-
معهد واشنطن يقرّ برعاية ودعم نظام الأسد للإرهاب
في مقدمة مقالته، أظهر السيد "ليفيت" تناقضاً واضحاً عندما تحدّث عن مزاولة تهديد التنظيم للمنظومة الدولية كشبكة إرهابية، إلا أنه استدرك بأنّ خطر التنظيم يُعدّ "جزءاً صغيراً مما كان عليه في السابق".
هذا لا ينفي الخبرة التي يتمتع بها السيد "ليفيت"، من ناحية عملية وعلمية ولغوية، حيث استخدم مصطلحين غالباً ما يتم الخلط بينهما في عالمنا العربي، بسبب انعكاسهما على حالة الأشخاص عند ذكرهما، وهما الخطر والتهديد، فالأول يدل على وجود فرص تؤدي إلى التهديد، والثاني يشير إلى الحذر والإنذار المبكر للعمل على احتوائه.
بالعودة إلى مقال معهد واشنطن، نجد أنّ ما ورد فيها؛ كان قد تناوله في أوقات سابقة خبراء وكتاب سوريون في العديد من مقالاتهم أو ندواتهم، وأكّدوا عليه مراراً وتكراراً بمداخلاتهم التلفزيونية، ليس اجتهاداً منهم فحسب، بل نتيجة لقربهم ومتابعتهم الحثيثة لمجريات الأحداث على الجغرافية السورية وكيفية تبدل السيطرة من وقت لآخر بين القوى المسلحة. وكيف كان ينصب التركيز على محاربة الفصائل الثورية "مقاتلي الحرية" من قبل النظام وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" بين عامي 2014 و2017، لحين تدخل التحالف الدولي للقضاء على التنظيم بعد شراكته اللاتعاقدية مع نظام الأسد في تلك الفترة التي سبقت ذاك التاريخ.
لا يمكن إنكار دور داعش بإعاقة تقدم الجيش الحر في معاركه مع النظام شمال سوريا، إذ لم يكن مقاتلو الفصائل الثورية آنذاك من ذويّ الخبرة في التعامل وصد خطر النظام وتهديد داعش بالوقت نفسه.
في الفترة التي كانت تتعرض فيها أرياف حلب ومدينتها لهجوم عنيف ومتواصل من قبل طيران النظام، كان المشروعان، الإسلامي والأوجلاني، يتمتعان بالأمن والأمان، إلى أن تم تسليم مدينة حلب للنظام، في نهاية كانون الأول/ ديسمبر عام 2016. حيث كان التنظيم يسيطر على مناطق واسعة من ريف حلب الشرقي، في جرابلس والباب، وصولاً إلى منبج، المنطقة التي عبر منها مقاتلو داعش إلى شرق الفرات.
وبما أنّ النظام السوري عبارة عن كتلة أمنية متماسكة، غلافها الطائفية، فإنّ قراراته تنبع من مصلحة راسخة تركز في بقاء الأسد على رأس السلطة، وكل ما يليه يمكن التعامل معه، بشرط ألا يمسّ جوهر السلطة، وهي المركزية الأمنية والسياسية.
ولتوضيح ذلك نشير إلى أنّ النظام؛ منذ بدء الحراك الشعبي، في آذار/ مارس 2011، وهو يستخدم لكل مرحلة خطاباً وأدوات تتناسب مع ما يعزز من بقائه، ولكي يبرر قسوته تجاه المتظاهرين السلميين، اتخذ خطاباً معاكساً للهتافات واللافتات التي رفعها المتظاهرون، بهدف تشويه الروح الوطنية السورية، في لحظة انفكاك السوريين عن حكم الأسد وسلطته المركزية.
وبشكل واضح، منذ الشهور الأولى للثورة السورية، قام النظام بالإفراج عن مجموعة أشخاص ممن أصبحوا فيما بعد قادة تنظيمات جهادية، في محاولة لوسم الثورة ونشطائها بالإرهاب. علماً لم يكن لهؤلاء الراديكاليين أيّ دور في تحريك الشارع أو التنسيق لاحتجاجاته السلمية.
وما يميز مقال السيد "ليفيت" في معهد واشنطن، بأنه أدرج تقارير عديدة تشير إلى أنّ نظام الأسد وتنظيم داعش كانت تربطهم علاقات تجارية، مثل النفط والقمح والمعاملات المصرفية، وبالأرقام المفصلة، وكذلك حدد من كان يقوم بالواسطة بينهما.
ما أراد أن يوصله الكاتب من مقالته، هو أنّ المجتمع الدولي تكاتف من أجل القضاء على داعش، بينما صمت عن كل ممارسات نظام الأسد وسلوكه المزعزع للأمن والاستقرار الدوليين، رغم استخدامه للأسلحة المحرمة دولياً، بما فيها الكيميائية، ولمرات عديدة.
وضوحاً، التساكن بين النظام وقوى الإسلام السياسي، ولا سيما الجهادية منها، لم تكن خافية على أحد، لكن قسوتهم في التعاطي مع مناهضيهم جعلت كفتهم ترجّح على حساب كفة طبقات المجتمع الثائرة، التي لم يكن لها مشروع أيديولوجي تلتف حوله جموع المتشددين مذهبياً.
هذا ما شهدناه في محاربة الإسلاميين للفصائل الثورية "مقاتلي الحرية"، كحركة حزم وجيش العزة وألوية صقور الغاب وجيش إدلب الحر والفرقة 13 في الشمال وجيش الأمة في الغوطة الشرقية، وغيرها من الفصائل الثورية، التي كانت بوصلتها موجهة لمحاربة نظام الأسد، ولا شيء غيره.
ما أثرناه آنفاً، لا يبرئ التيارات السياسية الأخرى من مسؤولياتها وشراكتها مع قوى الإسلام السياسي، أو مع دول خارجية لديها مشاريعها الخاصة، بل يدعونا لأن نقوم بمراجعة حثيثة لكل المشاريع المطروحة من قبل المتداخلين إقليماً ودولياً.
وبعد أنّ فشلت معظم الحكومات الاشتراكية في العالم العربي وعدم نضج تجربة الإسلام السياسي، تواجه الشعوب واقعاً لا مفرّ منه، وهو الخيار المجتمعي. ونظراً لأنَّ مجتمعاتنا محرومة من تداول السلطات بسبب الاستبداد، فغالباً ما تراها تتوق لنظرية يورغن هبرماس "الديمقراطية التداولية"، لأنه يفسرها انطلاقاً من قواعد قانونية قبل أن تكون أساساً فلسفياً لقواعد أخلاقية.
في الحقيقة، كانت ثورات الربيع العربي فرصة لكشف ادّعاءات الإسلاميين بالمظلومية، إذ لم يكونوا أفضل حالاً عندما أتيحت لهم الفرصة لقيادة قطاعات متفرقة من المجتمع، بل تشابهوا مع النظام في مواضع عديدة عبرت عن سذاجة سياسية، وهزالة في الاستراتيجية وتحديد للأهداف، فأخفقوا في إيجاد مشتركات ونقاط التقاء مع المجتمع، وأغفلوا العدالة والمساواة، اللتين تشكلان روح العقد الاجتماعي والتعاقد السياسي.
ليفانت - درويش خليفة
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!