الوضع المظلم
الخميس ٢٦ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • ماذا وراء الصراع الشيعي – الشيعي.. وهل من عقيدة وراء هذا الصراع؟

ماذا وراء الصراع الشيعي – الشيعي.. وهل من عقيدة وراء هذا الصراع؟
د. محمد الموسوي

يحتمل الفقه في الإسلام باب الاجتهاد والافتاء وهو أمرٌ مقبولٌ في جميع المذاهب والاتجاهات لطالما كانت الأصول قائمة مصانة لا مساس بها، ولا مساس بقيم وثوابت الدين فالدين المعاملة، والدين عند الله الإسلام، والإسلام من سلِم الناس من لسانه ويده، ورسالة نبي الإسلام هي تمام مكارم الأخلاق أي الرقي بمكارم الأخلاق إلى أعلى الدرجات، وهنا نحن تكلم عن منظومة قيم رفيعة ترتقي بالإنسان بالفعل ليكون جديراً بأن يكون بمنزلة خليفة لله على مسار الأنبياء والرسل وعباد الله الصالحين المخلصين المصطفين على الأرض، وغير ذلك فلا يحق لأحد بأن يدّعي بأنه خليفة الله على الأرض أو خليفة إمام فالإمامة مرتبة عالية ومنّة إلهية أيضاً.

آل بيت رسول الله عليه وعليهم جميعا أزكى الصلاة والسلام كانوا على صراط الله المستقيم تابعين مخلصين بإحسان لكتاب الله وسُنة المصطفى الكريم وقيم وأخلاق الإسلام وهو الأمر الذي يختلف تماماً مع المدرسة الصفوية التي اساءت للإسلام واستخدمت المذهب الجعفري كوسيلة من أجل السلطة والدنيا فأساءت وألحقت به ما ليس من بنيانه ولا يمكن أن تكون فِعالها  من نهج وسيرة آل بيت النبوة العطرة، وهذا النمط من البدع الصفوية أصبح له وعاظاً للسلاطين ممن يسمونهم برجال الدين وقد أشار إلى ذلك العالمين والفيلسوفين الجليلين غفر الله لهما الدكتور علي الوردي، والدكتور علي شريعتي وكلاهما من الشيعة من الخط الإصلاحي الصادق داخل الطائفة الشيعية وقد وقع عليهما غضب وعاظ السلاطين كثيراً ومات كلاهما مظلومين ولم يكن في أعناقهما ذنباً لأحد أو ديناً لأحد وتركا إرثاً ثورياً إسلامياً اجتماعيا إنسانياً لم يتركه أي من المُدعين برداء الدين، وكان صراعهما مع رجال الدين ومع القطيع المخدر صراعاً من أجل الحقيقة التي تعزز مكانة الدين وتصحح مسارات المجتمع المُغيب بسحر العمامة وعباءة الدين وشيء من العاطفة الموجهة التي ترسّخت مع الأيام حتى أصبحت جزءاً من معالم مدرسة دنيوية لا علاقة لها بالإسلام وقيمه وبقي الصراع قائماً حتى اليوم أحدهما يريد حقيقة الدين ونقائه والثاني يريد تكرار وتكريس نتاج تلك المدرسة ليستمر سلطانها ويستمر حصادها وبالتالي لم يكن كلاً من علي الوردي وعلي شريعتي على وفاق مع المرجعية الدينية ومع السلطة وقد كان كرسي عرش الشاه (شاه إيران) محمياً من قبل تلك المدرسة وكذلك كانت الخلافة على كرسي المرجعية بالموالاة محمية من قبل هذه المدرسة ولا يرتقي هذا الكرسي إلا من وقع عليه القول، وبالتالي أمثال الوردي وشريعتي يشكلان خطراً كبيراً على وعاظ السلطان والسلطان الصفوي ذاته الذي كان شاه إيران وأبوه امتداداً قائماً على هذا الموروث، لذلك لم يكن مرحباً بهما في كلا الدولتين العراق (المرجعية الدينية) وإيران وعاظ السلطان والسلطان نفسه.

لبنان والصراع الشيعي الشيعي

لبنان أيضاً كان جزءاً من الصراع الشيعي الشيعي وقد كان لمدرسة جبل عامل الدينية العريقة السبق الأكبر والأفضلية على مدارس النجف وقم وقد تم ترويضها خاصة بعد ظهور إختراع الحوزة العلمية بالنجف بالعراق وذلك لأنها لم تكن داخل سرب المدرسة الصفوية التي أشرنا إليها ومنذ ذلك التاريخ أصبحت مدرسة جبل عامل تابعة بعد أن كانت رائدة، كما أن هناك صراع قائمٌ في لبنان بين مدرسة الحقيقة وأبنائها الصادقين في انتماءاتهم الوطنية والعقائدية ولا داعم لهم سوى ضمائرهم والأحرار أمثالهم، ومدرسة الادعاء والرجعية التي يقودها نظام ولاية الفقيه والخلاف بين المدرستين عميق عمق الخلاف بين الحق والباطل.

