الوضع المظلم
الخميس ٢٤ / أبريل / ٢٠٢٥
Logo
إيران وأمريكا: مفاوضات على حافة الهاوية
حسن محمودي

في تطور لافت، بدأت مفاوضات بين نظام طهران والولايات المتحدة في ظل أزمات داخلية وخارجية غير مسبوقة تهدد بقاء النظام الإيراني. يعاني النظام من اقتصاد منهار، مجتمع مشتعل بالغضب، عزلة دبلوماسية، وفقدان الشرعية، مع تصاعد عمليات المقاومة المنظمة التي تقودها "بؤر التمرد" داخل البلاد. هذه الظروف تثير تساؤلات ملحة: لماذا قرر المرشد الأعلى علي خامنئي، الذي كان يرفض التفاوض مع واشنطن ويصفه بـ"الخيانة"، العودة إلى طاولة الحوار؟ وما الذي يمكن أن تحمله هذه المفاوضات من مخاطر وفرص للنظام وللشعب الإيراني؟

تراجع تحت الضغط

على مدى سنوات، تمسك خامنئي بشعار "لا مفاوضات، لا استسلام"، محاولًا إظهار صورة القائد الذي يتحدى الغرب. لكن الأزمات المتلاحقة أجبرته على تغيير موقفه. الاقتصاد الإيراني يعاني من التضخم وانهيار العملة، فيما بات المجتمع في حالة ثورية، مع احتجاجات شعبية متكررة تهدد أسس النظام. في خطابه بمناسبة عيد الفطر 2025، ألمح خامنئي إلى أن الانتفاضة الشعبية هي الخطر الأكبر الذي يواجهه. هذا الخوف دفع النظام إلى المفاوضات، ليس بدافع الثقة، بل من منطلق اليأس والحاجة إلى كسب الوقت.

هذا التحول كشف عن ضعف النظام، إذ انهارت صورته كقوة لا تُقهر، وتعرض خامنئي لانتقادات حتى من أنصاره المقربين. المفاوضات، التي كان يصفها بـ"غير الشريفة"، باتت الآن أداة لتخفيف الضغوط الاقتصادية والسياسية، لكن السؤال يبقى: هل ستحقق هذه الخطوة أهداف النظام، أم ستزيد من تعقيداته؟

لتحليل هذه المفاوضات، يجب فهم النقاط الأساسية التي تحكمها:

1.     بقاء النظام أولوية مطلقة: بالنسبة لخامنئي، الحفاظ على النظام هو الهدف الأول والأخير. هو مستعد لتقديم تنازلات تكتيكية إذا ضمنت إطالة عمر النظام، حتى لو كانت مؤقتة.

2.     البرنامج النووي كورقة استراتيجية: النظام لا ينوي التخلي عن طموحاته النووية. المفاوضات، كما أظهرت تجربة الاتفاق النووي (2015)، هي وسيلة لتخفيف العقوبات وكسب الوقت دون تغيير جوهري في سياسته.

3.     موقف أمريكا الصلب: تسعى واشنطن إلى تفكيك البرنامج النووي الإيراني بشكل نهائي. الرئيس دونالد ترامب أكد في 15 أبريل 2025: "إيران لن تمتلك سلاحًا نوويًا، وسنتصرف بحزم إذا اقتضت الضرورة".

4.     تناقض الأهداف: مطالب الطرفين متناقضة تمامًا. النظام يسعى للحفاظ على برنامجه النووي مع تخفيف العقوبات، بينما تطالب أمريكا بحل جذري يضمن نزع القدرة النووية لطهران.

ضيق الوقت

يواجه النظام مهلة زمنية محدودة، حيث ينتهي الاتفاق النووي خلال شهرين إلى ستة أشهر. تصريحات ترامب تشير إلى رفض واشنطن للمماطلة. في 15 أبريل، قال: "لقد حددنا موعدًا آخر الأسبوع المقبل، وهذا وقت كافٍ. يبدو أنهم يحاولون المراوغة". هذا يضع النظام في موقف حرج، إذ عليه اتخاذ قرار سريع بين التنازل أو مواجهة تصعيد دولي.

تتعدد الاحتمالات التي قد تنتهي إليها المفاوضات، لكن جميعها تحمل تحديات كبيرة:

1.     اتفاق مؤقت: يقبل النظام بتخفيض التخصيب إلى مستويات 2015 مع مراقبة دولية، مقابل تخفيف العقوبات، مثل إطلاق أموال مجمدة. لكن هذا الخيار قد لا يرضي واشنطن التي تطالب بحل دائم.

2.     فشل المفاوضات: إذا تمسك كل طرف بموقفه، قد تنهار المفاوضات، مما يؤدي إلى عقوبات جديدة، تفعيل آلية "الزناد"، أو حتى تهديدات عسكرية.

3.     تسوية شاملة: تفكيك البرنامج النووي بالكامل، وهو خيار يراه النظام بمثابة "انتحار سياسي"، إذ سيؤدي إلى تأجيج الاحتجاجات الداخلية.

4.     التماطل: محاولة إطالة المفاوضات دون تنازلات، لكن هذا الخيار غير مستدام في ظل الضغوط الدولية.

مستقبل معلق

المفاوضات الحالية كشفت عن عمق الأزمة التي يعيشها النظام. سواء توصلت إلى نتيجة أم لا، فإنها عززت الانقسامات الداخلية وأظهرت هشاشة القيادة. كل خيار يواجه النظام يحمل تبعات خطيرة: التنازل قد يشعل الانتفاضة، والتصعيد قد يعرضه لعقوبات أو تدخل عسكري. في النهاية، تبدو المفاوضات مجرد محطة مؤقتة في مسار أكبر.

إيران اليوم تدخل مرحلة حاسمة. التحولات خلال السنوات الأخيرة، من احتجاجات شعبية إلى مقاومة منظمة، تشير إلى أن مصير النظام لن يتحدد على طاولات التفاوض، بل في شوارع طهران ومدن إيران الأخرى. قوة الشعب، بدعم من "بؤر التمرد" والمقاومة المنظمة، هي التي سترسم ملامح المستقبل، مهما كانت نتائج هذه المفاوضات.

ليفانت : حسن محمودي

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!