الوضع المظلم
الجمعة ٢٧ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • د.محمد فرج الله لليفانت نيوز اللندنية: أزمة بوتين مع أوكرانيا ليست سياسية إنما هي حقد على الشعب الأوكراني

د.محمد فرج الله لليفانت نيوز اللندنية: أزمة بوتين مع أوكرانيا ليست سياسية إنما هي حقد على الشعب الأوكراني
د. محمد فرج الله

تتجه الأنظار إلى شرق أوكرانيا هذه الأيام مع تأكيد أوكراني أنّها مستعدة لخوض معركة كبيرة مع الجيش الروسي هناك، حيث تم رصد حشود عسكرية روسية باتجاه المنطقة. تأتي هذه التطورات بعد معلومات عن انسحاب القوات الروسيّة من محيط العاصمة كييف واستعداد الأوروبيين لإعلان الحزمة السادسة من العقوبات التي ستفرض على الاتحاد الروسي، غير أن التكتل الأوروبي ما يزال منقسماً في موضوع حظر واردات النفط والغاز.

أكدت الحكومة الأوكرانية أنه تم العثور على 1200 جثة حول العاصمة كييف بعد الانسحاب الروسي، بعد عدة أسابيع من السيطرة عليها من قبل الجيش الروسي.

من جهة أخرى قال أوليكسي أريستوفيتش، مستشار الرئيس الأوكراني، إن قواتهم مستمرة في السيطرة على شمالي البلاد. وأضاف أريستوفيتش، أن القتال ما يزال مستمراً في مدينة ماريوبول جنوبي البلاد وأن قواتهم تدافع عن المدينة.

وللوقوف على آخر التطورات المتسارعة في أوكرانيا، كان لمكتب ليفانت نيوز اللندنية في القامشلي الحوار التالي مع الأستاذ محمد فرج الله، رئيس تحرير وكالة أوكرانيا بالعربية والخبير في الشؤون الأوكرانية وأوروبا الشرقية.

أوكرانيا مستعدة للتنازل عن طموحها في التوجّه نحو الناتو بشرط أن تكون هناك مجموعة من الدول الضامنة لاستقلال وأمن أوكرانيا

● الغزو الروسي لأوكرانيا في مرحلة ما قبل بوتشا شيء ومرحلة ما بعد بوتشا شيء مختلف تماماً

● الجيش الروسي وصل إلى مرحلة أكل لحوم الكلاب بعد أن سرقوا كل ما يمكن أن يسرقوه من القرويين من بط ودجاج ومواشٍ

● روسيا تبحث عن ماء الوجه لخروج قواتها وأصبحت مقتنعة بأن الخطوة الكبرى، وهي تغيير نظام الحكم في أوكرانيا، أصبحت أمراً مستحيلاً

نص الحوار:

◄لا شك أستاذ محمد أنّ الحرب الروسية على أوكرانيا ستكون مختلفة بعد ما جرى في بوتشا.. هل لديك اعتقاد أن التعاطي الدولي مع روسيا سيكون مختلفاً وأكثر دعماً لأوكرانيا بعد أحداث بوتشا المؤسفة؟

في البداية شكراً لكم ولصحيفتكم المحترمة على هذه الاستضافة. بالنسبة لهذا السؤال، بالطبع الحرب الروسية الأوكرانية في مرحلة ما قبل بوتشا شيء ومرحلة ما بعد بوتشا شيء مختلف تماماً، لماذا؟ لأن الشعوب المتحضرة والعالم الغربي تكون لديهما صدمة كبيرة جداً في حال جرت هناك مذابح ومجازر بحق المدنيين، ومن باب المقارنة نذكر حرب يوغسلافيا والتي أدت إلى تقسيم يوغسلافيا إلى ست دول، حسب ما أذكر، جرائم سلوبودان ميلوشفتش بحق البوسنة والهرسك ومدينة سرايفو وغيرها، كانت شيء وبعد أن وقعت المجازر تغير الموقف الأوروبي تماماً لأن هناك صدمة تضرب الشعوب الغربية وتبدأ بضغط كبير على حكوماتها.

