الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
من يدعم من.. الشعب أم الحكومات؟
باسل كويفي

منطقتنا الأوسطية بمعظم بلدانها (عدا الخليجية)، الشعب في الواقع هو من يقدم دعماً للدولة لا العكس، فعندما تتحدث الحكومات عن سعر الخبز والخدمات، يجب أن تتحدث عن رواتب العاملين لديها من عمال وأطباء ومهندسين وأساتذة جامعات وموظفين وغيرهم.


وكما تقارن الحكومات سعر الطاقة بالسعر العالمي، عليها مقارنة الرواتب المحلية بالرواتب العالمية لمعرفة من يدعم الدولة والخزينة، وبالتأكيد نستنتج أن الشعب هو الداعم لذلك فالتجربة والمنطق والعلم يتطابق مع سياسات التغيير المرهونة بالإرادة السياسية والإدارة الحقيقية للتغلب على الأزمات التي تنعكس سلباً على تقدم الشعوب ويجني ثمارها حفنة من المستفيدين الفاسدين.


لقد لحظت دراسات ومستخلصات واقعية في العديد من البلدان، بضرورة تغيير المعايير الاجتماعية - الاقتصادية لإنعاش المواطن والنهوض بدلاً من الإحباط والركود الذي أوصلنا إلى حالة كوما (ستاتيكو) سياسية مجتمعية- اقتصادية- ثقافية.


علينا السعي نحو سياسات اقتصادية أكثر انفتاحاً تحقق حياة كريمة للمواطنين بالتوازي مع الرعاية والحماية الاجتماعية للفئات الأكثر عوزاً بما يحقق المساواة عبر الدعم المالي أو المادي بدلاً عن الدعم السلعي الذي تذهب معظم فوائده إلى السوق السوداء وجيوب المحتكرين.


الوطنية الحقيقية هي نقيض ‏التبعية التي تهدف لإرضاء دولة ما بالولاء أكثر من البلد الذي أنارت أبصارنا فيه ووارى الثرى أجدادنا فيه.


الصور من الجزائر مرعبة.. حرائق تركيا واليونان وقبرص ولبنان.. جميعها تؤكّد بأنّ التغيّر المناخي لن يرأف بنا.. وما زلنا نهدر الطاقة وتستهتر حكوماتنا في الاستعداد له.


العديد من المناطق المنكوبة (منطقة كوارث) في منطقتنا الأوسطية، لا تحظى بالاهتمام المطلوب للتعافي المبكر، (هذا مصطلح يطلق على أي منطقة جغرافية متضررة ضرراً بالغاً نتيجة إصابتها بكارثة طبيعية، مثل إعصار أو زلزال أو فيضان أو غيرها.. كما يمكن أن تصنف منطقة ما على أنها منطقة منكوبة بعد حادث بشري أو اجتماعي، مثل حرب أو أعمال شغب أو عمليات قتل جماعي).


قطع الجزائر لعلاقاتها الدبلوماسية مع المغرب أمر مؤسف، كيف لجارين بينهما كل هذا المشترك من تاريخ وجغرافيا ومصالح اقتصادية وعضوية في نظام إقليمي أن يخفقا في حل مشكلاتهما على مدار عقود، لعدم توفر إرادة كافية للبلدين لإنهاء حقبة من خلاف مزمن.


الأمن الغذائي، يساهم في الاستقرار والأمن المجتمعي في المناطق المكتظة بالسكان، من بين 113 دولة، تأتي سوريا في المرتبة 103 على مستوى الأمن الغذائي في عام 2020. وفق مؤشر الأمن الغذائي العالمي GFSI الذي يقيسه بتركيب مجموعة كبيرة من المؤشرات في ٤ تصنيفات: إتاحة الغذاء، وتوفره، نوعيته وأمانه، وأخيراً المؤشر المرتبط بالموارد الطبيعية والقدرة على التجاوب مع الكوارث.


