-
اختلالات السلطة السياسية بين ضرورات الوجود ومبررات التوظيف
جميع الاختصاصات يتغنى بها أصحابها إلا السياسة، حتى أصحابها يعترفون بأنها مهنة وحرفة تتطلب الخديعة والمكر والمراوغة، لذلك تُذم من داخل الاختصاص ومن خارجه، بالذات السلطة في العالم العربي والإسلامي، الذي غالباً ما عانى منها وأغلب مشاكله ذات طابع سياسي.
بالرغم من أن السلطة بشكل عام تأخذ أبعاداً مختلفة (عائلية – دينية – اقتصادية – اجتماعية... إلخ)، إلا السلطة السياسية، المعنى المتداول والمراد عندما تذكر لفظة السلطة، دون الحاجة إلى ذكر السياسية، كون الأساس في السلطة والمرتكز المهم فيها السياسة، فحتى سلطة رب الأسرة هي سلطة سياسية لكن طابعها أبوي، وحتى سلطة شيخ القبيلة هي سلطة سياسية لكن طابعها اجتماعي، كذلك الحال مع سلطة رجل الدين هي سياسية لكن طابعها ديني، فالسلطة مهما كان نوعها الإطار العام لها السياسة.
وبغض النظر عن العلاقة الجدلية بين السياسة والسلطة، يوجد سؤال جوهري يتعلق بطبيعة السلطة: هل السلطة في ذاتها قبيحة وبشعة أم من يمارسها يتحكم بها؟ وإذا ما افترضنا أن السبب يتعلق بمن يمارسها، ولا غرابة عندما نتحدث عن الأنظمة الاستبدادية، كيف تكون سلبية في ظل الأنظمة الديمقراطية، فالممارسة الديمقراطية ممتازة وجميع البلدان تطمح لها؟ ثم لماذا الغلبة للممارسات السلبية، أما الإيجابية فهي الاستثناء وقد تكون نادرة، هل السبب يتعلق بصعوبة العمل أم بسبب مغريات السلطة ذاتها؟
وبعد تحديد التساؤل ننتقل إلى الفرضية التي تحاول المقالة إثابتها أو نفيها وتنطلق من القول (إن السبب الرئيس في سلبية السلطة وممارستها يكمن في مبررات بقائها، بمعنى آخر إن مبررات البقاء تتطلق ممارسات سلبية في أحيان كثيرة مما يجعل صاحب السلطة يمارس اتجاه الآخر (فرداً - شعباً - أحزاباً) ممارسات سلبية لغرض البقاء في السلطة والمحافظة عليها.
لكن هنا التساؤل أيضا يطرح مجدداً: هل يعقل أن سبب البقاء في السلطة هو الذي يجعل ممارستها سلبية، أليس هناك أسباب أخرى تتعلق بطبيعة النظام (ديمقراطي - استبدادي)، بمعنى ذلك إن النظام الديمقراطي يفترض غير مشمول بهذه النظرية، فهل يمكن أن تكون ممارسة صاحب السلطة في النظام الديمقراطي سلبية؟ في الأنظمة الديمقراطية الوضع مختلف تماماً فهناك عدد كبير من المقيدات للسلطة لغرض عدم إساءة استعمالها، فكيف يمكن ان تكون سلبية؟
نعتقد بتواضع أن مبررات البقاء في السلطة هي الأساس حتى في الأنظمة الديمقراطية. صحيح هناك فارق بين النظامين في إساءة استعمال السلطة لكن سلبية السلطة متأتية من مبررات البقاء والتجديد في البقاء، ويمكن ذكر عدد من الممارسات السلبية للسلطة في الأنظمة الديمقراطية بالذات في المنطقة العربية والإسلامية، منها على سبيل المثال لا الحصر.
صاحب السلطة حتى في ظل النظام الديمقراطي يطمح في تجديد ولايته (البقاء في السلطة)، ولذلك البعض يذهب إلى محاولة فض أي احتجاجات أو تظاهرات بطرق المماطلة والتسويف ويحاول أن يستوعب البعض ويستغفل البعض الآخر لغرض الحد من تلك التظاهرات.
صاحب السلطة قد يقوم بتسخير جهات غير نظامية لغرض الدخول بين المتظاهرين بغرض إفسادها وسحب الشرعية عنها، خاصة عندما يقوم بتوجيه هذه الجهات لغرض عمل عدد من الممارسات السلبية لكي تحسب على التظاهرات بشكل عام دون معرفة المسبب لها والدافع الحقيقي.
صاحب السلطة قد يشتري أصوات المعارضة في البرلمان أو يعمل على شق صفوفها من خلال الإغراءات والوعود التي سرعان ما يتخلى عنها بعد حصوله على التجديد.
صاحب السلطة قد يمارس القتل والنفي والاعتقال ضد كل من ينتقده من خلال تجهيز ملفات قضائية جاهزة تحت اليد تحرك عند الضرورة.
صاحب السلطة قد يشكل حزباً سياسياً يدعمه وهو في السلطة، وقد يستغل المنصب مالياً ومعنوياً لخدمة الحزب، وبالتالي ستكون السلطة عوناً له انتخابياً، وفي بعض الأحيان يشكل أحزاباً رديفة غير معلنة من حيث ارتباطها به لكن سرعان ما يتضح ذلك بعد الفوز الانتخابي.
صاحب السلطة في أحيان كثيرة يصبح ثرياً، فالقياس لما قبل السلطة، حتى في الأنظمة الديمقراطية، خاصة في الشرق، لذلك قيل (إن السلطة في الشرق تجلب الثروة، والثروة في الغرب تجلب السلطة)، كون أغلب السياسيين والرؤساء في الغرب أثرياء قبل الوصول للسلطة، في حين في الشرق العكس هو الصحيح.
بعد الوصول إلى السلطة ديمقراطياً سرعان ما يحاول صاحب السلطة استثمارها لغرض البقاء والاستمرار من خلال ترسيخ مركزه ومحاولة إعطاء بعض الأعذار لتأجيل الانتخابات، ويعطي مبررات يعتقد أنها مقنعة من قبيل (الخوف على مستقبل البلد ومستقبل العملية السياسة، وجود صراعات داخلية، وأطماع خارجية، وجود أزمات وعدم الاستقرار السياسي، وجود ضغوط خارجية وداخلية، حماية الدستور، الأزمة الاقتصادية، الفوضى الأمنية)، وغيرها من المبررات التي يستغلها صاحب السلطة الديمقراطي ليتحول مع مرور الوقت إلى أبشع استبدادي.
مما سبق يتضح أن سلبية السلطة تأتي من مصادر متعددة، لكن أهم أسبابها مبررات البقاء والتي يسلكها صاحب السلطة الديمقراطي والاستبدادي على حد سواء، صحيح هذه القاعدة لا يمكن تطبيقها على الجميع لكن يمكن الجزم أن الغالبية العظمى من الممارسات هي طابعها سلبي والإيجابية إن وجدت فهي استثناء.
ليفانت - د. طارق عبد الحافظ الزبيدي
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!