الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
الحرية والكرامة تليق بالشعب السوري
أحمد محمد الخالد 

مقدمة:

  •  
  • في قلب الأمة السورية، تتجلى السلطة السياسية ككيان يضم مجموعة من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، وهي ليست أداة لحماية طائفة معينة، ولا تمثل وجهة نظر طائفة بعينها. لسنا هنا أمام ما يعرف بالعلوية السياسية، بل نحن أمام وطن يضم في طياته تنوعًا دينيًا وطائفيًا يمتد من السنة والشيعة، العلويين والمسيحيين، الدروز والإسماعيليين، والإيزيديين. كما يضم نسيجًا عرقيًا غنيًا بالعرب والأكراد، الأرمن والآشوريين، الكلدان والشركس، الشيشان والتركمان، ولكل هؤلاء الحق في الملكية الوطنية، والمشاركة في بناء دولة القانون وتحقيق السلم الاجتماعي، لأن الدولة هي ملكية وطنية للجميع، وهؤلاء جميعهم هم الدعامة الأساسية للسلم المستدام لأجيالنا القادمة.



       
الثورة السورية تسعى لتحقيق تغيير جذري يشمل المؤسسات والبيئة بسبب الترابط العميق بينهما، مما يعني أنه لا يمكن للمؤسسات أن تتحرر من قبضة الأمن والحزب الحاكم لصالح المواطن إلا من خلال هذا التغيير. 
إن للأفراد والشعوب الحق الطبيعي في الثورة والمقاومة ضد الاستبداد والظلم، بل الثورة واجب ومسؤولية قبل أن تكون حقا، فالثورة وسيلة مشروعة لتحقيق الحرية والعدالة والحفاظ على الصالح العام.

ما يؤسفني ولست بعابر سبيل في الثورة السورية أو في بلدي سورية هو محاولات البعض لنسف تضحيات أبطال الحرية وإقصاء أولئك الذين بذلوا جهودًا من أجل تحرير جميع السوريين، حيث أنه يجب ألا نحكم على الثورة من خلال التصور الذي تم تصنيعه في "مطابخ المخابرات الدولية" ونُشر عبر إعلامهم، ونفذ بأدواتهم، وهذه من الأسس التي يعلمها الأحرار في التظاهرات، ويعلمها المعتقلون من طلاب الحرية، وعلى الباحث الجاد التمييز بين الثورة والحرب الأهلية (الاقتتال الطائفي) من خلال فهم الفرق بين العنف السياسي والعنف الطائفي.

والسؤال هنا: هل الجيش في سورية من طائفة واحدة أو عرق واحد؟ وما هو موقع العنف الجهادي الذي تمثله قوات "حالش" وميليشيات إيران؟ والتي تعود في النهاية إلى النظام الذي استقدم هذه القوات في المقام الأول.
       

إن الوصف الذي نختاره للوضع في سورية له انعكاسات خطيرة، فحين نقول "ثورة"، أو "معارضة سياسية"، أو "تمرد عسكري"، أو "إرهاب"، يؤثر ذلك على كيفية التعامل مع الملف السوري، حيث أن وصف الوضع كـ "حرب أهلية" (الاقتتال الطائفي) ينقل مسؤولية الضحايا ويزيل فكرة المسؤولية الجنائية عن النظام السياسي، ويحول النظام من جهة يجب محاكمتها إلى طرف يمكن أن يخضع للمحاسبة أو المساءلة فقط، وربما يكون شريكًا في مستقبل سورية، مما يساهم في استدامة الإجرام.

الثورة السورية:

الثورة السورية ناصعة البياض ولا تحتاج إلى دعاية، بل إلى توضيح وتحديد ومنع تحوير المصطلحات، وهي ليست انتقامًا، بل هي نداء للعدالة، وصرخة للحرية، تهدف إلى تغيير جذري وإعادة السلطة إلى الشعب، وليس للسيطرة العسكرية.

بدأت الثورة سلمية، واستمرت قوى الأمن الداخلي والقوات المسلحة الحرة في القيام بمهامها تجاه الشعب السوري الحر، من خلال تأمين الحماية للشعب الثائر  ليواصل حراكه المدني والسياسي والحقوقي المكفول بالشرعية المحلية والدولية.