من هذه المؤشرات والكوارث أطلقنا مبادرات وأبحاث حول أساليب تحقيق الأمن الغذائي، وهذا يتطلب تحفيز ومساعدة قيام المشاريع الصغيرة والمتوسطة وعلى الأخص زراعياً وصناعياً، مع الإشارة إلى أن الأمن الغذائي مرتبط بتحقيق الأمن المائي والاستقرار والسلام المستدام، وبالتالي فهو بحاجة إلى سياسات أكثر مرونة وتطور على الصعيد الإداري والمالي والمصرفي والخدمات والبنية التحتية، ويتواءم مع اللامركزية الإدارية وخصوصية المناطق.


علينا المبادرة نحو حياة كريمة لتطوير القرى لأنها المناطق الأكثر حرمانًا لفترات طويلة من الخدمات، لن تتم التنمية بدون تمكين اقتصادي اجتماعي، وتقع المسؤولية على عاتق الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتوفير فرص عمل للمواطنين والحد من الهجرة إلى المدن، وإيقاف توريث الفقر حيث العلاقة طرديّة بين الفقر والجهل والتخلف من جهة وتواضع برامج التنمية الشاملة المستدامة، واقرار برامج إقليمية للحد من العشوائيات لسكن كريم، وإقامة ميزان العدل والعدالة والمساواة بعيداً عن الظلم والتمييز لرأب التصدعات الاجتماعية.


من زاوية أخرى، بات من المعروف عالمياً أن أضراراً صحية واجتماعية تنجم عن الزراعة بسبب استخدام الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية والعشبية، وخاصة الجهازية منها، إضافة إلى تلوث (الماء والهواء والتراب) من جراء كثرة الانبعاثات الغازية والأمطار الحمضية، مع ما يتبعها من صناعات تزيد من خطورة الموقف.. مع ما يرافقه من الخلل في المناخ العالمي والتحذيرات الأممية بازدياده سوءاً إذا لم نبادر بعمل جماعي إنساني عالمي للحد منه وانعكاسه سلباً على الأمن الغذائي.


المزيد من الإجراءات مطلوبة لمواجهة أزمة المناخ العالمية من أجل مجتمعات قوية ومستدامة تساعد على بناء السلام والأمن والاستقرار المجتمعي والعالمي.


من الدروس المبكرة بخصوص الديمقراطية أنها تساهم في إنعاش المجتمع والدولة حين تحدث في أمة تشكلت أساساتها الثقافية ومحدداتها القانونية (المواطنة، المساواة…)، بدون ذلك تتحول إلى أداة تساهم في زيادة تمزيق المجتمعات.


الإسلام السياسي في المنطقة شهد هزات عنيفة ‏بين / 25 / Jul / 2021 في ‫تونس ثم‬ 15/ Aug / 2021 في ‫أفغانستان، أسابيع قليلة استوجبت إعادة النظر بسياسات الإسلاميين من مختلف المدارس وشتى البلدان ودفعتهم للمراجعة واستخلاص الدروس والتنعم بالسلطة واستئثارها، الأمر الذي سيكون له الأثر الكبير على أمن المنطقة والإقليم واستقراره وبالتالي على العالم وأمانه.


إدراكنا أن هناك ارتباط وترابط بين الحل العام بالمنطقة الأوسطية والحلول الأصغر التي تؤمن الاستقرار والسلام على مستوى البلدان محلياً، يستدعينا التدقيق في المقاربات المنعكسة من تطورات دراماتيكية وسريعة للفوضى الخلاّقة التي زرعها الغرب في شعوب المنطقة وسياسات قضم الشعوب والجغرافيا والتاريخ والحضارة عبر صراعات محلية داخلية وإقليمية وتنافس دولي رقيب (مراقب) لانهيار المنظومات المتعددة، وأهمها السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، التي من شأنها ترسيخ الانقسامات بشكل أكبر، كتأثير الانسحاب الأمريكي من أفغانستان على السياسات الأمريكية في آسيا والشرق الأوسط والعالم، حيث برزت مواقف تثير الدهشة في الانقسام بين الشعوب والأنظمة بلغة حادة فيما يتعلق بطالبان.


