الوضع المظلم
الجمعة ٢٥ / أبريل / ٢٠٢٥
Logo
الحياة السياسية المنتظرة في سوريا الجديدة
عبدالله تركماني

حوّلت سلطة آل الأسد الدولة من فضاء عام لكل المواطنين إلى فضاء خاص لأهل الولاء للسلطة الأمنية. وهنا تكمن أهمية تقديم رؤية سياسية أخرى لسورية الجديدة، تتمحور حول أسئلة السياسة الرئيسية: تأكيد حيادية الدولة باعتبارها دولة كل مكوّنات المجتمع السوري، والتعاطي مع أسئلة الدولة والمواطنة والحريات العامة والفردية، والسياسة الخارجية التي تخدم مشروع إعادة الإعمار.

فما هي المؤسسات الكفيلة بإنتاج حياة سياسية جديدة لكل مكوّنات الشعب السوري، تكون مؤهلة لإعادة إنتاج الدولة الحديثة، بما يحوِّل حالة الفوضى الراهنة إلى عملية بناء، لا تقوم على الصراع وإنما على عقد الوطنية السورية الجامعة؟ وما الذي ينبغي تغييره؟ وكيف يعاد إنتاج النظام السياسي الذي يؤسس للتغيير بكل مستوياته؟

لا شك أنّ الأمر يتطلب إعادة هيكلة النظام السياسي، وإطلاق حرية تشكيل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وبناء جيش وطني حديث، تنخرط فيه كل مكوّنات الشعب السوري وليس الفصائل العسكرية التي اجتمعت في "مؤتمر النصر" فقط، إضافة إلى ضمانات لانتخابات نزيهة، وعدالة انتقالية، ومصالحة وطنية.

إنّ التحوّل الديمقراطي يحتاج إلى عمل تراكمي متواصل، مما يدعونا إلى عدم الوهم بالتغيير السياسي السريع.
وبعد التغيير لا بدَّ من إعادة تأسيس النظام السياسي، بداية من إعادة تنظيم الإدارة والحياة السياسية، بما يمكّن من توليد مجتمع مدني فعّال وأحزاب سياسية مؤثرة، تنال قدراً كافياً من ثقة المجتمع.

وفي هذا السياق، إذا لم تدرك قوى التغيير الصعوبات التي تكتنف المرحلة الانتقالية، وبلورة مقاربات للتعاطي المجدي مع هذه الصعوبات، من خلال السعي إلى بناء التوافقات الوطنية، فإنّ تحقيق الاستقرار يبدو شبه مستحيل. وهنا تبرز أهمية منظمات المجتمع المدني، التي تعزز القيم الإيجابية بين المواطنين السوريين، من خلال إطلاق الحوار الوطني في القضايا التي تهم الشأن العام.


ومن أجل ضمان حياة سياسية حقيقية يمكن أن نستفيد من خبرة حركات التغيير التي شهدتها دول انتقلت من نظم تسلطية، بمجموعة من الدروس، من أهمها، إنّ التحوّل الديمقراطي يحتاج إلى عمل تراكمي متواصل، مما يدعونا إلى عدم الوهم بالتغيير السياسي السريع.

وباعتبار أنّ الديمقراطية عملية تراكمية، تعتمد على وجود نخب فكرية وسياسية تمتلك ثقافة سياسية حديثة، فليس ثمة ضمان أن يؤدي التغيير إلى تحقيق الديمقراطية مباشرة.

إنّ نجاح عملية التحوّل مرهون بتوفّر التوعية السياسية المكثفة لقطاعات واسعة من الشباب والنساء، وتشكيل كتلة تاريخية واسعة من القوى السياسية العاملة من أجل نجاح هذا الخيار، والاستفادة من الدعم الدولي لما يخدم عملية الانتقال، وقطع الطريق على قوى الثورة المضادة.


إنّ للدولة دوراً مهماً في هذه العملية، من خلال عدم الفصل التعسفي بين السياسة والاقتصاد، والإقلاع عن الوهم بإمكانية إنجاز تنمية اقتصادية في ظل غياب التحديث السياسي.


وفي هذا السياق، بُذلت جهود متعددة لتعريف أدوار الدولة والسلطة الرشيدة، وهي تتراوح بين فعالية الدولة في تأمين الحاجات الأساسية للمواطنين: التعليم، الصحة، السكن، العمل.

وبين حكم القانون ومحاربة الفساد، وصولاً إلى قدرة المواطنين على حرية التعبير. ويبدو أنّ سوريا المستقبل أحوج ما تكون إلى الانطلاق من تعريف هيئة الأمم المتحدة للحق في التنمية "عملية متكاملة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، تهدف إلى تحقيق التحسن المتواصل لرفاهية كل السكان وكل الأفراد، والتي يمكن عن طريقها إعمال حقوق الإنسان وحرياته الأساسية".

إذ إنّ للدولة دوراً مهماً في هذه العملية، من خلال عدم الفصل التعسفي بين السياسة والاقتصاد، والإقلاع عن الوهم بإمكانية إنجاز تنمية اقتصادية في ظل غياب التحديث السياسي.


وهنا تكمن أهمية المقاربة التنموية التشاركية، التي تمكّن المواطنين من المساهمة في إيجاد حلول ملائمة لمشكلاتهم المتعلقة بتأمين حاجاتهم الأساسية.

ليفانت: عبدالله تركماني


 

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!