الوضع المظلم
الأربعاء ٢٥ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
السويداء بين الديمقراطية السورية والفيدرالية
غسان المفلح

الفيدرالية تعني: الاتحاد الاختياري أو التعايش المشترك في "أقاليم" متعددة، على أساس ممارسات الخيار الحر المنصوص عليه في العهود والمواثيق الدوليّة، هذه الممارسات التي يرجى منها تحقيق الأهداف والمصائر المشتركة.

لم يتفق فقهاء القانون الدولي العام في العالم العربي على تعريف موحد للمصطلح الإنجليزي Federal State الذي يقابله بالفرنسية Federal Etate، بعضهم سماها "الدولة الاتحادية" ومنهم من سماها "الاتحاد المركزي" أو "الدولة الفيدرالية" أو "الاتحاد الفيدرالي" إلى غير ذلك من المسميات. ولعل سبب ذلك أن الفيدرالية قد جاءت في معناها الأساس من الغرب (1787 / أمريكا، 1901 / أستراليا، 1917/ المكسيك، 1948/ سويسرا)*. أما اليوم فيصل عدد الفيدراليات في العالم إلى أكثر من 30 دولة اتحادية. وقالت التجارب السابقة واللاحقة: إن الدولة الفيدرالية هي دولة واحدة، تتضمن كيانات دستورية متعددة، لكل منها نظامها القانوني الخاص واستقلالها الذاتي، إلا أنها تخضع، في مجموعها، لدستور فيدرالي، باعتباره المنشئ لها والمنظم لبنائها القانوني والسياسي. كما يحكمها رئيس واحد ولها جيش واحد وعلم واحد ولها حكومة واحدة وتمثيل دبلوماسي واحد.

كي لا نبقى في الإطار النظري سأطرح رأيي سوريا. بداية يمكننا القول ببساطة "إن كل محافظة سورية يمكن أن تكون إقليماً فيدرالياً". هذه المقدمة في الطرح السوري مناسبتها ما أحاول طرحه للنقاش في حراك السويداء. هذا الرأي الذي يطرحه بعضنا قبولاً أو رفضاً، يستخدم مصطلح الإدارة الذاتية. الذي اشتق مما أطلقه حزب العمال الكردستاني التركي في سوريا بعد سيطرته أمريكيا على القاسم الغالب من الجزيرة السورية، التي تحتوي قلة من المناطق الكردية الصافية. لهذا مصطلح الإدارة الذاتية هنا يشمل تقريبا ثلاث محافظات سورية مختلطة الإثنيات والأديان، الحسكة والرقة زدير الزور، إضافة لبعض المناطق من ريف حلب. منطقة شاسعة أقيمت برعاية أمريكية مباشرة، لكن المتتبع لتلك التجربة، يجد أن أمريكا تريد هذه المنطقة لاعتبارات أمنية سياسية وليس لاعتبارات قانونية مجتمعية دستورية. هذا الأمر لا يهم أمريكا مطلقا حتى اللحظة. ليس أدل على ذلك سوى أنها سمحت باستمرار المربعات الأمنية الأسدية القاتلة في القامشلي والحسكة والدير وللحضور الإيراني في بعض ريف الجزيرة، خاصة دير الزور. كل هذا تم في إطار ما سمي المعركة ضد داعش أو التحالف الدولي ضد داعش أيلول 1914. أوروبا الغربية أيضا تدعم تجربة الإدارة الذاتية أيضا، أمنيا وسياسيا فقط. خاصة أنها شاركت في التحالف الدولي. الملاحظة الأساس في هذه التجربة أن الدول الراعية لها، وخاصة أمريكا، تحاول فقط تثبيت الأمور عسكريا كأمر واقع، دون السعي لإنشاء كيانات مؤسسة دستوريا وقانونيا حرا. هذا ما ترك تلك التجربة هشة ومعرضة للانهيار في أي لحظة لأن قوى التحالف هذه تريد تعايش هذه المنطقة مع الأسد، كما أنها سمحت بتسيير دوريات روسية وتركية هناك. أي جعلت المنطقة برمتها إذا أضفنا التواجد الأسدي الإيراني مرتع عمليات عسكرية وتبادل مواقع ومصالح. كما أن سيطرة كوادر حزب العمال الكردستاني في تركيا على التجربة جعلها أيضا أكثر إشكالية، وكأنها لغم متحرك. لهذا من الصعب أن تكون نموذجا لنا، إضافة أن موقفها من الأسدية القاتلة ما يزال موقفا حواريا وتبادل مصالح أيضا على حساب تأسيس كيان فيدرالي حقيقي دستوريا وقانونيا.

