-
الالتباس بالموقف الروسي يعطّل عمل اللجنة الدستوريّة بجنيف
منذ فترة والموقف الروسي تجاه العملية الدستوريّة يحمل الكثير من التناقضات منذ انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الذي رعته بنفسها في مدينة سوتشي الروسية، والذي تمخّض عنه العمل على وضع لجنة دستورية تعمل على تعديل دستور 2012، من خلال المخرجات الـ12 التي تم الاتفاق عليها في هذا المؤتمر.
ماحدث أنّ القائمين على هذا المؤتمر من المعارضة، والذين عملوا على إنجاحه من خلال إقناع الأمم المتحدة بالحضور، ومن ثم تقديم هذا النجاح على طبق من ذهب لكسر الجمود والاستعصاء في مفاوضات جنيف تم إقصاؤهم لحساب الهيئة العليا للمفاوضات، والتي رفضت بالأصل مؤتمر الحوار الوطني، جملة وتفصيلاً، طالما كانت هي الطرف المفاوض المعترف به دولياً، حسب القرار الأممي 2254، لكن بعدما تمّ حصر العملية السياسة كخطوة أولى بوضع دستور جديد، ومن خلال مفاوضات سوتشي 2 الروسية-التركية، ماكان من هيئة التفاوض إلا أن ترشّح أسماء لأعضائها لتكون الثلث الثالث إلى جانب ثلث للنظام وثلث للمجتمع المدني الذي تم المحاصصة عليه هو أيضاً باسم الأمم المتحدة، ما كان واضحاً ورغم التلكؤ الواضح لبعض أعضاء هيئة التفاوض اللذين كانوا يفضلون الدخول بمرحلة انتقالية قبل البدء بسلّة الدستور علّه يضمن لهم مواقع في أية حكومة انتقالية مناصفة مع النظام، والذي بطبيعة الحال كانت ستزيد الطين بلّه لأنّها ستفشل في إدارة أي مهام لاحقة، وبالذات وضع دستور جديد.
اليوم وبعدما تمّ الاتفاق على أسماء المفاوضين باللجنة الدستورية وبالذات المصغرة.. نجد أنّ هناك مماطلة وإضاعة للوقت مقصودة من طرف النظام الذي كان يعوّل على ثلاثة أشياء:
1- الانتخابات الأمريكية وما يمكن أن تغيّره في مجال العقوبات، والدخول في اتفاقات خارج نطاق اللجنة الدستورية.
2- القيام بعملية عسكرية في إدلب لاسترجاع بعض الأراضي حتى ولو بعد مفاوضات روسية-تركية جديدة تحسّن وضع النظام في تلك المناطق.. على أساس تحرير أراض سورية من الاحتلال التركي.
3- اقتراب الاستحقاق الرئاسي في الـ2021، والذي من الممكن الدخول بعملية انتخابات صورية على شاكلة سابقاتها تضمن استمرارية النظام كما هو على أساس أنّ اللجنة الدستورية لم تنهِ عملها.
مايحدث اليوم أنّ الوضع السوري مع تأخر عمل اللجنة الدستورية يزداد سوءاً على عدّة أصعدة:
1- على الصعيد المعيشي، بسبب تشديد العقوبات الاقتصادية، وبالذات مع دخول قانون قيصر حيّز التنفيذ، ومع انتشار مرض كورونا بشكل خطير.
2- انعدام السيطرة والسيادة على أجزاء كبيرة من الأراضي ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية والتي تقطع أوصال الدولة السورية.
3- تواجد قوات عسكرية أجنبية على الأراضي السورية بحجّة محاربة داعش والتي تعرقل مسار أي عملية سياسة أحادية الجانب من الطرف الروسي إذا لم تأخذ بعين الاعتبار القرارات الدولية المتمثله بالقرار 2254، والمتمثّلة بنتائج عمل اللجنة الدستورية.
4- السياسة الأمريكية القادمة مع جو بايدن والتي لها نظرة أخرى فيما يتعلّق بالمفاوضات مع إيران حول اتفاق 2015، والتي يمكن أن تكون mixte blessing.
من جهة العودة لذلك الاتفاق، وربما فك العقوبات وبنفس الوقت دفع إسرائيل للتصعيد الخطير بالقيام بضربات عديدة إن كان في سورية على المواقع العسكرية، أو باغتيال مدير البرنامج النووي الإيراني الأخيرة علّها تنجح بإشعال حرب بوجود ترامب قبل نهاية ولايته، وترك إيقاف الحرب للإدارة الجديدة، إدارة بايدن، فالوضع ما زال على كف عفريت خلال هذه المرحلة.
