الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
نتألم ولا نتكلم
معراج أحمد معراج الندوي (1)

الألم جزء من حياة الانسان وشقائه، ولا مفر منه سوى تقبل وجوده، وعدم مقاومته بل منحه الوقت ليمر ويتلاشى بسلام. فمقاومة كل تجربة ألم أو منع الإحساس بها، تسبب زيادة في معاناة الانسان، فمنذ وجد الإنسان وهو یعاني أزمة الحیاة ویدرك ما فيها من خیر وشّر وسرور وحزن. إن شعور الإنسان بالألم والحزن ظلّ رفيقه في الحیاة وهذه الآلام تکون لفقد عزیز أو أمنیّة أو نعمة أو تکون لحرمانٍ مما یحب ویرید في الحیاة.

يحرص الإنسان بطبيعته على اللذة والمتعة والسعادة ويبتعد كذلك بطبيعته عن الألم والأذى والمعاناة. فالإنسان مقود باللذة ومدفوع بالألم. الألم هو إحساس سيئ مرتبط بحدوث ضرر واقع أو محتمل لأحد أنسجة الجسم والذي قد يحدث نتيجة سبب مادي أو نفسي.

إن الألم رغم ما يحمله من سلبية إلا أنه يلعب أدواراً إيجابية عدة منها أنه لولا وجوده لما ميزنا اللذة فوجودها مشروطة بوجوده، بل إن وجوده هو ما يدفعنا إلى تجنبه وتحصيل اللذة، والألم هو الذي يحركنا ويوجه نشاطنا ويشغل تفكيرنا.

الألم يعلمنا درساً في الحياة، فيجلو بصائرنا ويغيِّر قناعاتنا، ولولا نعمة الألم لما عرفنا نعمة الأمل، لألم له دور كبير في صقل المشاعر وتعميق البعد الإنساني، ومن لا يعرف الألم لا يدرك خفايا النفس ولا يحيط بجوانب الحياة، الألم هو ما يجعل لأمل معنى، ولا يوجد معنى للأشياء بعيداً عن وعى الإنسان المُدرك للطبيعة التي تقذف بمشاهدها في المشهد الوجودي بدون أن يكون لها أي مدلول أو معنى.

عندما نتكلم عن اللذة والألم فهي تعني كل درجات وأطياف المشاعر الإنسانية المريحة والمزعجة، فاللذة تبدأ بالارتياح والسلام والأمان لترتفع إلى درجات النشوة وكذلك الألم يبدأ بالخوف والقلق والارتباك ليرتفع إلى أعلى مستويات الإيذاء والوجع .

يشير الألم إلى عمق الإنسان في ذاته. يتألم الإنسان ويغترب عن ذاته ليعود إلى ذاته، ويتألم من ذاته ليدرك ذاته. فالألم ينتج عن رؤية الإنسان لذاته في مرآة ذاته. حينما الإنسان يشاهد مأساة الإنسان فيتألم. وبألمه هذا، يشعر مع الإنسان ويريد احتضانه ومعانقته، ويريد العودة به إلى نطاق الحقيقة، إلى المحبة، ويتألم الإنسان لأجل الإنسان، إنه يتألم من أجل نفسه، على نفسه، لإنقاذ نفسه، أي الإنسان، ذلك لأن الإنسان يرى نفسه في كل إنسان، فيشعر مع الإنسانية جمعاء.

الألم هو السير من أجل تحقيق إنسانية الإنسان، لأن الألم هو المحرك الذي يرفع الإنسان في درجات إنسانيَّته ليصل إلى روحانيته، فلا يتألم إلا العظيم، ولا يشعر بالألم إلا صاحب الشعور الإنساني العظيم.

ليفانت - الدكتور معراج أحمد معراج الندوي

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!