الوضع المظلم
السبت ٢٨ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
الإسلام السياسي قراءة في العمق
عبدالعزيز مطر

الإسلام السياسي مصطلح يطلق على الطريقة التي تتعاطى بها الحركات الإسلامية لتحقيق أهدافها غير المعلنة عبر أشكال علاقتها بالدولة والمجتمع وهذه الطريقة أجمع الكثير من الساسة والمفكرين المعاصرين على إطلاق مصطلح الإسلام السياسي عليها، وهو أحد أشكال نشاط الجماعات الإسلاميه في تاريخنا المعاصر التي بدأ معظمها نشاطه بشكل مبسط إن جاز التعبير على شكل نشاط الإسلام الدعوي ليتطور مع مرور الوقت وتعدد الأهداف والتطلعات لهذه الجماعات ليتخذ مفهوم الإسلام السياسي الذي نتحدث عنه، ولتتحول من جماعات دعوية إلى شكل أكثر تنظيماً وتعقيداً على شكل منظمات وهيئات وأحزاب سياسيه.


فمعظم تلك التنظيمات الإسلامية والحركات نشأت بداية على مفاهيم دينية نهضوية دعوية الهدف المعلن منها هو إصلاحي بحت يتناول المجتمع والدولة والفرد، لتتحول لاحقاً إلى حركات سياسية تهدف إلى قيادة الدولة والمجتمع وفق ماتراه مناسباً لتحقيق أهدافها وهذا ينطبق على جميع الحركات الإسلاميه المعاصرة، باستثناء قلة من التنظيمات الإسلاميه التي فضّلت البقاء ضمن إطارها الدعوي الرعوي للمجتمع وعدم الانخراط في العمل السياسي، وأطلق عليها بين الحركات الإسلاميه مصطلح الإسلام الصوفي الدعوي للتقليل من شأنها وإن كانت حالياً هي الشكل المفضّل والأكثر إحتضاناً لجميع المسلمين في العالم.


وفي العودة لمفهوم حركات الإسلام السياسي التي تعتبر السياسة صلب عملها، أما الدين فأصبح يشكل غطاء فضفاضاً بالنسبة لها وأصبحت وسيلتها لتحقيق أهدافها هي السيطرة على المجتمع عن طريق الإستئثار بالسلطة والتفرد بها واتخاذ شكل سلطوي لايختلف عن النظم الاستبداديه القائمة، أي أصبح مفهوم السيطرة على قيادة المجتمع والدولة هدفاً أساسياً للوصول لما تريد وبرز في العقود الماضية تشكيلات سياسية إسلامية تم تسليط الضوء عليها أكثر من غيرها وأرتبط إسمها كثيراً بالأحداث السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط وتأتي في مقدمة هذه الحركات.



  • حركة الأخوان المسلمين

  • وحزب الله اللبناني

  • وحزب التحرير الإسلامي


ويعتبر تنظيم جماعة الأخوان المسلمين هو الحركة الأم لجميع أشكال الحركات الإسلامية الأخرى من حيث البنية التنظيميه ومن حيث طريقة الإداء السياسي ومن حيث الهدف، فجميع الحركات الإسلامية بشقيها المذهبي التي نشأت على غرار ذلك التنظيم حاولت الوصول للسلطة مراراً واعتبرته أهم أهدافها وغايتها التي تكفل استمرارها وتنوعت سبلها في سبيل تحقيق ذلك على مر العقود الماضية، فتارة عن طريق الانقلابات العسكرية وأخرى عن طريق المشاركة في العملية السياسية في البلدان التي تنتشر فيها قواعدها أو حاضنتها الشعبية مع الأخذ بعين الاعتبار النشاطات التي تقوم بها لتهيئة المناخ للمشاركة في العملية السياسية لهذا البلدان اذا كانت طريقة وصولها للسلطة عن طريق العمليه السياسيه.