ففي البداية، الحكومات الغربية تفكيرها السياسي البحت عبارة عن عملية حسابات سياسية بأن الدخول في الصراع مع موسكو قد يجر بلدانهم إلى صراعات بعد المجازر، وصلوا إلى قناعة بأن الوضع مختلف فيما يخص أوكرانيا، فبعد المجازر التي وقعت أصبح واضحاً أن أزمة بوتين مع أوكرانيا ليست سياسية، وليست بسبب موضوع الحياد، إنما هي حقد على الشعب الأوكراني ومحاولة إعادة سيناريو 1933 وإبادة الشعب الأوكراني.

كذلك كشفت الوجه الحقيقي للجيش الروسي، سواء أكان جيشاً نظامياً أو غير نظامي، فهو يعكس حالة من هذه الدولة، أي الدول التي تكون فيها قيم عسكرية معينة حتى لو أن القائد أعطى تعليمات للجنود بارتكاب مجازر سيكون الأمر صعباً لأن الجندي لديه قيم معينة وأخلاق، فعندما ينفذ الجنود أفعالاً بشعة، وبالذات في غضون أربعة أسابيع، يعني لم ينقطعوا عن بلدهم سنة أو سنتين، مما يدل على وحشية هذا الجيش، وهذا ما أرعب وصدم الغرب، فلذلك الوضع تغير، والآن التغير واضح، فبعد المجزرة نرى أن سلوفاكيا تمنح أوكرانيا منظومة 300 –S المضادة للصواريخ، رأينا أيضاً دولاً أوروبية، ومنها بولندا، أعطت لأوكرانيا دبابات T-72، وأيضاً بريطانيا منحت كييف صواريخ هاربون المضادة للسفن الحربية، وسنرى الكثير، لذلك مرحلة ما قبل بوتشا شيء وما بعدها شيء آخر.

◄حبذا أستاذ محمد لو تضع القارئ فيما يتباحث فيه الوفد الروسي والأوكراني في المفاوضات المتتالية السابقة.. وهل ترى في هذه المفاوضات أي جدية من الجانب الروسي أو أمل في إنهاء الحرب؟

بالطبع التباحث يجري حول أربع نقاط، روسيا تحاول فرض أمر واقع على أوكرانيا وتريد من أوكرانيا أن تعترف بروسية القرم، والقرم أرض أوكرانية احتلتها روسيا عام 2014، كذلك تريد من أوكرانيا الاعتراف بمناطق أوكرانية في إقليم الدونباس، وأن تتخلى عن سلاحها وإلى الأبد وتصبح دولة منزوعة السلاح، كما تريد أن تفرض على أوكرانيا لغة إضافية، وهي اللغة الروسية، وغير ذلك.. طبعاً هذه المعاني هي عبارة عن السبب الأوكراني، وأوكرانيا تقدم رؤيتها للحل في خمسة بنود. النقطة الأولى فيما يخص موضوع عدم الانحياز، أوكرانياً تقول طالما الناتو لم يقبل عضويتنا فنحن لن نقاتل من أجل الناتو ولكن أوكرانيا مستعدة للتنازل عن طموحها في التوجه نحو الناتو بشرط أن تكون هناك مجموعة من الدول الضامنة لاستقلال وأمن أوكرانيا، ومن هذه الدول دول في مجلس الأمن الدولي، ودول أخرى خارج مجلس الأمن، مثل تركيا وبولندا ودول أخرى، وهذه الدول يجب أن تتخذ قوانين في حال تعرضت أرض أوكرانيا للغزو مجدداً بأن تتحرك جيوشها في فترة لا تزيد عن ثلاثة أيام للدفاع عن أوكرانيا عندها تكون أوكرانيا مستعدة. هذا فيما يخص الضمانات الأمنية التي تطلبها أوكرانيا، فأوكرانيا لديها خبرة وماض مؤلم في موضوع الضمانات. في اتفاقية بودابست لعام 1994 عندما تنازلت أوكرانيا عن ترسانتها النووية، (2000) رأس نووي، مقابل ضمانات أمنية ولم تتحقق الضمانات، وكانت روسيا بين الدول الضامنة ونكثت بهذا الضمانات، هذه النقطة الأولى.

