الوضع المظلم
الخميس ٢٦ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
أوباما وصناعة الكارثة السوريّة
عبد العزيز مطر
طيلة أعوام الكارثة السورية التي أفضت إلى هذا الدمار الكبير للبيئة السورية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والوطني السيادي، هذه الكارثة التي تقع مسؤوليتها الجرمية على نظام بشار الأسد وحلفائه، ويتحمّل المجتمع الدولي جزءاً كبيراً من المسؤولية الأخلاقية في هذه الكارثة بسبب طريقة التعاطي مع مأساة السوريين.

هذا التعاطي اللامسؤول تتحمّل الولايات المتّحدة جزءاً كبيراً منه كونها تقع في واجهة المجتمع الدولي، وهي مركز ثقل القوة الدولية، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وبالتالي يقع على عاتق استراتيجية الولايات المتحدة مع الوضع السوري الجزء الأكبر من المسؤولية بسبب السياسة التي اختطّها السيد أوباما وإدارته الديمقراطية وتابعها حرفياً حتى الآن نائبه السابق ورئيس الولايات المتحدة الأمريكي الحالي السيد جو بايدن.

المشهد اليوم، أنّ بشار الأسد الذي كان منبوذاً على الصعيد الدولي يستعدّ للعودة إلى المسرح الدولي بعد أن كان خلال العقد الماضي يسعى للبقاء في كرسي الحكم خلال انتفاضة الشعب السوري، مستفيداً من الظروف الدوليّة والاستراتيجية الأمريكية الحالية ليقف على ركام دولة وشعب قام بتدميره مستنداً على حليفيه الرئيسين الروسي والإيراني، الذين قدما كل أشكال الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي لوأد ثورة الشعب السوري، واستطاع عبر حلفائه استعادة أجزاء كبيرة من الأرض السورية التي خرجت عن سيطرته.

هذا المشهد وهذه السياسة الأمريكية أدّت بطبيعة الحال لسعي دول عربية لاستشعار هذا الخطر، وبدأت بالتفكير جداً في محاولة تشكيل تحالف للضغط على الوجود الإيراني في سوريا، من خلال محاولات لخرق وفك عرى الترابط بين النظام السوري ونظام الملالي، من خلال إعادة علاقات جزئية مع النظام لا توحي إلى الرغبة بالتطبيع بقدر إيحائها بمشروع مضاد وتحالف في وجه تمدّد نظام الملالي في سوريا، بعد قطيعة دامت لعشر سنوات بسبب ما حدث في سوريا والضغط الشعبي في تلك البلدان.

هذا المشهد وهذه السياسة الأمريكية تشير لحجم النفاق السياسي الكبير الذي يسوّقه الإعلام الأمريكي من خلال رفض الولايات المتحدة للتطبيع مع الأسد لتحويل الأنظار باتجاه الأنظمة العربية التي تحاول الدفاع عن أمنها الوطني في وجه الخطر القادم الإيراني. كل هذا المشهد صنع مغالطات تاريخية كبيرة لابد من ذكرها، وهي أنّ إيران وروسيا من أبقتا الأسد وأنّ الأسد قوي بما يكفي ليبقى في سدّة الحكم وأنّ سياسة الولايات المتحدة الحالية تسعى لإسقاطه أو تعارض لبقائه، وأنّ حلفاء واشنطن هم من يطبّعون مع الأسد رغماً عن إدارة واشنطن.

كل هذا الكم الكبير من المغالطات التي يتم تسويقها حالياً يعلم الجميع أنّها منافية للحقيقة تماماً، فالضوء الأخضر الذي أعطي للروس لدعم الأسد وغضّ الطرف عن التدخل الإيراني وحزب الله منذ اليوم الأول من الثورة السورية والسعي لإفراغ قانون قيصر، كل هذا من فعل الاستراتيجية السياسية للإدارتين الديمقراطيتين السابقة والحالية لأمريكا. بالتأكيد إنّ هذه البروبغندا الإعلامية الأمريكية أصبحت قديمة ومكشوفة وواضحة ولن يكون لها مكان في صفحات الحقيقة وما تروّج له في الموضوع السوري.

إنّ مسؤولية اطّلاع السوريين على مسببات هذه الكارثة واطّلاعهم على حقيقة المتسببين بإطالة أمدها وبقاء هذا المستبدّ المجرم في سدّة الحكم هي مسؤولية تاريخية وأخلاقية، هذه المسؤولية ستولّد حافزاً لدى السوريين الراغبين بالتغيير وبالديمقراطية، ومما لا شك ولا لبس فيه أنّ إدارة السيد أوباما السابقة تتحمل وزراً كبيراً وخطأ تاريخياً في بقاء الأسد في الحكم حتى هذه الساعة بالرغم من أنها لم تكن في واجهة دعم النظام، وإنما عبر أدواتها ونفوذها في مجلس الأمن وإفساح المجال للروس والإيرانيين في التعاطي العنيف الإجرامي مع الشعب السوري، وتعاطيها مع مسائل جريمة الكيماوي وقتل السوريين وغيرها من جرائم اقترفت بحق السوريين.