والملاحظ عن طريقة قراءة تجارب ونشاط حركات الإسلام السياسي أن القاسم المشترك بين جميع هذه الحركات هو العمل السري إن كان سياسياً أو عسكرياً أو إجتماعياً بالإضافة للطبقة الشعبية التي يستهدفها نشاط تلك الحركات ونوعية الأفراد وبنيتهم الاجتماعيه وتكوينهم الديني والطبقي التي تسعى حركات الإسلام السياسي لنشر نشاطها بينهم أو ضمهم لكوادرها حيث تركز على طبقة الشباب والنخب العلمية المتدينة.


طبيعة تشكيل حركات الإسلام السياسي والغموض الذي تحيط نفسها به وحقيقة الأهداف التي تسعى إليه هذه الحركات هو الذي يفرض عليها أسلوب العمل السري عن طريق الخلايا التي تشكل النواة في هذا النوع من العمل السياسي لتلك الجماعات والتنظيمات، ومع بداية الثورات في البلدان العربيه والخلل الذي أحدثته تلك الثورات في بنية الأنظمه الحاكمة في تلك البلدان وجد الإسلام السياسي الفرصة سانحة له للانقضاض على السلطة وتحقيق أهدافه دفعة واحدة، والإستئثار بها وبجميع مؤسساتها باستخدام كل الأساليب والطرق الممكنه معتمدة على التوجه العام لدى جماهير الثورات العربيه الذي خرج لاسقاط استبداد وشمولية الأنظمه.


بالإضافه لاستفادة الحركات الإسلاميه من هزلية العمل السياسي للإحزاب الأخرى في تلك البلدان وانعدام قدرتها على المناورة والتنظيم بسبب ظروف تلك البلدان والاستبداد الذي مارسته الأنظمه، وهذا ماشكل تربة خصبة لحركات الإسلام السياسي التي نجحت في تحقيق بعض أهدافها في بداية الربيع العربي وانتهت بفشل ذريع نهاية المطاف.


بعد أن عرتها الأحداث التي تتالت في بلدان الربيع العربي واثبتت تلك الأحداث أن أهداف حركات الإسلام السياسي بعيدة جداً عن تطلعات جماهير ثورات الربيع العربي، لتجد تلك الحركات نفسها في مواجهة حتميه مع تلك الجماهير التي ثارت على الأنظمة الاستبداديه ولتطلق حركات الإسلام السياسي مفهوم الثورة المضادة للربيع العربي على كل من خالف توجهاتها وحارب اساليبها، وهذا يبدو بشكل واضح في مصر وليبيا وتونس مع فشل تجربة تلك الحركات سواء بعد وصولها للحكم أو اثناء محاولتها الوصول له.


وتمثل التجربة السورية لحركات الإسلام السياسي المتمثلة في جماعة الإخوان المسلمين هي المثال الأكثر فشلاً لتعاطي الاسلام السياسي مع المسألة السورية وثورتها والمد الشعبي المطالب بالحرية، فشل الإسلام السياسي بمايخص الثورة السوريه شمل كل الجوانب وفقدانه بشكل مضطرد لجمهور الثورة مع تنامي ظاهرة الفساد والتفرد في القرارات والعمل على تحقيق مصالح الإسلام السياسي المتمثل بتيار الإخوان المسلمين على حساب مصلحة جمهور الثورة السورية، على اختلاف انتمائاته وتوجهاته وهذا ما أدخل تنظيم الإخوان المسلمين في سوريا في حالة عداء مع جمهور الثورة من جانب والسلطة الحاكمه من جانب آخر.


وبعد فشل تجربة الإسلام السياسي في قيادة ثورات الربيع العربي وفشلها في اعطاء صورة ديمقراطيه وطنيه عن شكل الحكم وسقوطها في مصر وتونس والسودان وفي سوريا وفي لبنان، ومن خلال هذه التجارب المريره للإسلام السياسي خلال العقد الفائت وماسببته أشكال الإسلام السياسي وحركاته وتنظيماته كجماعة الإخوان المسلمين في سوريا ومصر وجماعة حزب الله في لبنان وحركة حماس في الأراضي الفلسطينيه من تفاقم لمشكلات شعوب تلك البلدان على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والعسكري والسياسي، أدى لتنامي الشعور الوطني الذي يعارض هذا النوع من الممارسات السياسية لتلك الجماعات، وكان من أهم تلك الممارسات والسياسات المرفوضه هي سياسة الإقصاء التي انتهجها الاسلام السياسي في المنطقة العربية وبلدان الربيع العربي.