بخصوص النقطة الثانية، فيما يخصّ القرم، أوكرانيا مقترحها أن القرم لن ينتهي موضوعها سريعاً لكنها تقترح أن يتفق الطرفان بأنه لن يتم أي حل عسكري لأزمة القرم وتستمر المفاوضات لمدة خمس عشرة سنة للوصول إلى حل هناك عبر الاستفتاء. أما فيما يخص الدونباس، كذلك أوكرانيا تقترح وضعاً مختلفاً عن الوضع الحالي وتطالب بمواصلة المفاوضات والبدء فيها بشكل حقيقي كالضمانات وغيرها ووقف إطلاق النار وسحب الجيش الروسي إلى حدود الرابع والعشرين من فبراير الماضي، وفيما يخص موضوع الأقليات، فأصلاً أوكرانيا دولة متسامحة ولكن تقول إذا أردتم أن تكون اللغة الروسية لغة رسمية في أوكرانيا فإنّها لا تمانع ذلك، وهذه هي فحوى المفاوضات.

◄ما دلالات انسحاب القوات الروسيّة من محيط العاصمة كييف؟ وهل تشعر القيادة الأوكرانية بأمور أخرى قد دبرت تغير مجرى التطورات الميدانية على الأرض؟

القوات الروسية لم تنسحب من محيط العاصمة كييف، أنا أعتبر أن القوات الروسية أصبحت لديها أزمة كبيرة جداً، ومطوقة بالذات في آربين وتشيرنيهيف ولم تحقق أهدافها، وأصبحت مقتنعة بأنها لن تستطيع دخول العاصمة كييف بعد المقاومة الشرسة التي وجدتها. نعم إنها سيطرت جزئياً على إقليم تشيرنيهيف وإقليم كييف ولكن أي جيش يغزو بلداً، الدخول شيء وأن تبقى وتثبت نفسك شيء آخر، فالشعب الأوكراني يكرههم وكان دائماً يقوم بعمليات لاستنزاف الجيش المتمرد، وكذلك خط الإمداد المتعثر الذي لم تستطع روسيا تأمينه لقواتها، أصبحت أزمة لديها، وأقوال واعترافات الجيش الروسي بأنهم وصلوا إلى مرحلة أكل لحوم الكلاب بعد أن سرقوا كل ما يمكن أن يسرقوه من القرويين من بط ودجاج ومواشٍ وغيرها، وهذا يدل أن روسيا تبحث عن ماء الوجه لخروج قواتها، وأيضاً أصبحت واضحة ومقتنعة بأن الخطوة الكبرى، وهي تغيير نظام الحكم في أوكرانيا، أصبحت أمراً مستحيلاً، لذلك هي تتجه إلى خطوة أو خطة أقل وهي فقط الدونباس، لذلك روسيا سحبت قواتها من إقليم كييف وتشيرنيهيف، أما الجيش الأوكراني فقد كان يلاحقهم، ولاحقهم أيضاً في إقليم سومي.

◄هل من المكن أن تقبل أوكرانيا الطلب الروسي في أن تكون أوكرانيا محايدة بعد الإشارات التي بدأت تظهر بتورّط روسي وخسائر كبيرة في العتاد والأفراد وتوقعات أن تخرج أوكرانيا من هذه الحرب منتصرة؟

أوكرانيا حتى اللحظة ما زالت متمسكة بما قدمته من عرض، فهي فعلاً تقول أنا مستعدة ولكن هذا الوضع الآن، حيث تغيرت ساحة المعارك، فأكرانيا تتلقى الدعم، والروس استمروا في الرفض الآن، فقبل المفاوضات مدينة ماريوبل كانت موجودة، الآن ماريوبل ممسوحة بالكامل، الجيش الروسي دمر مدينة كاملة وإعادة إعمارها تكلف المليارات، وهذا موضوع آخر. أما خسائر الجيش الروسي فتقدر اليوم بجيوش كاملة لبعض الدول، فهناك بعض الدول تعداد جيوشها يكون 18 ألفاً وحوالي 700 دبابة.

