الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
إنني كُردية لا أتكلم العربية
محمود حمي

إنني كردية لا أتكلم العربية. هل في هذه العبارة ثمة أمر غريب. نحن ربما لا نتقن لغة غير اللغة الأم التي تشكل هوياتنا وثقافتنا وتعبر عن وجداننا الحقيقي. اللغة هي مجموعة رموز تطورت عبر الحقب والأزمات في بيئات متنوعة لتكون الوعاء الذي يحفظ ويوثق رحلة الإنسان معنوياً ومادياً. اللغة العربية التي امتزجت مع حضارات أخرى وافدة عليها شهدت تبدلات جمة كما حدث عليها تطور وإضافة. فحتى القرآن الذي هو النص المقدس ونزل في شبه الجزيرة العربية وتمدد في بلدان آسيوية وإفريقية وغيرهما يحوي ألفاظاً غير عربية بدون أن يخجل المسلم أو العربي من ذلك. 

ماذا عن اللغة الكردية والثقافة الكردية والهوية الكردية؟ نحن شعب لديه ثقافة وهوية وتراث تعبر عنه اللغة التي تنطق شعراً ونثراً وغناء وفي الممارسات اليومية. ليس غريباً أن بعضنا لم يتعلم سواها. فالام الكُردية من حرقة قلبها لقتل ابنها على اليد فصائل مسلحة تقول إنني الأم الكردية أم شهيد برزان إنني كردية ولا أتكلم العربية. هذه قد تكون عملية احتجاج طبيعية وهو حقها وقد تكون لا تتقن هذه اللغة التي فرضت في التعليم والثقافة كما في يومياتنا قسراً، فكانت لغة ميتة داخل قلب الكردي لأنها كانت تطبق بواسطة الشرطي بصفته بعثياً لقتل روح تمرد محتملة طالما أنك كردي. اللغة العربية كانت وسيلة قتل بدلاً من أن تكون أداة انفتاح وتلاقي عادي بين طرفين يمكنهما النقاش. لكن الواقع يعكس أن اللغة العربية كانت سجناً كبيراً ودائرة لقتل لغة أخرى يتم هدمها ونبذها.

إن حرقة قلب الأم الكردية التي تعرفها جيداً، هي حرقة القلب الذي فقدَ ابنه على يد فصائل المسلحة الموالية من تركيا الذين يروجون لأفكارهم الجهادية والدينية والعنصرية. كان ابنها من الشباب الذين كانوا يحتفلون بإشعال شعلة النار النوروز، ولكنهم فجأة تعرضوا للتهديد وقضى مع ٤ شبان كُرد آخرين.

ماذا يعني نوروز؟

يحتفل الملايين من الأكراد في 21 آذار/ مارس من كل عام بعيد نوروز الذي يعني باللغة الكردية "اليوم الجديد"، ويعتبر عيد رأس السنة لدى الشعب الكُردي.

وفي مساء 20 آذار يتم إشعال شعلة النار النوروز والذي يحتفل بها الأكراد منذ 700 عام قبل الميلاد إلى وقتنا الحالي وترمز إلى رمز الانتصار والخلاص من العبودية والتحرر من الظلم واتجاه نحو التحرير، وفي صباح 21 آذار يتجه الكرد إلى الطبيعة ويعتبر يوم جديد لدى الشعب الكُردي.

وفي النهاية اقتتلت ابنها وسط القتال الدائر في المنطقة، ومنذ ذلك الحين، تعيش الأم الكردية في حالة من الحزن والألم الذي لا ينتهي، تفكر في كل لحظة في ابنها الذي فقدته، بينما تشعر بالغثيان والصداع الشديد كلما تذكرت ما حدث له ومع ذلك. تواجه الأم الكردية صعوبة في المضي قدماً في الحياة، حيث لا يوجد سوى ذكريات ابنها الذي رحل.

في الوقت الحالي، تسعى الأم الكردية لتبني قضية ابنها وكافة المواطنين الذين فقدوا حياتهم بشكل غير عادل، وتريد أن تضع حدًا للأعمال الإرهابية التي يقوم بها بعض المسلحين في منطقتها. ورغم أنها تعاني من الحزن الشديد، فإنها ما تزال عازمة على النضال من أجل حقوقهم ومن أجل إيجاد حلول سلمية للوضع في مدينتها عفرين.

إن قلب الأم الكردية يحترق بشدة بعد فقدان ابنها وتعرضه للقتل على يد فصائل مسلحة. تشعر الأم بالدموع والألم الحاد والحزن العميق لفقدان ابنها بينما تتمنى الأم بأن تكون مكان ابنها وتتساءل كيف يمكن أن يحدث مثل هذا الأمر في العالم الذي نعيش فيه؟

تقوم الأم بمساعدة عائلتها وأصدقائها لتخطي هذا الأمر الصعب ولكنها لا تستطيع النسيان وعدم التفكير في ابنها الذي ترك الحياة في سن مبكر. تفكر في كيفية ايجاد العدالة لابنها وكيف يمكن الحد من العنف والمعاناة في أماكن النزاعات.

من الواضح أن قضية الأم الكردية هذه هي واحدة من بين آلاف القصص الأخرى والتي تعاني من تداعيات الصراعات المسلحة والحزن التي يترتب عليها. يجب علينا جميعاً تذكير أنفسنا بأن هذه الأناس يعانون حقاً وبحاجة إلى مساعدتنا وتغيير حياتهم والحالة العالمية.

تبدو الأم الكُردية قوية ورائعة ورمزاً لانتفاضة النوروز عفرين في عيون الآخرين، لكنها تشعر بأن الجميع يرونها من دون أن يقدروا معاناتها الداخلية، حيث توجد في داخلها الآلاف من الروايات وتشعر بأنها تحارب لوحدها في الظلام بينما يرى الجميع إرادتها وقوتها، يحاولون الحصول على قطعة من شعاعها دون أن يدركوا أنها تعاني من جروح داخلية لم يشفَ منها أحد.

صوتها يتحول إلى الرمادي ونغماتها تصبح محبطة وحزينة، وهي تسأل نفسها إذا كانت ستظل وحيدة في هذا العالم أم لديها فرصة لأن تجد شخصاً ما يفهمها ويسير بجانبها في هذه الرحلة.

ليفانت - محمود حمي

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!