الوضع المظلم
الخميس ٢٦ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
إدلب كجائزة ترضية لتركيا، بانتظار من يقدمها!
إدلب كجائزة ترضية لتركيا، بانتظار من يقدمها!

إعداد وتحرير: أحمد قطمة


يبدو أنه قد بات قدر على السوريين أن يشاهدوا أحداثاً مماثلة لما عايشها أجدادهم، من مساومة القوى الدولية الكبرى مع تركيا على أرضهم، فكما تمّ التنازل عن لواء اسكندرون من جانب فرنسا لتركيا في 1939، بموجب استفتاء وهمي، تؤكد كثير من المصادر أنه استند على تغيير تركيبة المنطقة السكانية لصالح موالين لتركيا من التركمان، مقابل تهجير سكانه العرب والأرمن وباقي المكونات، وهي الخطة التي يبدو أن تركيا تنفذها في شمال غرب سوريا، سواء في إدلب أو عفرين أو ما بات يعرف بمناطق درع الفرات. إدلب كجائزة 


ويبدو أن القوى الدولية المهيمنة في العصر الحديث، تتجه لتكرار ذات السيناريو، من خلال محاولة كسب أنقرة إلى صفها، سواء في موسكو أو في واشنطن، وهو ما باتت أنقرة تدركه أكثر من أي وقت مضى، وعليه تلعب على حبال الجانبين براحة كبيرة، ويبدو أن ثمنها سيكون إدلب في قادم الأيام، كما كان سابقاً ثمنها جرابلس ومارع وأعزاز والراعي، ومن ثم عفرين وريفها، وأخيراً القطاع الواصل بين مدينتي رأس العين وتل أبيض.


ويمكن التدليل على ذلك من خلال استغلال القوات التركية للهدنة التي أعلنت بين روسيا وتركيا في الخامس من مارس، في روسيا، والتي وقعها بوتين وأردوغان، واتفقا فيها على أراضي سورية، دون أن يكون للسوريين أنفسهم أي علم بما اتفق عليه، سوى ما أعلن للإعلام، وهي بالتأكيد ليست إلا غيضاً من فيض ما تم الاتفاق عليه، بدليل أن الجانب التركي استغل الهدنة لتعزيز قواته في المساحة التي تركت له بموافقة روسية تحت مسمى مناطق خفض التصعيد.


اقرأ ايضاً: عندما يسعى النظام للانتقام من نجاح “الإدارة الذاتية” بفرض الحجر الصحي بمناطقها!


أما في واشنطن، فيبدو أن المُحاباة مستمرة هناك أيضاً للجانب التركي، إذ اشترطت واشنطن في الخامس من أبريل، أن تتخلى تركيا عن منظومة الدفاع الصاروخي الروسية "إس 400" من أجل مساعدتها في إدلب، وهو يعني ما يعنيه بعيداً عن قضية معارضة النظام السوري والتي أضحت موضوعاً من الماضي، كون القضية باتت شكل سوريا المستقبلية، أكانت ستبقى وطناً واحداً أم ستقتطع أجزاء جديدة منه تحت مسمى حماية الشعب السوري من النظام المستولي على السلطة في دمشق، والتي لا يجوز أن تكون مبرراً لثلّة من السوريين أن يبيعوا أجزاءً من وطنهم بذريعة عدم رغبة عودة النظام إليه، خاصة أن هناك طاولة حوار مشتركة باتت تجمع الجانبين (نظام ومعارضة)، لإعداد دستور أقصيَ منه الجزء الشمالي الشرقي من البلاد بطلب تركي. إدلب كجائزة 


الولايات المتّحدة مستمرة في المساومة على الأراضي السورية


وبعد انسحابها من مدينتي رأس العين وتل أبيض، في أكتوبر العام 2019، والتي اعتبرت إشارة صريحة بمنح أنقرة الضوء الأخضر لغزو الأراضي السورية هناك، ووضعها تحت نفوذها العسكري، أطلقت أنقرة في التاسع من ذاك الشهر، عملية عسكرية استولت من خلالها على المنطقة الحدودية الممتدة ما بين المدينتين الآنفة الذكر بعمق يصل إلى 35 كم داخل الأراضي السورية، وهي مطامح تركية بالاستيلاء على كامل الشريط الحدودي السوري وبالعمق ذاته، بحجة حماية أمنها القومي المزعوم، وهي ذريعة يدرك القاصي والداني أنها ليست سوى مبرر لـ "الغزو"، ولو كان الأمر كذلك مشروعاً، لاستولت روسيا على كامل أوروبا الشرقية، أو استولت واشنطن على شمال المكسيك، لحماية أمنها من عصابات المخدرات.


اقرأ أيضاً: هل أبقى أردوغان رصيداً احتياطيّاً في خزانةِ تركيّا لمواجهةِ كورونا؟


وفي الأثناء، أكّدت السفيرة الأميركية لدى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، بيلي هاتشيسون، أمس الأحد، استعداد الولايات المتحدة لتقديم الدعم لتركيا، في مواجهة التحديات التي تواجهها في محافظة إدلب، ودعمها في التصدي للنظام السوري، بشرط أن تمتنع عن نشر أنظمة الدفاع الجوي "إس 400″، التي حصلت عليها من روسيا في يوليو/تموز الماضي، وأعلنت أنها ستقوم بنشرها في أبريل/نيسان الحالي، وصرّحت هاتشيسون: "نأمل ألا تنشر تركيا المنظومة الروسية، كونها تمنع بعض الدعم المحتمل الذي يمكننا تقديمه لها لمنع أي هجمات من قبل النظام السوري".


