-
هل مابعد الأزمة من انفراج؟
(يستطيع الكذب أن يدور حول الأرض في انتظار أن تلبس الحقيقة حذاءها) مارك توين. مابعد الأزمة
هذا أوان الشد فاشتدي زيم، ليس بعد هذه الشدة من شدة، وليس بعد هذا الموت من موت، مات من مات وهامَ من هامَ، لايلوي على شيء ولايدري الى أين الرحيل، تقطعت به الأسباب وليس هو بالباحث عن طعام وشراب.
ذاك الوطن لايساويه وطن آخر، تلك الديار لاتشبهها ديار أخرى، أيُّ خرابٍ بعد هذا الخراب، وأيُّ ضياع بعد هذا الضياع، وأيُّ موت يساوي حياة من يحلم بتراب يُطمر على جسده الميت؟ تراب وطنه الممزوج برائحة من تراب ودم يَضُوع في حشرجة أنفاس الموت فيجعلها زغاريد سعادة يشتهيها.
أَلا أين المحامون؟
يتخبط العالم عاجزاً أمام عدو غير مرئي، تتهاوى حكومات كانت تعتد بنفسها قبل أيام من قدوم ذلك الزائر القاتل الذي تسلل إلى أحشائهم في أنفاس يتنفسونها، لا عبق عطور فرنسا باتت تنعش الصدور، ولا حدائق لندن باتت متنفساً للصدور، لاأبراج نيويورك ولا شواطئ ميلانو، لاشيء ولا مكان ولازمان يحول بين هذا العدو الشاهر سيفه، ألغارزه في أي صدر يريد؟.
وأولئك الذين في المخيمات، الذين يَسِفُّون التراب في كل صباح ومساء، المشردون في أصقاع الارض، المطرودون من رحمة ملوك الأرض وحكامها، المباعون -رغماً- في مزادات شهوات الآخرين، الصابرون على البلوى، الكاظمون الغيظ والحزن، ترى على ماذا يلوون؟،وممَّ يخافون؟.
يخاف الإنسان من الموت، والموت أصبح خبزهم اليومي، معاشهم وممارستهم، هل يخافون موتاً آخر لم يجربوه؟. مابعد الأزمة
لازالت اقدامهم تدوس الارض، تبحث عن طريق واحدة تقودهم إلى وطنهم، وطنهم الذي يعشب ثراه في كل موسم يهطل فيه المطر ليس بعد هذا المطر من مطر، وسينبت العشب الذي به يحلمون.
ذلك الموت الأصفر الذي سمعوا عنه في قصص الأولين يجتاح العالم ، يدك قصور حكامهم، يتنفس في مخادعهم فيرتجفون ذعراً وهلعاً، أين منظومات دفاعكم، أين صواريخكم وطائراتكم التي أرسلتموها لتفتك بأرض بلادي؟.
أماّ أنا السوري فلا موت يخيفني ولا أبحث عن شيء منه يقيني، أنا لا املك الا عزمي ويقيني.
ها أنا ذا أهزأ بالموت الذي منه ترتجفون، وسأستعيد وطني الذي به أحلم، سأعمره بأضلعي جسوراً، فترابه من دمي، وأشجاره شيء من فلذات كبدي.
هذا أوانُ الشدِّ فاشتدي زِيَـمْ
قد لفَّها الليل بسوّاق حُطَمْ
ليس براعي إبلٍ ولا غنم
لا بدَّ مما ليس منه بُـدُّ
يرجزُ الأعرابي بما رجزَ به الحجاج متحدياً الموت والهزيمة، يقول لكم السوري ماقاله أحد أجداده، إن هذا الليل الذي أرخيتموه على وطني، هذا الليل أنجب لكم ملايين من سُوّاق الحُطم، تلك البقايا المحطمة منكم سيواجهها ذلك السوري ابن الليل شديد السواد الذي لففتموه به من ظلمكم.
طوال عشر سنين وهو يخاطب مجلس أمنكم، يستغيثكم أنقذوني، أنا السوري الإنسان الذي لايريد سوى أن يعيش مثل أي إنسان آخر في هذا الكون، عشرة سنين تصمّون آذانكم عن نداءاته وتغمضون أعينكم عن أشلاء أطفاله وشيوخه وعن كل عذاباته.
أي مجلس أمن يحفظ أمن العالم وقد أرسلتم أحد أعضائه وأسياده ليقتلنا، ليفتك بشعب كامل ويهجر من نجا من موت صواريخه؟.
لن نركن لكم مرة أخرى، وستجدون أننا ننبت مع العشب بعد المطر، وهذا وعد حقٌ. مابعد الأزمة
الآن تتراخى أياديكم الثقيلة المدججة بصواريخ الموت والدمار، ستتراخى الى درجة أن هذا العالم سيفلت من أيديكم، لعنة الدم السوري الذي أرقتموه ستدمركم حتى في مواقعكم الحصينة، في غرف نومكم، في مصانعكم التي تتحول الى خراب، ظننتم انكم قادرون عليها؟.
قال تعالى: (حتى إذا أَخَذَتِ الأرض زخرفها وازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أهلها أَنَّهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تُغْنَ بالأمس).
كورونا ليست أزمة وتمر، كورونا ستغير العالم، استحقاق سَيُرتّب حقوقاً، حتى وإن صدق أنهم صانعوه فليس بمقدور ذلك الصانع أن يتحكم بمخرجات ماصنع؟.
لن ينجو العالم من آثار كورونا المدمرة، ستشيع الفوضى، سيشيع الفقر، وستكثر الأزمات النفسية وأمراض الاكتئاب والانتحار. إلا السوري فقد مات موتاً عزيزاً، وتراه غير مكترثٍ ولا آبه لهذا الوباء أو غيره، فقط يحارب لاجتثاث الوباء الخبيث الذي استحكم بأرضه طوال خمسة عقود مضت، وسينتصر، حتماً سينتصر.
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!