الوضع المظلم
السبت ٢٨ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
  • الإخوان المسلمون في سوريا ورحلتهم المشبوهة نحو السلطة (الجزء الثالث)

الإخوان المسلمون في سوريا ورحلتهم المشبوهة نحو السلطة (الجزء الثالث)
عبد الناصر الحسين

لقد كان لانقسام جماعة «الإخوان المسلمين» دور مهم في تنامي الحديث جهراً عن الجهاد في سوريا ضد نظام «حافظ الأسد» بعد أن كان همساً وفي الغرف المغلقة.. وذلك في مطلع سبعينيات القرن الماضي، حدث هذا في صفوف شباب «الطليعة المقاتلة» الناشئة حديثاً والتي استغلت الخلاف الطاحن بين مكتبي دمشق وحلب لترويج فكرة أن «الفكر النظري» لا قيمة له إذا لم يسنده عمل وجهاد.


ولعبت عوامل أخرى دورها في تأجيج العمل المسلح ضد النظام أهمها «أحداث الدستور» 1973، التي شهدت مظاهرات غاضبة في أكثر من مدينة سورية. ثم تبعها تضييق من نظام الأسد على الناس في أمورهم الدينية والحياتية وممارسات لا تخلو من الاستفزاز للمشاعر الإسلامية.


فقد شكل حافظ الأسد لجنة برئاسة «محمد فاضل» لصياغة دستور دائم للبلاد أقرّه الشعب باستفتاء 12 مارس، وأصدره رئيس الجمهورية في 13 مارس بمرسوم جمهوري، وفرض من خلاله فكر «حزب البعث» على الدولة فاعتبر أن أهداف المجتمع السوري هي «الوحدة والحرية والاشتراكية»، ونصّ على وجوب كون الرئيس «عربياً سورياً»، ونصّب حزب البعث محتكراً للحياة السياسية من خلال كونه «الحزب القائد» للدولة والمجتمع كما نصّت المادة الثامنة.


وأوضح الدستور أن رئيس الجمهورية ترشحه «القيادة القطرية لحزب البعث» عن طريق «مجلس الشعب» للاستفتاء دون وجود أي مرشح آخر، واعتبر أن السياسة الاقتصادية للدولة هي سياسة اشتراكية تقوم على القطاع العام بشكل أساسي.


لكن أغلب مواد الدستور المتعلقة بالحريات العامة لم تنفذ، فرغم وجود نصوص صريحة بتحريم التعذيب إلا أنه وفي ظل سريانه أدينت الدولة السورية بارتكاب التعذيب وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان المحرّمة دستورياً أيضاً كالنفي والإبعاد والاعتقال التعسفي والتنصت. كما أن هذا الدستور- ومنذ أن أقرّ وحتى أبريل 2011- طبق بالتزامن مع قانون الطوارئ في سوريا، المعلن منذ 1963.


بعد انقلاب عام 1970م، في سوريا الذي قاده وزير الدفاع آنذاك «حافظ الأسد»، ورغبة منه في الاحتفاظ بالسلطة عن طريق السيطرة على «الجيش العربي السوري»، اتبع حافظ الأسد سياسة تهدف إلى زيادة نسبة «الضباط العلويين» في الجيش العربي السوري، وترافق ذلك مع تسريح عدد كبير من الضباط السنة، و قد كان تركيزه على أجهزة المخابرات وسلاحي الطيران والمدفعية، فعلى سبيل المثال كان عدد الطلاب العلويين في مدرسة المدفعية في عام 1979 م لا يقل عن 270 طالباً في حين بلغ عدد الطلاب من باقي الطوائف بما فيها الطائفة السنية حوالي ثلاثين طالباً.


يبدو أن الطليعة المقاتلة رصدت هذا الأمر من دواخله فقرر النقيب إبراهيم اليوسف تنفيذ عمليته في يوم 16 حزيران 1979م، حيث قام النقيب والذي كان الضابط المناوب في ذلك اليوم بدعوة مجموعة من الطلاب إلى قاعة الندوة وعند امتلاء القاعة قام وبمساعدة عدنان عقلة وآخرين من خارج المدرسة بإطلاق النار عليهم فسقط معظمهم بين قتيل وجريح.