إنّ الحديث الإعلامي الأمريكي عن التدخل الإيراني في سوريا واستخدام الروس لأعلى مستويات القوة العسكرية في سوريا ما هو إلا ذرّ الرماد في العيون، وكل هذا حدث برضى أمريكي أو بغضّ الطرف من قبل إدارة أوباما ومتابعة من إدارة السيد جو بايدن على نفس النهج.

جميعنا يعرف أنّ سياسة التراخي والاحتواء الإيجابي لإيران في المنطقة التي انتهجها السيد أوباما هي من مكّن إيران من إرسال عشرات الآلاف من المرتزقة لسوريا لتدمير سوريا بالكامل وارتكاب أبشع مجازر العصر من أجل تحقيق نصر مزعوم للسيد أوباما في مجال الاتفاق النووي يسجل في تاريخه وتاريخ الإدارة الديمقراطية متناسين أنه بهذه الاستراتيجية خلّد التاريخ هذه الإدارة كشريك بشكل أو بآخر بما حدث في سوريا. ولم تكتفِ إدارة السيد أوباما بهذا، بل حاولت ومنعت كل مشروع أو عمل لمعاقبة المجرم الأسد على جرائمه وتجاوزت في ذلك كل الخطوط الحمراء التي رسمتها لنفسها وللأسد عبر تجاوزها مسألة وجريمة استخدام النظام للسلاح الكيماوي ووقوفها ضد أي عمل عسكري لمعاقبة النظام واكتفائها بلجان تفتيش لن تنهي عملها ونتائجها قبل عقود من الزمن.

هذه السياسة سمحت لإدارة أوباما بالتفاوض مع دول حليفة للأسد، كالروس والإيرانيين، على ملفات أخرى على حساب دماء الشعب السوري، كالملف النووي والقرم والوجود الأمريكي في العراق وغيرها، وبفعل هذه السياسات وتغوّل حلفاء الأسد، الروس والإيرانيين، تحوّلت سوريا بأكملها لإرث دموي للسيد أوباما وإدارته، فازداد التطرّف نتيجة هذا التخاذل الدولي وهذه السياسة.

وبالنسبة لإدارة السيد بايدن، فكل المؤشرات تدلّ أنّه يسير بخطى ثابتة بسياسته على خطا السيد أوباما، حيث يظهر المجرم الإيراني ونظام الملالي في طهران في دائرة التقارب والاهتمام بالنسبة لإدارة السيد بايدن، كما قامت سابقاً إدارة أوباما، فخلال الأشهر الماضية قدمت هذه الإدارة وسياستها جملة من التنازلات لنظام الملالي، وهذه التنازلات أعادت لنظام الملالي قوّته وقوة أذرعه في سوريا ولبنان والعراق، وما حدث في لبنان مؤخراً يظهر هذا بشكل واضح.

وبدت هذه التنازلات باعتراض إدارة بايدن على قيام دول عربية بإعادة علاقتها الدبلوماسية مع ذراع إيران في سوريا المتمثّل بنظام الأسد، مع علمها ومعرفتها بدوافع هذه الخطوة العربية والإقليمية، فإدارة السيد بايدن لم تدع لحلفائها الإقليميين أي مجال للمناورة بعد تنازلاتها في الملف النووي، مما أدى لقيام هذه المجموعة بالسعي لتشكيل جبهة مضادة للحلف الإيراني والسعي لخرقه عبر إعادة العلاقات الجزئية للحد من النفوذ الإيراني بدمشق ولبنان والعراق، وهذا مشروع، بسبب حق هذه الدول المشروع للحفاظ على أمنها الإقليمي والوطني، وجميعنا يدرك الالتفاف الكبير الذي تقوم به الإدارة الأمريكية حول قانون قيصر والسعي لإفراغه بغض النظر عن اتفاقيه الغاز المصري التي لا تمثّل إلا جزرة تلوّح بها الدول الإقليمية لنظام الأسد لفك ارتباطه مع النظام الإيراني ولن يكون هذا المشروع إنقاذاً للأسد بقدر كونه تحفيزاً لنظام الأسد لفك تحالفه مع نظام الملالي.

جميعنا يدرك أن حجم الكارثة كبير وأن ما يزيد من ألمها هو السياسة الأمريكية الحالية التي تريد أن تعود لحضورها القوي في المنطقة عبر تقديم تنازلات لإيران في المنطقة لتحقيق نصر سياسي حزبي للديمقراطيين وابتزاز حلفائها الإقليمين من خلال التلويح بالأزعر الإيراني كل فترة.

لا شك أن الساسة الأمريكيين سيدركون لاحقاً فداحة الخطر والخطأ والذي ارتكبوه بحق السوريين وشعوب المنطقة من خلال التغاضي عن خطورة المشروع الإيراني الذي سيكون الخنجر الذي سيدمي قلوب شعوب المنطقة، وسيتعدّى هذا الشر منطقة الشرق الأوسط ليصل إلى أماكن أكثر بحيث يتحسّس الجميع في مناطق أخرى نتيجة هذه السياسة الأمريكية.

عبدالعزيز مطر

ليفانت - عبد العزيز مطر

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!