تاريخ الصراع بين شيعة لبنان والازدواجية الشيعية قديم وليس جديد ولكنه ظهر على السطح بفعل عوامل عديدة منها زيادة طغيان قوى الازدواجية الشيعية وزيادة ضغوطها واستغلالها وإفسادها للمجتمع وكذلك بفعل عامل التطور التقني إعلاميا وبدأ افتضاح أمرهم وبدأت مواجهتهم من الشارع الشيعي نفسه في لبنان والعراق وإيران؛ أما قضايا الخلاف مع قوى الازدواجية فلا يوجد خلاف وإنما يوجد رفض كلي وتام لهم وما يمثلونه ويتبعونه من نهج مسيء على الصعيد الديني والمذهبي والأخلاقي والإنساني، ففصيل الازدواجية هذا بات عبئاً كبيراً على المجتمع وقد جعل قطعان الإمعات تتصدر المجتمع وتتحكم فيه ولا مجال لأهل التعقل والاعتدال والدين الحقيقي والقيم وأهل العلم، وبالتالي هنا لا يمكن تسمية الوضع بالخلاف لقد بات المجتمع مجتمعين والدين دينين والمذهب مذهبين، ولكن في كل الأحوال الحق هو المنتصر ولذلك تجدهم أضعف ما يكونوا وبمجرد اختفاء امتيازاتهم ومصدر حياتهم ووجودهم وهو نظام ولاية الفقيه سيتلاشون تماما وستنفض الملايين من حولهم، ومؤسف جدا أن يكون هكذا حال شيعة لبنان بعدما كانوا منابر للعلم والتسامح والاعتدال.

إحدى الصور المأساوية المثيرة للسخرية عن مسألة الخلاف بين العقيدة الحقة والإدعاء في الأوساط الشيعية اللبنانية هي قيام المجلس الشيعي في لبنان بعزل 15 رجل دين ثم تراجع شكليا بعد الاحتجاجات عن هذا القرار حيث أبلغ تيار من خط الإدعاء المجلس برفضه فوعدوه خيراً وهنا لا يبدو المجلس مجلساً دينيا بل مجلساً قبليا مسخراً حسب الطلب؟

بعد قرار عزل 15 رجل دين شيعي حقيقي يمارس أعمالهم منذ سنين طوال دونما أي أعتراض من المجلس الشيعي نفسه ثم التراجع شكليا عن القرار بعدما قتلوا المعزولين قتلاً معنوياً جائراً لا يمكن اعتبار هذا المجلس الشيعي سوى أُلعوبة وأداة سياسية بيد فصائل نظام الملالي إذ لم يكن لقراره علاقة لا بالدين ولا بالعلم وإنما بالسياسة والقصد من القرار هو القضاء على الشيخ ياسر عودة وعلى صوته الذي أوجعهم وأصوات جميع الأسماء الـ 15 رجل دين معه، لكن حماقة قرارهم قد قتلتهم وفضحتهم فـ 15 رجل دين شيعي إلى جانب الشيخ ياسر عودة هو إسقاط لشرعية المجلس وليس إسقاط للشيخ ياسر عودة ومن معه.. وبالتالي عندما أدرك السياسيون خطورة الموقف عليهم دفعوا بعاملهم المجلس إلى التراجع، وهنا الطامة والفضيحة أكبر وهي لماذا إذن قررتم ولماذا تراجعتم أين الشرعية في قراركم؟ التراجع دليل انهزام، وقد كان القرار دليل فضيحة وضعف وتخبط وعدم شرعية المجلس، والاختلاف الأساسي بين رجال الدين هؤلاء وعلى رأسهم الشيخ ياسر عودة مع الازدواجية الشيعية وبشكل عام مع المجلس الشيعي هو الرأي الحر المستقل الصوت الحر المستقل صوت الحق الذي يوجعهم، الصوت الذي كشف الحقائق وعرى الأباطيل والأكاذيب والافتراءات ونهج تشويههم للدين والعقائد والقيم والمجتمعات، وقد بات هذا الصوت مؤثراً حتى فيهم في أوساطهم وبدؤوا يروا التأثير في لبنان والعراق أكثر ومن المؤكد أن له صدى في إيران وإن لم يؤثر فسيترك انطباعات لدى البعض بل وسيلفت انتباه الكثير من العقول المخدرة في الدول التي لملالي إيران نفوذ فيها، الاختلاف كبير ومرعب لهم، وقد كان الخطاب موجه للازدواجية الشيعية والمجلس الشيعي وكباره الذي يأتمر بإمرتهم ومشروع التشويه العقائدي والأخلاقي القائم من قبل الشيخ ياسر عودة لهم صلبا وقاسيا ومتحديا موجهاً رسالة لهم بأنه مستمر ولن يسكت ولن ينقذهم من صوته إلا الموت، واليوم وقد ضعفت هذه الازدواجية الشيعية أكثر مما كانت عليه وبسبب ذلك أصبحت غير قادرة على مواجهة رجال الدين المثقفين، ولم يعد حتى طابورها الأول يهتم بها بقدر اهتمامه بما يحصده منها أو من خلال سطوتها وسلطتها، ولولا عصا الملالي المسلطة على جلودهم لبدؤوا بأكل بعضهم البعض منذ زمن.