ومن المهم التأكيد على أن هناك فرقًا واضحًا بين القوى التي انشقت عن مهمتها وتحولت إلى مافيا تحمي سلطة فاشلة ومتوحشة ، فقدت شرعيتها فور اندلاع الثورة، وبين القوى التي تحمي الثورة. السلطة في سورية لا تتمثل في طائفة معينة ولا تحمي طائفة ما؛ طائفتها الحقيقية هي طائفة السلطة والإجرام وإرهاب الشعب، إنها " طائفة الأسد المجرم ".

       

لم يميز النظام المجرم في استهدافه العشوائي وغير المتناسب أثناء هجماته بين المدنيين والمقاتلين، ولم يميز بين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية. استهدف أفراد الخدمات الطبية والدينية والأعيان ذات الصلة، وهاجم أفراد وأعيان الإغاثة الإنسانية والصحفيين والممتلكات الثقافية، كما دمر الأشغال الهندسية والبيئة الطبيعية والمنشآت المحتوية على قوى خطرة. لجأ النظام إلى الحصار والتجويع، وتدمير الممتلكات والاستيلاء عليها، واستخدام الأسلحة السامة والكيميائية، والطلقات المتفجرة، والبراميل المتفجرة، والأسلحة الحارقة.
الحرب الأهلية (الاقتتال الطائفي): 


هي نزاع مسلح ينشب داخل حدود دولة واحدة بين فصيلين من نفس الشعب، يسعى كل منهما للسيطرة على السلطة أو جزء منها، سواء كان الصراع دينيًا، عرقيًا، أو أيديولوجيًا، وفي حال فشل المجتمع في بناء هوية وطنية مشتركة، قد ينحدر إلى حرب أهلية (الاقتتال الطائفي) . 

       

إن الثورة في سورية لم تكن نزاعًا داخليًا بين أفراد الشعب، بل كانت مواجهة بين الشعب والسلطة رغم المحاولات الإيرانية والدولية والإقليمية لتغذية الطائفية وتحويل الربيع السوري إلى نزاع ديني وتصوير الثورة كحركة إسلامية، لم يكن هذا هو جوهر الثورة.
تم التلاعب بالمعارضة السورية لتتحول من الثورة إلى أداة مصطنعة تُوجه باتجاهات معينة تحت ذريعة الدعم، بينما كان الهدف الحقيقي هو التدجين والمصالحة مع النظام المجرم، مما أفضى إلى تصنيفها كحزب مُرخص عند النظام، وحاول الداعمون تأجيج الانقسام الطائفي لتعزيز الفتنة، لكن وعي الثوار ورفضهم لهذه المحاولات حافظ على وحدة موقفهم.
       

إن المجتمع السوري في جوهره طائفة واحدة، لكن نظام الأسد حاول تقسيمه إلى طائفتين: طائفة تؤيد الشعب الحر، وأخرى تدعم القاتل المجرم، ومع ذلك، لم يعد الانتماء للطائفة بل للحرية والعدالة الاجتماعية، حيث لا يوجد تمييز طائفي في المطالبة بالحرية.
إن غياب التنظيم المنهجي في الثورة السورية هو أكبر دليل على أنها ثورة حقيقية وليست حركة منظمة، فالثورة ترفض التنظيم القسري حتى يتم التخلص من إرهاب الأسد، حيث ترى أن التنظيم والسلطة حق للشعب، وعلى استعداد لتحمل المسؤولية عند اختيار الشعب لمن يمثله.
       

وحدثت محاولات لحصر الثورة في إطار العمل العسكري فقط، ولكن القوى التي تحمي الثورة هي جزء من مكوناتها، وليست كل الثورة، وبالتالي لسنا أمام انقلاب عسكري، كما أن الأسلحة والقوى كانت غير متكافئة، وفي سورية، هناك 24 وزارة، منها وزارتان فقط تهتمان بالقوى العسكرية والأمنية، بينما يشغل بشار الأسد المجرم منصب القائد العام للجيش والقوات المسلحة. 
تم إجبار المعارضة على تغيير مسارها من خلال التلاعب بها بحجة الدعم، مما أدى إلى خلق معارضة مصطنعة اتجهت في اتجاهات محددة لا تعبر عن تطلعات الشعب السوري الثائر، ومن يمثل الثورة حقًا هو من يلتزم بالمبادئ والقيم الثورية، وليس من يحاول تصدير صورة مشوهة من خلال الإعلام الذي يخدم أجندات معادية للربيع السوري، وهناك العديد من الرسائل الرسمية والبيانات تؤكد دائمًا على وطنية الثورة.
       