5- ازدياد عدد القوات التركية المتواجدة في الشمال السوري والتي يمكن أن تقوم بعمليات عسكرية كبيرة خارج نطاق إدلب إذا ما اشتعلت الحرب مع النظام أو مع إسرائيل، قبل إيجاد أي حلّ سياسي يوقف هذه الاحتمالات الخطيرة على سلامة ووحدة الأراضي السورية.
6- رفض الولايات المتّحدة والدول الأوروبية المشاركة في مؤتمر عودة اللاجئين الذي تم بدمشق وبرعاية روسية، والذي كان من المفترض أن يخفّف العقوبات لتسهيل العودة الطوعيّة لللاجئين وفتح ملف إعادة الإعمار قبل البدء بأيّ عملية سياسية، وبالذات عمل اللجنة الدستورية التي يمكن المماطلة به إلى ما لا نهاية مع بقاء النظام، إذا تم استغلال ورقة اللاجئين لفك الحصار القائم.
من خلال هذا المشهد، لايسعنا سوى النظر باتجاه الدور الروسي كقوة أساسية تمسك بأوراق عديدة بالملف السوري، داخلياً وإقليمياً ودولياً، على أنّها الدولة الوحيدة القادرة على الدفع في العملية الدستورية.
إنّ أهمية الموقف الروسي يأتي على أساس قدرته بالضغط على النظام السوري، بالإسراع بعمل اللجنة أو بالأقل على ربط الانتخابات القادمة، مع إنهاء عمل اللجنة وحسب الدستور الجديد، طالما كانت هي من تبنتها ورعت المؤتمر الذي دفع بهذا الاتجاه، لكن تقاعس النظام وإضاعة الوقت في تعطيل اجتماعات اللجنة الدستورية المتعمدة ريثما يأتي الاستحقاق الرئاسي القادم بـ2021 بانتخابات صورية، كما تمّت قبله انتخابات مجلس الشعب من هذا العام، وكذلك تعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا من قبل النظام يوحي بأنّ هذا النظام يرفض تماماً عمل اللجنة الدستورية وكما جاء على لسان الأسد في شهر أيلول من عام 2019، بأنّ اللجنة الدستورية وأعمالها لا تعني النظام بشيء ولا تلزمه، والذي تم تأكيده بمقولة وزير خارجيته السابق، وليد المعلم: “سنغرقهم في التفاصيل”، لكن مما يتناساه النظام أنّ عدم الخوض بالعملية الدستورية سيزيد من معاناة الشعب السوري القابع تحت وطأة العقوبات الاقتصادية، والتي تزيد من معاناته، أضف إلى ذلك تفشي مرض covid-19 بشكل خطير، إضافة إلى أنّ وضع اللاجئين الذي يزداد مأساوية مع حلول فصل الشتاء، وتوقّف تقدّمه في استرجاع بقية الأراضي لتعود تحت سيطرة الدولة من جديد ليتكلم عن انتصار أمام الشعب السوري يخفف من احتقان المواطنيين تجاهه وتجاه الوضع الاقتصادي المأساوي الذي يعيشونه، كذلك انعدام سبل إعادة الإعمار طالما لم يتم الحل السياسي.
من هنا، الالتباس بالموقف الروسي المعني أكثر من غيره بعودة الاستقرار وفك الحصار والبدء بعملية الإعمار التي تتطلّب فك الحصار من جهة، ودخول العملة الصعبة عبر المنح والمساعدات الدولية التي لن تأتي طالما لم تتم العملية السياسة التي تضمن تغيير النظام، فعدم دخول الدولارات للبلد يجعل من سورية مستنقعاَ لروسيا شبيهاَ لأفغانستان، كما كانت للاتحاد السوفيتي، بعدما ضخت موسكو مليارات الدولارات بحملتها العسكرية بسورية، والتي أنقذت الدولة السورية لكن لم تتوصّل بعد للعملية السياسية التي تتوّج العمل العسكري وتضمن نجاح الحملة مع حلّ المعضلة السورية، على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي، يضمن وحدة وسلامة الأراضي السورية حسب مقررات الأمم المتحدة 2254، وإلا سينظر للنجاح العسكري الروسي على أنّه إنقاذ للنظام وليس إنقاذاً للدولة السورية.
ليفانت – د.حسان فرج
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
قطر تغلق مكاتب حماس
- November 11, 2024
قطر تغلق مكاتب حماس
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!