الوضع المظلم
الخميس ٢٦ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
من يحكم العالم؟ (٢).. الإمبريالية والماسونية
كمال اللبواني

مع نشوء الرأسمالية بفعل تطور الصناعة في العصور الحديثة اصطدمت مصالحها بنظام الإقطاع وطبقة النبلاء الحاكمين، وخاضت ضدهم حرباً اقتصادية اجتماعية سياسية طويلة انتهت بتقويض سلطاتهم وتفكيك المجتمعات البطريركية، وقيام الدول الحديثة (مجلس العموم البريطاني) وهكذا صارت طبقة البرجوازية بحاجة لمنظمة تنظم قواها وتخطط أفعالها، فكانت الماسونية كحركة أخوية تضامنية، وتحالف بين كبار الرأسماليين مع رموز النخب الاجتماعية والسياسية والثقافية في المجتمع.

الماسونية هي الحزب الذي يدير تلك المجتمعات الرأسمالية، وهو بحكم الضرورة، عليه أن يقفز فوق الانقسامات الإقطاعية والأهلية التقليدية، التي تجاوزها التحول الرأسمالي، فقد كانت الماسونية النواة الصلبة التي يتشكل المجتمع المدني السياسي الجديد عليها (القومي أو في الدولة الأمة).

لكن سرعان ما توسعت الأسواق القومية الرأسمالية وتجاوزت حدود الدولة القومية، وهنا تناقضت السياسة والثقافة القومية المنغلقة مع مصالح الاقتصاد، لذلك اعتمدت الرأسمالية الفائضة عن حدود دولها أيضاً على الحركة الماسونية كأداة في توسعها خارج الحدود القومية، فتوحدت الحركات الماسونية معاً على أساس أممي، وصارت حركة عالمية عابرة للحدود القومية، وأصبحت هي الحكومة العالمية الفعلية الأولى، ذات الطابع الدولي في العصور الحديثة، وهنا انقسمت الدول لنوعين تبعاً لموقعها من المركز: دول مركزية ودول تابعة، فالسياسة في الدول التابعة والمحكومة من الماسونية أيضاً عليها أن تخدم مصالح دول أخرى قبل مصالحها القومية الخاصة، لم تكن تلك السلطة الماسونية العالمية كافية للسيطرة كأداة استعمارية، لذلك سرعان ما انطلقت جيوش الاستعمار لاحتلال تلك الدول وفرضت التبعية عليها بحجة تطويرها وتحديثها بالتعاون مع ماسونياتها المحلية، وقامت باستعمار العالم وإخضاعه لمصالح برجوازية قومية خاصة بدولة أخرى في المركز كانت قد نمت تدريجياً لتصبح برجوازية عالمية الطابع والنفوذ.

الماسونية إذاً كانت حزب البرجوازية الرأسمالية التي حولت مصالحهم لسياسة تحكم الدول من خلال محافلها وتعاونها مع نخب اجتماعية قادرة على جعل الحكومات وسياساتها متوافقة مع تلك المصالح أساساً، بطريقة يقبل بها المجتمع الحديث الذي تغير في أخلاقياته وطريقة انتظامه وأسلوب حياته.

في بداية القرن العشرين أحكمت الماسونية العالمية، الحزب والممثل الشرعي للرأسمالية الإمبريالية، سيطرتها على اقتصادات العالم، وحكمت جيوش الدول الاستعمارية الأهم، بريطانيا وفرنسا، معظم المعمورة خدمة لها، حارمة ألمانيا وروسيا وإيطاليا واليابان من حصصهم، وهو ما سيتسبب بحرب عالمية ثانية بعد جيلين فقط، فالحركة الماسونية كانت أداة الرأسمالية في حربها مع الإقطاع، ثم أداتها في التحكم بالدول التابعة والمنتدبة، وسبباً في الحرب العالمية الثانية، التي اضطرتها أن تعطى الدول المستعمرة استقلالها عندما اشترطت أمريكا ذلك لدخول الحرب ضد ألمانيا، لتستمر تبعية الدول الضعيفة بقوى الماسونية المتحالفة مع النظم المحلية وبقوة الجيوش الوطنية التي نابت في إخضاع شعوبها عن جيوش الانتداب، أي بطرق مختفية تحت استقلال مزعوم، فأصبحت هي من تحكم وترعى مصالح الرأسمالية العالمية في دول العالم الثالث، وهي من تقيم السلطات وتخلعها، وهي من تنسق مصالح الرأسمالية العالمية بشكل متوازن.
 

ليفانت - كمال اللبواني

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!