متساو، إلخ.                                              

روسيا أرادت المساواة بالفعل لكن المساواة ممكنة عندما يكون لكل فرد حقوق متساوية، حيث لا توجد شعوب من الدرجة الأولى والثانية، فإن طلب تناول وجبة مع السادة أمر مهين مثل قضاء الوقت بصحبة الخدم. ومع ذلك، فإن العالم الغربي يتضمن بشكل عضوي عدم المساواة، وهذا التفاوت متوقع في المستقبل. نشاهد أفلامهم ونقرأ كتبهم وما زلنا نتساءل كيف يمكن للسياسيين الغربيين أن يقولوا ما يقولون؟

لقد فوجئنا عندما أصر أنتوني بلينكين على أن العالم لا يمكنه الاستغناء عن الدور "التنظيمي" للولايات المتحدة، رغم أنه تحدث عما يقوله أو يفكر به أي رئيس أمريكي بطريقة أو بأخرى بأن الولايات المتحدة يجب أن تحكم العالم. ويتساءل الروس إذا كنا رفضنا هتلر وحاربناه، فلماذا يجب علينا أن نتقبل أوباما أو ترامب أو بايدن أو أي شخص آخر؟

نستمع إلى ما كشف عنه جوزيب بوريل أن أوروبا حديقة، والعالم من حولها غابة، كما نعلم، هناك العديد من القرود البرية، ونحن مندهشون: كيف يمكن أن يقول مثل هذا الشيء العنصري؟ وهذه ليست تخيلاته الشخصية، بل هو باعتقادي أساس النظرة الغربية إلى العالم، لأنه لن تكون هناك حديقة إذا لم يكن هناك سياج، إذا لم يكن هناك محيط وقائي، تتجول خلفه حشود شريرة من المنبوذين والأشرار والعفاريت. السور يفصل الحديقة الآمنة عن العالم الشرير.

الصورة الغربية للمستقبل تطور هذه الأفكار. هذه منافسة شرسة في عالم تندر فيه الموارد، حيث تكون أي وسيلة جيدة، بما في ذلك السرقة والإرهاب، في عالم ضاعت فيه فكرة المصير المشترك للبشرية.

أتذكر ما يعنيه فقدان مصير مشترك في بلد واحد. كان ذلك في أوائل التسعينيات، عندما كان يتساءل المواطنون هنا في روسيا في البداية حول "كيف يمكننا الخروج من الأزمة"، ثم أدركوا أنه لم يعد هناك "نحن" بعد الآن، وأن الجميع الآن لنفسه وأن الجميع يخرج وفقاً للأزمة بطرق مختلفة، يصبح البعض مليارديراً، والبعض الآخر متسولاً، والبعض الآخر يختفي ببساطة من الحياة. يمكن أن يحدث شيء مشابه في جميع أنحاء العالم اليوم، ليس على مستوى الأفراد فقط ولكن على مستوى الحضارات والإمبراطوريات الحديثة.

إن روسيا ليست الدولة الوحيدة التي يمكن لمن يصفون أنفسهم بـ "المختارين" أن يحاولوا حرمانها المستقبل، فقد تمردت روسيا على النظام العالمي الشرير لمصلحة غالبية البشرية، والأغلبية تتابع نتائج هذه المعركة باهتمام. علاوة على ذلك، قد يُترك الإنسان كنوع بيولوجي بلا معنى إن خسرت روسيا المعركة، فالقيم الغربية تروّج لمجتمع الميم بل وتفرض هذه القيم الشيطانية بكل ما تعنيه الكلمة، فالمرأة أصبحت تعلن نفسها رجلاً والرجل امراة، واللوطيون والسحاقيات يعلنون زواجهم بشكل رسمي، والويل كل الويل لمن ينتقد هذه الآفة الخطيرة، حتى الأطفال لم يسلموا من هذا المنعطف الخطير، وإذا ما انتصر الغرب سيكون مستقبل العالم على كف عفريت.

وبالتالي، هناك الكثير على المحك الآن أكثر من رفاهية بلد معين، في عصر وفرة التوقعات المختلفة، تُركنا دون رؤية إيجابية وشاملة للمستقبل بعد أن دخل الغرب الحرب ضد مستقبل روسيا، يعرف بوضوح ما يريد ببساطة، يريدها أن تندثر، وإذا لم تكن قوة مستقلة واعية لمصالحها وتراثها التاريخي، سيقوم الغرب بتفسيم الروس والشعوب الأخرى في روسيا إلى مجموعات عرقية متناحرة مما يمكن له تدميرها من الداخل.

لكني ألاحظ أننا في روسيا نعتمد على مستقبل خلاق، لذلك، بما أننا قبلنا هذا التحدي، سيتعين علينا التفكير بجدية في مستقبل بلدنا لسنوات عديدة قادمة. إذا لم نبنِ الشيوعية لفترة طويلة ولم نعد نريد أن نكون قرود الغرب، فلا يمكننا الاستغناء عن رؤية جديدة للمستقبل.

من الصعب للغاية التفكير في المستقبل الآن، في حين أن اليوم مليء بالمعلومات، ولكن علينا الآن القيام بذلك، نعم يجب عدم ترك روسيا وحدها في هذه المواجهة العالمية لأنه إن هزمت ستكون الهزيمة لكل من يريد أن يعيش على أضه، حسب عاداته وتقاليده دون تدخل من أحد في شؤونه، وأن يمتلك حق سيادته على قرارت حكومتها الاقتصادية والسياسية.. إلخ، نحن هنا في روسيا اتخذنا قرارانا ولن نقبل بغير عالم جديد متعدد الأقطاب والتعامل على قدر واحد من المساواة بين الدول والشعوب.

 

ليفانت - بسام البني

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!