مرحلة جديدة تُدار بقواعد جديدة، لمعرفة وقراءة الاستراتيجية الأمريكية التي حددتها الإدارة الأمريكية منذ عهد أوباما واستمرت لعهد ترامب ويتم تنفيذها في عهد بايدن تتلخص بسحب الجيوش والقوات الأمريكية من مختلف أنحاء العالم، والإبقاء على التفوق العسكري في الفضاء والجو وتمرير السياسات الأمريكية على المدى المتوسط والاستراتيجي (بشكل تراكمي وليس على عجل) بسلاسة عبر أنظمة حكم تتوافق مع الرؤية الأمريكية، سواء بالرضوخ أم بالانزياح عبر الإزعاج والضغوطات المختلفة الأشكال والصور، وتندرج هذه الاستراتيجية في الصراع الجيوسياسي على الشرق الأوسط وبحر الصين وإيران وروسيا والبلدان المجاورة لأفغانستان والنزاعات الاقتصادية بين الدول السبع ودول البريكس.


في ‏بيان مشترك بعد الاجتماع الطارئ لزعماء مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي برئاسة بوريس جونسون في لندن يوم 24/ Aug 2021. لبحث الوضع في ‫أفغانستان‬. دعا البيان "إلى الهدوء وضبط النفس لضمان سلامة وأمن المواطنين الأفغان والدوليين، ومنع وقوع أزمة إنسانية، والتقيد بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق النساء والفتيات والأقليات، كما حثّ على العمل معاً ومع الحلفاء ومع دول المنطقة، من خلال الأمم المتحدة ومجموعة العشرين على نطاق أوسع، لحشد المجتمع الدولي لمعالجة المسائل الصعبة التي تواجه أفغانستان. وبينما نفعل ذلك، سنحكم على الأطراف الأفغانية من خلال أفعالها وليس أقوالها. ونؤكد مجدداً، على نحو خاص، أن طالبان ستتحمّل مسؤولية ما تقوم به في منعها للإرهاب، والسعي لتحقيق تسوية سياسية شاملة في أفغانستان. إن شرعية أي حكومة في المستقبل تعتمد على النهج الذي تتبناه الآن للوفاء بالتزاماتها الدولية وتعهداتها بضمان استقرار أفغانستان".


في المقابل، وخلال اجتماع مجلس الأمن بخصوص سوريا، بنفس التاريخ، وحضور المبعوث الدولي الخاص، بيدرسون، وتصريح مستشار الرئيس الروسي، لافرانتيف، حول عقد اللجنة الدستورية في جنيف خلال الفترة القريبة، قالت مندوبة أمريكا لدى مجلس الأمن السفيرة ليندا توماس 24 آب/ أغسطس 2021 "بعد مضي أكثر من عقد من الصراع، نحتاج إلى التوصل لحل سلمي وإنهاء هذه الحرب. لذلك تظل الولايات المتحدة ملتزمة بالقرار 2254، فهو يوفر الطريق الوحيد القابل للتطبيق للتوصل إلى حل سياسي للصراع السوري. وندعو النظام السوري إلى الالتزام بوقف إطلاق النار على مستوى البلاد وتنفيذ تدابير بناء الثقة والمشاركة الكاملة في العملية السياسية. وندعو هذا المجلس إلى البناء على الإجماع الذي توصلنا إليه مؤخراً بشأن المساعدة عبر الحدود وتوسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية والمساعدة في إيصال المساعدات إلى من هم في أمس الحاجة إليها".


