الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
هل اقتربت
احمد طلب الناصر

أحمد طلب الناصر


تدرك الولايات المتحدة الأمريكية جيداً، مع حلفائها، بأن زمن الحروب التقليدية المباشرة قد ولّى إلى الأبد، ومهما استمرت الانتصارات العسكرية، المقرونة بسيطرة الأطراف المنتصرة على مناطق الصراع، فلن تتوقف الحرب مطلقاً إلا بانسحاب الطرف الدخيل أو بفناء أحد الطرفين المتنازعين.

الأمريكان وعوا هذه الحقيقة إبان تجربتهم في فيتنام، وحرصوا على عدم تكرارها خلال حكم جورج بوش الابن في تجربتي أفغانستان والعراق.


ومن السذاجة التسليم بأن حادثة 11 أيلول/ سبتمبر استفزّت الجمهوريين، بليلة وضحاها، ودفعتهم لضرب تنظيم القاعدة والسيطرة على أفغانستان انتقاماً لضحايا برجي التجارة في نيويورك.

فوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) امتلكتا كافة ملفات خلايا وعناصر تنظيم القاعدة، وأسلحتهم، ومناطق توزّعهم، منذ حربهم ضد السوفييت وإخراجهم من أفغانستان، بدعم كامل من أمريكا التي أمدّتهم بصواريخ "ستينغر" المضادة للطائرات، تلك الصواريخ التي لم يقدّمها الأمريكان لأي تنظيم أو فصيل آخر يحارب تحت إمرتها.




وتختلف المسألة بالنسبة لتجربة العراق. فبعد انتهاء حرب الخليج الأولى ضد نظام الخميني في 1988، والتي رغبت أمريكا من خلالها إضعاف الجانبين العراقي والإيراني، خرج الجيش العراقي منهكاً، ولكنه ليس مهزوماً في نظر شعبه، ومنتصراً في نظر نظام صدام حسين والإعلام العراقي؛ ومحافظاً على علاقته مع المحيط العربي وخصوصاً دول الخليج.




وبصرف النظر عن دوافع وأسباب احتلال صدام للكويت في مطلع آب/ أغسطس 1990، إلا أنها شكّلت الفرصة الذهبية للأمريكان هذه المرّة لتنفيذ خطتها في السيطرة على العراق. وتحقق ذلك عبر:

1- قطع دول الخليج ومصر العلاقة مع صدام، والطلب من أمريكا التدخل لإنهاء الغزو.

2- تأليب المجتمع الدولي ضد العراق ونظامه.

3- تطبيق الحصار الاقتصادي الخانق على العراق بالتزامن مع فرض دخول المفتشين الدوليين وتطبيق اتفاقية النفط مقابل الغذاء.

4- رصد كامل السلاح العراقي وتدمير أسلحة التدمير الشامل.




كل ذلك أدّى إلى تذمّر الداخل العراقي وسخطه على نظام صدام شيئاً فشيئاً بانتظار فرصة الخلاص، بالتزامن مع نشاط المخابرات المركزية بتهيئة المعارضة العراقية وتأمينها كبديل مستقبلي.

وبقي أمام الأمريكان عقدة وحيدة تتمثل في ولاء الجيش المطلق لصدام، وقد تمرّس في حربي الخليج الأولى والثانية وامتهن الحروب.

فبقيت أمريكا تعدّ العدّة قرابة 12 عاماً حتى شعرت في نهاية الأمر بأن الشروط مواتية لإعلان ساعة الصفر، فأعلنها بوش فجر التاسع عشر من آذار/ مارس 2003، وتمكّن من دخول العاصمة بغداد بدبابتين فقط، وسقط النظام!




والسؤال الآن: هل كانت أمريكا عاجزة عن غزو العراق بعد إخراج جيشها من الكويت عام 1991؟

بالطبع كانت قادرة، بل وبمساندة غالبية الجيوش العربية ودول الغرب المشاركة في (الناتو)، أو بصورة منفصلة، لكنها لو أقدمت على ذلك لخسرت 10 أضعاف ما خسرته في فيتنام، ولربما استمرت الحرب بين الطرفين حتى الساعة.




فالأمريكان يعون جيداً حقيقة التحشيد الشعبي والتجييش ضد "العدو الغاصب والشيطان الأكبر" وفعاليته في الخطاب الشعبوي المتغلغل في صميم الأنظمة العسكرية والاستبدادية عموماً. ولذلك سعى إلى تفكيك وانتزاع تأثيره العصبوي الداخلي قبل الغزو الخارجي.




هذا تماماً ما تفعله أمريكا اليوم مع نظام الملالي في إيران، ونظام إيران يعلم ذلك أيضاً، وبالتالي نراه يحاول بشتّى الوسائل جرّ الولايات المتحدة الأمريكية إلى حربه من خلال افتعال المشاكل واستفزاز الأمريكيين وحلفاء الأمريكيين بعد أن استطاعت أمريكا جر النظام الإيراني إلى التوغّل بالمستنقع السوري واليمني بعد أن غاصت في العراق.




الاعتداء على ناقلات النفط العربية والأجنبية في الخليج العربي فشلت إيران باستغلاله لجر الأمريكان إلى الحرب، فقررت ضرب أمريكا نفسها حين أسقطت طائرة التجسس المسيّرة (غلوبال هوك) فوق مياه الخليج أيضاً، وفشلت إيران كذلك في جر الأمريكان، على الرغم من أهمية الطائرة بالنسبة للأخيرين ولترامب بصورة خاصة كونها الطائرة الأغلى في العالم.




حالة برودة الأعصاب الأمريكية تقض مضاجع نظام إيران اليوم، فالوقت الذي يمضي بالتوازي مع الحصار المفروض عليها، وزيادة الاحتقان الداخلي ضدها نتيجة تدهور الاقتصاد وتدنّي سعر العملة المحليّة، بالإضافة إلى الضربات الموجعة التي تتلقاها ميليشياتها وفيالقها في سوريا، مراراً وتكراراً، من قبل الطيران الإسرائيلي، ودخول نقاط تجمّع الحشد الشعبي في العراق مؤخراً ضمن المناطق المستهدفة من قبل التحالف.




ولا نبالغ إذا قلنا بأن أشدّ ما يقلق نظام الملالي في هذه الساعات يتمثّل في نجاح المساعي الفرنسية لعقد لقاء بين روحاني وترامب، ومن يتابع الخطابات المتشنّجة لروحاني والرافضة لذلك اللقاء مشترطاً اعتراف ترامب بما تم الاتفاق عليه مع سلفه أوباما، سيدرك تماماً ما نقصده من حديثنا.

النظام الإيراني اليوم يبحث عن مخرج ينقذه من السقوط، والمخرج الوحيد بنظره يتجسّد بالحرب المباشرة والمفتوحة مع أمريكا ولا شيء سواها، ولا نظنّ بأن أمريكا بذلك الغباء الذي يدفعها لإطلاق رصاصة باتجاه الأراضي الإيرانية، إلى أن تحين ساعة "سقوط طهران".


هل اقتربت "ليلة سقوط طهران"؟ هل اقتربت "ليلة سقوط طهران"؟

العلامات

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!