اليوم لم يعد الأحرار من المثقفين الشيعة من رجال دين وغيرهم إذ تتضامن معهم أصوات حرة ومنصفة من داخل وخارج لبنان، وعلى الجانب الآخر اعتاد تيار ولاية الفقيه على محاربة أحرار الشيعة في كرامتهم وأرزاقهم ووجودهم بالحياة وقد يصل بهم الحال إلى قتل كل صوت ينطق بالحقيقة وينتقدهم حفاظاً على وجودهم الذي لا يقوم إلا على الخديعة والجريمة، ومن ضحايا هذا التيار تيار ولاية الفقيه الذين سبقوا الشيخ ياسر عودة ورفاقه كان سماحة السيد موسى الصدر الذي أسس هذا المجلس نفسه وجعل منهم أرقاماً فلما اختفى قسريا تخلوا عنه فعليا ولم تبقَ سوى شعاراتهم علماً بأن علاقة نظام ولاية الفقيه كانت في أوج قوتها مع القذافي ولن يتجرأ القذافي على فعل ذلك لولا أن خبِر موقفهم جيداً ومؤكداً أن بعضهم يعلم بحقيقة الأمر ولكنه تستر على ذلك وقد عانت أسرة السيد موسى الصدر من الموقف إلى اليوم، وبعده أتت معاناة المرجع الكبير الشجاع السيد محمد حسين فضل الله الذي قال الحق فتطاولوا عليه وترك لهم الدنيا وانسحب إلى محل الإقامة الجبرية في بيروت تحت الرقابة وللسيد المرجع فضل الله مواقف كثيرة أرعبتهم وهناك شهوداً أحياء يُرزقون على ذلك والتاريخ خيرُ شاهدٍ على ذلك، ثم اضطهادهم لسماحة المرجع السيد علي الأمين الذي قال الحق وسار في نفس مسار مدرسة جبل عامل الأصيل فاضطهدوه وصادروا حقوقه لكنه ما زال علماً شامخاً، والآن الشيخ ياسر عودة وكثيرون من هذه المدرسة، وبالطبع لا عجب ولا غرابة في استبعاد الرآي الآخر وتصفيته في هذه الأوساط التابعة خوفا من انتصاره، فتلك ثقافة ونهج نشأ عليهما نظام الملالي قبلتهم في إيران وأباد وفقهما عشرات الآلاف من خيرة أبناء الشعب الإيراني منهم مجزرة إبادة جماعية لـ 30 ألف سجين سياسي معظمهم من منظمة مجاهدي خلق الإيرانية وتم إعدامهم بفتوى تشكلت على إثرها لجان الموت التي نفذت الإعدامات، وأمام لجان الموت تلك كل من يخضع لمساومتهم ويبايع خميني صاحب الفتوى نجى من الإعدام ومن شر الفتوى وبالتالي تسقط شرعية الفتوى دينياً وتسقط أقنعة الدين المزيفة فهنا لا علاقة للإعدامات بالدين ولا علاقة لما أسموها بالفتوى بالدين بل للأمر علاقة بالسياسة والسلطة والوجود والمنافع والصورة هي نفس الصورة نُقِلت من طهران إلى بيروت إلى بغداد إلى صنعاء إلى دمشق.

أما الصراع الشيعي الشيعي في داخل التيار نفسه فلولا العوامل الخارجية لأكلوا بعضهم بعضاً ذلك لأنهم ليسوا على ثوابت وقيم بل على منافع وشعارات مرحلية تلبي المطالب، والصراع الشيعي الشيعي في العراق أسوأ حالاً وأسوأ مصير، ولولا عصا وسياط الملالي على رقابهم وجلودهم لبقي وجود الادعاء الإسلامي الشيعي في العراق محصوراً في فصيلين لا أكثر فصيلين قابلين كلاهما أو أحدهما للزوال والتلاشي في أقل الظروف السياسية حدة، وهنا يثبت للجميع أنه لا عقيدة وراء هذا هذا الصراع ولا قيم وإنما غاية السلطة هي كل شيء ولأجل السلطة كل الوسائل مباحة حتى تسخير الدين وتشويهه.

الانتفاضة الوطنية الإيرانية الجارية واستعدادات المقاومة الإيرانية المتصاعدة لقلب الطاولة على رؤوس الملالي في أوجها وعلى قدم وساق، وباتت عملية الإطاحة بنظام ولاية الفقيه وسحل الملالي من عمائهم في الشوارع مسألة وقت، وستشهد المنطقة حدثاً تاريخياً كبيراً؛ وبالنتيجة تنتصر القيم والثوابت وينتصر الخير على الشر وتنتصر الشعوب.

ليفانت - د. محمد الموسوي

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!