في نفس السياق تأتي تصريحات السفير رمزي رمزي، نائب المبعوث الدولي ديميستورا سابقاً، "رغم أن السنوات العشر الماضية أثبتت أن الأزمة السورية من أكثر الأزمات استعصاءً على الحل، فإن التوصل إلى تسوية ليست مستحيلة إذا توفرت الإرادة السياسية للتحرك على مسارين؛ الأول على المستوى الداخلي لإيجاد كتلة حرجة من السوريين داعمة لإجراء تغيير منظم، والثاني على المستوى الخارجي لمعالجة مسألة التدخلات العسكرية الأجنبية، ولا سيما من قبل كل من إيران وإسرائيل وتركيا. المسار الداخلي ينطلق من التنفيذ الخلاق لقرار مجلس الأمن 2254، الأمر الذي يتطلب معالجة مسألتين أساسيتين تم حتى الآن تجنبهما في العملية السياسية؛ الأولى تحديد الإصلاحات السياسية والاقتصادية المطلوبة لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 مع ربطها بعملية إعادة البناء وصولاً إلى انتخابات حرة ونزيهة، والثانية تحديد مفهوم الانتقال السياسي".


من طرف آخر، يعمل السوريون بإصرار حالياً على استنباط خارطة طريق للحل السياسي في سوريا بأيد سورية، وفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة والتي تحظى بتوافق دولي وبعيداً عن التدخلات الخارجية قدر الإمكان، ومن هذا السعي تم عقد مؤتمر "المؤتمر الوطني السوري" في جنيف، الأسبوع الفائت، وسيتم عقد مؤتمر في دمشق للأحزاب المرخصة هذا الأسبوع، مع إمكانية عقد مؤتمر للقوى الوطنية (الجبهة الوطنية الديموقراطية) الأسبوع القادم.


أعتقد أن عقد هذه المؤتمرات قد يكون بداية لعقد مؤتمر سوري جامع بمشاركة السلطة في دمشق للحوار والتفاوض ووضع خارطة طريق حقيقية واقعية قابلة للتنفيذ وتحقيق تشاركية سياسية مرنة تعيد إنتاج الدولة السورية الحديثة.


هل سمعتم بقصة انتحار قبيلة من شعب الخوسا بجنوب إفريقيا؟ ناضل الخوسا ضد المستعمرين البيض بين 1770 ونهاية القرن 19. لكن فتاة منهم تلقت يوماً "نبوءة" تقول إن شعبها سيتغلب على البيض في 11 أغسطس 1856 بشرط أن يحرق محاصيله ويقتل ماشيته، فنفذوا ذلك وماتوا جوعاً وأخذ البيض أراضيهم على طبق من فضة.


أمر عجيب لكنه ليس غريباً في زمن اللامعقول.. مسرح الواقع المجنون  اللاواقعية، إنها السخرية والملهاة والمأساة في وقت واحد.


لا ثقافة بلا نقد، الثقافة ليست تبرير السائد، وتمرير الموجود، هي حاجة وجودية لاستمرار الحياة بدلاً من الانتحار واعتماد تكهنات المنجمين وضاربي الودع وقارئي الكف والفناجين بأحلام وردية.


علينا الدفع نحو مبادرة "حياة كريمة لتطوير القرى" لأنها المناطق الأكثر حرمانًا لفترات طويلة من الخدمات، لن تتم التنمية بدون تمكين اقتصادي اجتماعي، والمسؤولية تقع على عاتق الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتوفير فرص عمل للمواطنين والحد من الهجرة إلى المدن، وإيقاف توريث الفقر، حيث العلاقة طرديّة بين الفقر والجهل والتخلف والتنمية.


كيف نُخبر البحر أننا على اليابسة نغرق؟


المخلصون لا يملكون إلا رؤى قد تكون مفيدة، ولكن للأسف يُسيرون في نفق مسدود لا يؤدي إلى ترجمة رؤاهم بواقعية. حتى الأنبياء كانوا يستشيرون أهل الرأي والخبرة من حولهم، فيما لا وحي فيه. قد تكون أحلامُنا سقطت في بئر يُوسف، لكننا على ثقة أن قافلة العزيز سوفَ تأتي.


باسل كويفي

 

ليفانت - باسل كويفي

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!