وقعت مجزرة مدرسة المدفعية في حلب في يوم السبت 16حزيران/ يونيو 1979م، في مدرسة المدفعية الواقعة في منطقة الراموسة في مدينة حلب السورية وأسفرت عن مقتل 50 إلى 82 طالباً من طلاب المدرسة معظمهم من الطائفة العلوية وجرح حوالي 54 طالباً حسب الرواية الرسمية، ووفقاً لرواية الطليعة المقاتلة التي ذكرها «أبو مصعب السوري عمر عبد الحكيم» في كتابه «الثورة الإسلامية الجهادية في سوريا»، فقد قتل 250 طالباً. ثم تبعتها عمليات تفجير متفرقة طالت مدنيين وعسكريين، ثم صدر المرسوم الرئاسي بتاريخ 20/9/1979، الخاص بجامعة دمشق، وبموجبه  تم تسرِيح عدد من المدرّسين الإسلاميين و«المرسوم 1250» في20/9/1979م الخاص بجامعة اللاذقيّة، وتمّ فيه تسريح عدد آخر من المدرّسين الإسلاميين والموظّفين و«المرسوم 1256» (27/9/1979م) الخاص بجامعة حلب، الذي قضى بنقل بعض المدرّسين الإسلاميين إلى وظائف وأعمال أخرى.


وكان صيف عام 1979م ملتهباً حين شنّ النظام حملة اعتقالات واسعة شملت عدداً من رموز الإخوان  الذين شاركوا في عمليات اغتيال ضد قيادات سورية، ليصدر وزير الداخلية السوري بياناً اتهم فيه الإخوان المسلمين بالتورّط في الاغتيالات وتنفيذ أحكام الإعدام بـ 15 متهماً من شباب الإخوان المسلمين جرى اعتقالهم قبل «حادثة المدفعية» من خلال محكمة عرفية شُكّلت برئاسة «فايز النوري» بتاريخ 28/6/1979. ليصدر القانون رقم /49/ عام 1980م  والذي نصّت مادّته الأولى على ما يلي: «يُعتبر مجرماً ويُعاقب بالإعدام كلّ منتسبٍ لتنظيم جماعة الإخوان المسلمين». فاتخذ «مجلس شورى» الجماعة الذي اجتمع خارج سورية عام 1979م قراراً بالمواجهة وتعبئة القوى وحشد الطاقات لهذه المعركة.  ولبّى الكثير من أبناء الجماعة ذلك النداء  وبدأ العنف ضد النظام السوري.


ومع تصاعد الأحداث في سوريا ألقى «حافظ الأسد» خطابه الشهير في المؤتمر القطري الثالث عشر للحزب والذي عُقد في دمشق في1980م، اعتبر فيه الإخوان المسلمين ظاهرة من أخطر الظواهر، وهو ما يستدعي وضع خطّة لمحاربتهم قائلاً: «فالخطّة السياسية إزاء الإخوان المسلمين وأمثالهم لا يمكن أن تكون إلا خطّة استئصالية، أي خطة لا تكتفي بفضحهم ومحاربتهم سياسياً».


وبلغت المواجهة أوجها في «أحداث حماة»، واستمرت بعد ذلك ملاحقة عناصر الإخوان. وتعد أحداث حماة عام  1982، ذروة الصدام بين النظام والجماعات الإسلامية المسلحة وأبرزها «الطليعة المقاتلة»، والتي قُتل نتيجتها عشرات الآلاف من الأشخاص المدنيين في «حماة» وغيرها من المحافظات، مما دفع الجماعة للاختفاء من المسرح السياسي السوري، حيث غادر إلى المنفى  من لم يقتل أو يسجن منهم بفعل الأحداث، وهكذا تحولت الجماعة إلى حزب في المنفى، ولم تنجح جهود كثيرة لإعادة ترتيب أوضاعها مع النظام في دمشق أو عودة كوادره إلى العمل في سورية.


كاتب وصحفي سوري



 

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!