إن سياسة الإقصاء التي تمارسها الحركات الإسلامية في تعاطيها مع ثورات الربيع العربي أدى لخسارة الكثير من النخب الوطنية التي كانت المحرك الأساسي لانطلاق ثورات الحرية في الربيع العربي وهذه السياسة التي أتت متزامنة مع دفع السلطات الحاكمة في بلدان الربيع العربي نحو العنف كانا السببين الأكثر فاعلية في فشل معظم ثورات الربيع العربي في تحقيق أهدافها.


فعدم قبول الإسلام السياسي بأن يكون ضمن المشاريع الوطنية ومحاولته الإستئثار بمفاصل العمل السياسي وقراره ومؤسساته والحالة الإقصائية والتسلطيه التي مارستها حركات الإسلام السياسي، كانت من أهم العوامل التي أدت لفشل تحقيق أهداف الشعوب لنيل حريتها بعد أن فرض الإسلام السياسي نفسه كبديل غير مقبول شعبياً بهذه الممارسات للسلطات الحاكمه.


وأتت مسألة دعم وتشكيل حركات الإسلام السياسي لتنظيمات سرية إسلامية عسكرية مجهولة الأهداف والمشروع وبعيدة عن تعاليم الدين الإسلامي السمح لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير في تعاطي المجتمع الدولي بشكل عام مع حالة الإسلام السياسي، ومع ثورات الربيع العربي بشكل خاص التي هيمن الإسلام السياسي على جزء لا بأس به من مؤسسات ثورة الربيع العربي وإصرار المجتمع الدولي على عدم اسقاط الأنظمه الحاكمه الحالية إذا كان البديل هو ما انتجته حركات الإسلام السياسي من سوداوية الأهداف والطرق والأساليب، وتمثل القاعدة وداعش وحزب الله والحرس الثوري الإيراني أكثر الأشكال العنفية التي قدمها الإسلام السياسي لمجتمع شعوب المنطقه كبديل عن الموجود الحالي من أنظمة.


لايوجد مايؤشر على انحسار الإسلام السياسي وتحوله إلى الشكل الأكثر قبولاً وهو الإسلام الدعوي أو انخراط الإسلام السياسي وأشكاله وحركاته في مؤسسات سياسية وطنيه، ومن خلال أحزاب تتبنى النهج الوطني في التعاطي مع قضايا شعوب بلدان المنطقه وبلدان الربيع العربي وفي الخلاصة,الأديان السماوية وفي مقدمتها الاسلام هو من أكثر طرق النظم الاجتماعية للتعايش ورقي الفرد والمجتمع عن طريق حزمة الأخلاق التي أتت بها الأديان السماوية وتجيير الدين لخدمة السياسة وخدمة التنظيمات هو الذي أدى لهذه الاشكالية من الفهم الخاطئ لدى الكثير عن مسألة الدين والسياسة فمهفوم السياسة في الدين يختلف عن كثيراً عن الدين في السياسة، وهذه إشكالية الإسلام السياسي الحقيقيه الذي جعل من الدين مطية لتحقيق أهداف سياسية لتلك الجماعات، وتسبب في تلك الحالة السوداوية المشهد عن الدين والإسلام في عالم تسعى شعوبه للتعايش وفق معايير أخلاقية وديمقراطيه هي أساس تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، فيما لو كان تطبيق مفهوم الدين في السياسة هو الاشمل والاعم اي تعميق مفاهيم التسامح وقبول الاخر ومحبة الوطن في السياسة التي تمارسها هيئات سياسية واشكال حزبية.


عبد العزيز مطر

العلامات

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!