وبالمقارنة، بيلاروسيا، الجارة الشمالية لأوكرانيا، وحليفة روسيا، كل قواتها المسلحة تقدر بأربعين ألفاً، يعني الآن خسارة الجيش الروسي نصف الجيش البيلاروسي كلياً، إضافة لنقطة هامة جداً وهي موضوع ليس فقط العتاد، فإعداد العسكريين فيما يخص سلاح الجو والطيران أمر مكلف، فالطيار الواحد يكلف بلاده عشرة ملايين دولار وسبع سنوات من الخبرة وليس الأمر خمسة أيام، فاليوم قتل على أرض أوكرانيا ما لا يقل 110 طيارين روس، نصف الطيارين الروس أسقطوا على أرض أوكرانيا، وهذه خسائر فادحة  لروسيا، وأعتقد أن أوكرانيا بدأت تنتصر لأنّ المعلن كانت روسيا تريد أن تفرض على أوكرانيا أمراً واقعاً وتهزمها وتغير نظام الحكم، وبما أن الهدف الأكبر لروسيا فشل إذاً الطرف المعتدي لم يكسب ولن ينتصر، يبقى الآن ما بعد ذلك الدعم العالمي لأوكرانيا والعقوبات التي أصبحت تدمر الاقتصاد الروسي وما بناه بوتين منذ عشرين عاماً وكان يفتخر به، اليوم يدمر بشهور، هذا طبعاً سيكون له ارتداد كبير جداً على الداخل الروسي، ولن تلتئم الجروح سريعاً، لذلك إذا قبلت روسيا في الوقت الحالي بالعرض المقبول قد يكون الخروج بعقد أو اتفاق لوقف إطلاق النار ثم التفاوض وسيكون هناك نقاط لحفظ ماء الوجه لروسيا ويرضي أوكرانيا، ولكن إذا الأمر استمر ستكون المعادلة مختلفة.

◄كونك قريب من الأحداث وتقيم في العاصمة كييف كيف هي معنويات الناس الباقين في منازلهم؟ وهل لديك إحصائية دقيقة عن أعداد النازحين في الداخل والخارج جراء هذه الحرب؟

معنويات الشعب الأوكراني حالياً في كييف هي نفس معنويات اليوم الأول من الحرب، حضرت بنفسي وشاهدت بأم عيني إحدى نقاط توزيع السلاح على الكثير من المتطوعين في منطقة آبالون عندما كان التقدم سريعاً للجيش الروسي ودخول بعض آلياتهم إلى مشارف كييف التي صدها الجيش الأوكراني، وأصبح هناك خطر بأن العاصمة قد تضيع، لذلك الرجال أقدموا بشكل كبير على التطوع. لو قلت لك بأن مخازن الأسلحة فرغت في التوزيع على المتطوعين وما زال الرجال مصطفين في طوابير وهذا المعنويات العالية أكبر رد، إضافة إلى أن أعداد المتطوعين فاق كل توقع وهذا يكذب مزاعم الروس، فالجيش الأوكراني مدعوم من شعبه ومعنوياته عالية، والجيش الغازي هو مرفوض من الأرض ومرفوض من المستقبلين وأن الجيش الروسي خدع من القيادة قالوا لهم سوف يستقبلكم السكان بالورود وغير ذلك لكنهم رأوا واقعاً مختلفاً تماماً.

العاصمة كييف تعداد سكانها أربعة ملايين نسمة، أعتقد حسب معلوماتي، غادرها تقريباً حوالي مليونين، وبقي فيها ما بين مليون ومليوني مواطن، وما زالوا باقين حالياً، ونحن نتحدث في العاشر من أبريل، الوضع في كييف أصبح أفضل، أنا اليوم غادرت إلى المنطقة الجنوبية في إقليم كييف رأيت طابوراً، حوالي 4 كلم، يصطفون للعودة إلى كييف، فيمكن أن ترى حب الأوكراني للحياة وإعادة الإعمار، لذلك طبعاً النازحون بدؤوا في العودة وحتى الذين غادروا إلى أوروبا يعودون الآن بالدرجة الأولى هم كانوا يخرّجون أسرّهم مثلي أنا إلى مناطق آمنة ويعود الرجال. 

 ليفانت – مكتب القامشلي

حوار: رودوس خليل                     

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!