حاول النظام المجرم ربط مصيره بطائفة معينة، ودفع باتجاه الاقتتال الطائفي كوسيلة لتفكيك المجتمع بدلاً من تفكيك السلطة المستبدة، وهذا يضاف إلى سجله الإجرامي. لكن هذه المحاولة باءت بالفشل، ويجب عدم الخلط بين النظام السياسي وتوظيفه الفاشل للدين في خدمة أجنداته. 

تعاطي النظام المجرم بالطائفية لا يحوّل الثورة إلى حرب أهلية (الاقتتال الطائفي): 

من حق الشعب أن يقرر مصيره، لكن النظام القاتل يرفض تداول السلطة بشكل سلمي، ويصر على الاحتفاظ بها بالقوة، حيث صرح النظام المجرم بأنه لن يعيد السلطة للشعب إلا عبر الدم، وهذا الوضع دفع الثوار إلى استخدام العنف ليس رغبةً في الانتقام، بل كوسيلة لحماية المدنيين الثائرين، بخلاف النظام الذي يتبنى الإرهاب كسياسة رسمية ويجبر المجتمع على الخضوع لحكمه القمعي تحت تهديد الشك والمؤامرة.
       

ارتكب النظام جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية بحق فئات عرقية، لكنه لم يتمكن من تشويه وحدة الثورة التي ما زالت تتبنى الوحدة الوطنية. من الناحية القانونية، النظام المجرم ما زال يُعترف به في المحافل الإقليمية والدولية حتى اليوم، وحتى مجلس الأمن الذي يُفترض أن يحافظ على السلم والأمن الدوليين، لم يُصدر وصفًا للثورة السورية يضر بمصلحة النظام المجرم.
ووفقًا للفقرة الرابعة من المادة الأولى في البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949، والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية، يُعتبر النزاع المسلح دوليًا إذا كان ضد أنظمة عنصرية، مما يعني أن الثورة السورية تستحق أن تُعامل كنزاع دولي ضد نظام عنصري.


خاتمة:
بالرغم من تدخل القوى الأجنبية ومحاولات التطبيع مع النظام المجرم في سورية لتبييض سمعته والعمل على إفلاته من العقاب، فإن الشعب السوري يرفض الاعتراف بسلطات الأمر الواقع التي يحاول المجتمع الدولي فرضها لترسيخ الفيدرالية وتوصيف الصراع كحرب أهلية (الاقتتال الطائفي)، وهو محاولة لتقزيم الثورة بجعلها مجرد حركة عسكرية.

منذ اندلاع الربيع السوري وحتى اليوم، تم استخدام مصطلحات متعددة لتشويه الثورة، من مؤامرة كونية إلى شغب، ومن حرب عصابات إلى إرهاب، وصولا لما يسمى بالحرب الأهلية (الاقتتال الطائفي)، وكل ذلك في محاولة لتحويلها إلى قضية أمن داخلي تُحل عبر سلطة فاقدة للشرعية ومجرمة بحق الشعب السوري.
       
إن الثورة السورية ليست ثورة طائفية أو قومية أو فصائلية، بل هي ثورة وطنية تهدف إلى تحقيق المواطنة الحقيقية. الحكم عليها يجب أن يكون وفقًا لأهدافها وغاياتها، وليس بناءً على بعض السلوكيات المنحرفة التي تركز عليها وسائل الإعلام غير الحرة. الثورة السورية هي تجربة حية، وشعلة مضيئة، شجرة زرعها الأبطال وسقوها بدماء الشهداء، وثمارها ستعود لكل السوريين.


المراجع:
•    اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949. 
•    دستور الجمهورية العربية السورية لعام 1973.
•    البرتوكول الإضافي الأول لعام 1977 والملحق باتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949.
الفهرس:

الحرية والكرامة تليق بالشعب السوري: الباحث السياسي: أحمد الخالد    1
مقدمة:    1
الثورة السورية:    2
الحرب الأهلية (الاقتتال الطائفي):    4
تعاطي النظام المجرم بالطائفية لا يحوّل الثورة إلى حرب أهلية (الاقتتال الطائفي):    6
خاتمة:    6
المراجع:    7
الفهرس:    7

ليفانت: الباحث السياسي: أحمد الخالد

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!