الوضع المظلم
الجمعة ٢٧ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
مصر تحمي سوريا
منى غانم

شكّل عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي نقطة تحول كبيرة في مستقبل جمهورية مصر العربية، وأيضاً في مستقبل المنطقة العربية كلها، حيث تم إنهاء مشروع هيمنة الإسلام السياسي على دول المنطقة العربية وإعادة التأكيد على أهمية الدولة ومؤسساتها، خاصة مؤسسة الجيش.


لقد عمد مرسي خلال فترة حكمة القصيرة إلى العبث بالقواعد السياسية التي تحكم المنطقة العربية من خلال تغير تموضع مصر الإقليمي، الذي تضبطه قواعد تاريخية واتفاقيات دولية. لقد شكل انتماء مرسي إلي جماعة الإخوان المسلمين أساساً لسياسته الخارجية، مما أوقعه في العديد من المطبات السياسية الدولية والإقليمية، أدت إلى إنهاء حكم الإخوان في مصر بسرعة مفاجئة.


من نافل القول، إن وصول مرسي إلى حكم مصر قد أبهج الرئيس التركي رجب أوردغان، الذي رأى في جماعة الإخوان المسلمين الأداة السياسية الملائمة له لاستعادة أمجاد العثمانيين في العالم العربي وبسط سيطرته على دوله المتعددة. من هنا، فلقد عمل الرجلان على تحقيق تقارب مصري -تركي على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية، داعين إلي إنهاء التنافس بين الدولتين و تعزيز أواصر التعاون.


لم يدرك مرسي أن انتماء رئيس مصر إلى جماعة الإخوان المسلمين غير كاف ليجعل مصر تدور في فلك تركيا، فلمصر تاريخ طويل في التمرد على العثمانيين منذ أيام محمد علي، كما أن لها باع مهم في بناء الجيش وعقيدته، التي شكّلت أساس الدولة المصرية لعقود طويلة، تلك العقيدة التي لا يمكن استبدالها بحال من الأحوال برابط " الجماعة".


تماشياً مع توجهات تركيا، دعم مرسي المعارضة السورية وعمد إلى قطع العلاقات مع دمشق، متناسياً أهمية العلاقة المصرية -السورية وتأثيرها على الأمن القومي المصري. كما قام مرسي بالتقارب مع إيران ضارباً بعرض الحائط العلاقة الاستراتيجية التي تربط مصر بالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات.


أراد مرسي أيضاً تغير دور مصر في الصراع العربي -الإسرائيلي من خلال نيته العمل على انزياح مصر من دور الوسيط إلى دعم حماس تماشياً مع الطموح التركي في استخدام الورقة الفلسطينية لزيادة نفوذ أوردغان في العالم الإسلامي، وتحويل القضية الفلسطينية من قضية عربية إلى قضية إسلامية.


لقد عمل مرسي بجدية على تنفيذ مشروع الإسلام السياسي العابر للحدود والهادف إلى إعادة سيطرة إستانبول على المنطقة العربية تحت مظلة الإسلام السنّي. لم يكن المشروع ليقتصر على القاهرة، ففي نفس الوقت كانت جماعة الإخوان المسلمين السورية تهيمن على قوى المعارضة المسلحة التي كانت تعمل جاهدة على السيطرة على مدينة حلب وباقي مناطق الشمال السوري، كما كانت قوات جيش الإسلام تهدد دمشق بشكل لصيق وجدي.


بسقوط مرسي، عمل الرئيس السيسي على إعادة ترتيب البيت الداخلي المصري وإعادة التوازن إلى علاقات مصر الخارجية خاصة بما يتعلق بعلاقة مصر مع سوريا فبقيت أبواب السفارة المصرية مفتوحة في دمشق، وبقي ملايين السوريين في بيتهم الثاني في القاهرة.


عمد الرئيس المصري على إعادة الاعتبار لمفهوم الدولة في عالم العولمة الذي يسعى لتدمير كل الحدود السياسية لصالح الاقتصاد. ساعدت هجمات داعش على بعض الدول الأوروبية على دفع المجتمع الدولي لإعادة النظر في محددات الصراع السوري، فتم الاتفاق في فينيا في عام 2016 على أهمية الحفاظ على الدولة السورية وجعل هذا الأمر من أهم محددات الحل السياسي في سوريا.


ساهمت المخاوف من أن يكون انهيار الدولة السورية الدمينو الذي يسهل انهيار دول المنطقة الأخرى، في خلق تحالفات جديدة لحل المسألة السورية، فكان هناك العديد من التنسيق بين الدولة المصرية ودولة روسيا بما يتعلق بالحل السياسي في سوريا. كما ساعد هذا الأمر في خلق اصطفافات جديدة بين المعارضة السورية المؤمنة بأهمية الدولة فكانت " منصة القاهرة" و "منصة موسكو" اللتين أصبحتا جزء لا يتجزآ من جسم المعارضة السورية بعد أن كانت تهيمن عليها جماعة الإخوان المسلمين السورية.


لقد ساهم التغير السياسي في مصر في إنقاذ الدولة السورية وإعادة الاعتبار لمفهوم وأهمية الجيوش في المنطقة العربية، الأمر الذي سيساعد في إعادة استقرار كل من مصر وسوريا والحفاظ عليهما. يبدو أن التاريخ يصفي حساباته مع الدول، فتركيا التي كانت أول من اعترض على الوحدة المصرية-السورية في سنة 1958، تعود لتجمع هذين البلدين بشكل غير مباشر في مصير مشترك.


بيد أن الطريق مازال طويلاً للحفاظ وتقوية الدولة السورية، وهي معركة يجب أن تكون معركة كل السوريين و المصريين في آن واحد.


كاتبة سورية


 



 

العلامات

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!