تركيا غير قادرة على خسارة موسكو


لكن الطلب الأمريكي، الذي يعدّ تكراراً لمطالبات سابقة، بإبقاء الصواريخ الروسية في المستودعات، قابله سابقاً رفض تركي، استند على القول إن أنقرة لم تدفع المليارات لتبقي الصواريخ الروسية في المخازن، ورغم الشدّ والجذب الكبير الذي حصل مع بداية العام الجاري، نتيجة حملة النظام العسكرية على إدلب بدعم روسي، إلا أن أنقرة كانت عاقدة العزم على عدم خسارة موقعها بالنسبة لموسكو، وهو ما يمكن الإشارة إلى من خلال حديث أردوغان في الرابع من فبراير، عندما قال إنه لا توجد حاجة "لخلاف خطير" مع موسكو بخصوص التطورات في سوريا، مضيفاً أنّ بلاده ستتحدث مع روسيا بهذا الشأن "دون غضب"، وإنه ربما يتصل بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وذلك بعد يوم من مقتل 5 جنود أتراك ومدني يعمل مع الجيش، في قصف للنظام السوري على إدلب، وفق وزارة الدفاع التركية. إدلب كجائزة 


وهو موقفٌ كانت تبادله موسكو لأنقرة، فقالت وزارة الخارجية الروسية في السادس من فبراير، أنها تواصل التنسيق الوثيق مع تركيا وإيران بخصوص سوريا، فيما كانت الوفود الروسية قد بدأت بالتحضير لزيارة تركيا لبحث الوضع في إدلب.


واشنطن حاولت دق الإسفين بين الجانبين


ويبدو أن واشنطن قد حاولت أثناء تصاعد الخلاف بين موسكو وأنقرة استغلال الموقف لصالح إعادة أنقرة إلى صفها، خاصة عقب مقتل 36 جندي تركي في السابع والعشرين من فبراير، والذي اتهمت به قوات النظام لكن الجميع القوى المتحاربة كانوا يدركون إنها رسالة روسيا لتركيا بغية العودة إلى رشدها وعدم الغوص في دعم المتشددين الذين يتحكمون بمصير إدلب، وعليه قال وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو في العاشر من مارس، إن واشنطن عرضت على تركيا معلومات استخباراتية برية وبحرية وجوية تتعلق بإدلب، وكان قد عفى الزمان على ذلك بطبيعة الحال عقب اتفاق بوتين أردوغان في الخامس من مارس، والذي قسم إدلب إلى منطقتين روسية-تركية (أقله في الحاضر). إدلب كجائزة 


اقرأ ايضاً: عندما تُحوّل تركيا المياه إلى سلاح ضدّ سكان شرق الفرات!


وبالتزامن مع المحاولات الروسية الأمريكية لكسب أنقرة في معسكر أحدهما بشكل كلي، نجحت أنقرة في استغلال ذلك الصراع وتمكنت من ترسيخ تواجدها بشكل أكبر مما كانت عليه قبل هجوم قوات النظام وإطلاق تركيا ما سمي بعملية درع الربيع، حيث قال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن القوات التركية استقدمت 5490 شاحنة وآلية عسكرية إلى منطقة "خفض التصعيد" خلال الفترة الممتدة من الثاني من شهر فبراير/شباط الماضي وحتى بداية أبريل، فيما بلغ عدد الجنود الأتراك الذين انتشروا في إدلب وحلب خلال تلك الفترة أكثر 10100 جندي تركي. إدلب كجائزة 


ولا يبدو أن سيناريو لواء إسكندرون بعيداً عن التطبيق في المناطق التي تستولي عليها تركيا في الشريط الحدودي شمال سوريا، على الرغم من استبعاد بعض السياسيين السوريين لذلك السيناريو من قائمة الاحتمالات الواردة للحل في مستقبل البلاد، خاصةً إذا عدنا بالذاكرة إلى بيانات صدرت عن 17 مجلس محلي في إدلب خلال سنوات سابقة، دعت صراحة إلى ضمها للأراضي التركية مقابل عدم تقدّم قوات النظام إليها، وهو ما كان يستوجب على المعارضة والنظام السوريين إلى جانب "قوات سوريا الديمقراطية"، إعادة تقييم الأولويات، بما يسمح لهم بالاحتفاظ بأرض يتصارعون على حكمها، وقد يضحون يوماً مُجرد موظفين فيها لدى السلطة التركية، أو مُهجرين منها، كما كان الحال في الماضي مع لواء الإسكندرون، وفي الحاضر مع مناطق ما تسمى بـ"درع الفرات" و"غصن الزيتون" و"نبع السلام"، وربما ستضحى إدلب دون ترتيب الأولويات لدى الأطراف السورية، "جائزة ترضية" لتركيا، قد تتاسبق واشنطن أو موسكو إلى تقديمها لها، مقابل ولائها الكامل لصفها.


ليفانت

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!