هذا ما يرفضه قادة التجربة لاعتبارات تتعلق برؤية العمال الكردستاني لعدوه التركي كعدو مركزي ورئيسي. كل القوى يجب أن توظف من أجل الساحة التركية. أي المنطقة بالنسبة لهم عبارة عن قاعدة لوجستية من أجل هذا الهدف. لهذا فإن هذه التجربة لا يمكن أن تكون نموذجا إيجابيا حتى الآن. لكن استخدام المصطلح سوريا صار عادة أكثر منه تدقيقا منهجيا وتاريخيا.
الوضع في السويداء الآن مختلف كليا، مختلف لأن الحراك الثوري الديمقراطي في السويداء، يطرح برنامجا ديمقراطيا سوريا من جهة، والشارع هناك مع الساحات تحولت إلى نموذج للحراك السوري الديمقراطي. عندما نحاول مقاربة الوضع هناك إنما نقاربه من أرض واقعه ومن خصوصية هذا الواقع هناك على كافة الصعد. السويداء من المحافظات القليلة التي يمكن أن ينجح فيها إقليم فيدرالي. عندما نقول إقليم فيدرالي لا يعني وجود وصفة جاهزة لذلك، بل كل إقليم فيدرالي يمكن أن يشتق قوانينه ومتطلباته انطلاقا من واقعه ومن خصوصيته. سوريا الديمقراطية عندما يكون فيها 15 محافظة، كل محافظة إقليم فيدرالي وفقا لخصوصية كل محافظة وظروفها، وليس وفق وصفة واحدة معممة وجاهزة، بل كل التجارب التاريخية القائمة الآن تكون عبارة عن نماذج يمكن الاسترشاد بها فقط، وليس تطبيقها بحذافيرها. ما أحاول طرحه الآن، إذا كان بمستطاع الحراك في السويداء انتخاب جمعية تأسيسية للسويداء ومكتب تنفيذي له صفة إدارية، مهمته هي إلغاء دور المندوب السامي الطائفي في السويداء والذي عادة يكون رئيس فرع الأمن العسكري، ومنع المخابرات اعتقال أي شخص بناء على قرارهم بل بناء على قرار قضاة السويداء وعلنيا ويخضع لمحاكمة هناك كمتهم. ثم التعامل مع حزب البعث أو البعثيين الذين انضموا للحراك بوصفهم بعثيين لا أسديين. من جهة أخرى محاول فرض علاقة ما مع الدولة السورية ومؤسساتها تأدية الواجبات تجاهها وأخذ حقوق السويداء. ليس مطروح الانفصال هنا، أو تمفصل لا يراعي الوضع الراهن. لماذا هذا الطرح للنقاش؟ لأن حراك السويداء ما يزال وحيدا رغم أن غالبية السوريين المنهكين يرنون إليه أملا. ما أطرحه هنا مقدمة لنقاش أتمنى أن يتوسع أكثر من المهتمين. أيضا هذا النموذج التاريخي هنا يخص السويداء وزخم الحراك الذي يجب أن ينتهي إلى نتيجة أقصاها إسقاط الأسد لصالح برنامج ديمقراطي سوري وأدناها تحويل السويداء إلى إقليم فيدرالي خاص.

ليفانت – غسان المفلح

* من مادة للدكتور عمر الحضرمي

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!