-
المحامية نورا غازي.. واحدة من 14 امرأة مدافعة عن حقوق الإنسان في العالم
سؤال وجواب مع المحامية السورية نورا غازي الصفدي
شيار خليل- خاص ليفانت نيوز
كان شباك الزيارات وغرفة المحامين للزيارات في سجن عدرا المركزي التابع للنظام السوري بريف دمشق يكتظ بالمعتقلين الناشطين والسياسيين، يوم زيارة المحامية نورا غازي الصفدي، التي كانت تحمل قلبها وإيمانها بسوريا معها لتزور زوجها المعتقل باسل خرطبيل الصفدي، وتوزع ابتسامات الحرية على رفاقه المعتقلين هناك.
عملت نورا خلال الثورة السورية على الجانب السلمي اللاعنفي، لتنقل رسائلها الإنسانية ببطء لمحيطها القريب والبعيد، فهي ابنة السياسي السوري مروان غازي، أحد معتقلي النظام السوري السابقين، هي إبنة مدينة دمشق التي تحمل في جوفها أقبية تحتضن معتقلين سوريين.
حملت نورا، وهي المحامية والحقوقية، كما العديد من زملائها المحامين ثقل زيارة المعتقلين في سجن عدرا، والدفاع عنهم، ومتابعة شؤونهم القانونية والاجتماعية من خلف القضبان، فكانت سنداً للمئات من المعتقلين، إلى أن أقدم النظام السوري بخطف زوجها باسل الصفدي، من سجن عدرا المركزي بريف دمشق، ومن ثم إعدامه في إحدى مراكزه الأمنية هناك.
اضطرت نورا لمغادرة سوريا بعد مقتل باسل، حبيبها، زوجها، ورفيقها الذي كان من الأصوات السورية السلمية التي دافعت عن السوريين بداية الثورة السورية، إلا أن نورا لم تقف عند مأساتها تلك، فأصرت على إتمام عملها الحقوقي ونشر ثقافة اللاعنف بين السوريين من الخارج، فعقدت العديد من اللقاءات والندوات عن المعتقلين السوريين، وثقافة المواطنة والإيمان بعدالتنا تجاه مطالبنا، وأسست مع مجموعة من النساء السوريات "عائلات من أجل الحرية" باص الحرية"، ليجوبوا فيها عواصم العالم متحدثين عن أزواجهن وأولادهن المختفين والمعتقلين في زنازين ومعتقلات سوريا.
مؤخراً كُرّمت نورا من قبل منظمة العفو الدولية كواحدة من 14 امرأة مدافعة عن حقوق الإنسان في العالم، فكان لجريدة ليفانت معها هذا الحوار واللقاء، للتعرف على مسيرتها الحقوقية والإنسانية.
-كيف تعرفين القراء على نورا غازي، المحامية والشاعرة والمدافعة عن حقوق الإنسان، وبالطبع ابنة أحد اليساريين السورين المناضلين في سبيل حرية السوريين؟
أنا ببساطة ابنة لمعتقل سياسي سابق من التيار العروبي وليس اليساري بالمطلق, اختارت أن تصبح محامية وهي في الثانية عشرة من عمرها بسبب اعتقال والدها، أنا شخص حاول تحويل معاناته إلى قضية عامة، -مزجتُ حياتي الشخصية مع حياتي المهنية لدرجة لم أعد أنا نفسي قادرة على التمييز بينهما.
أعتقد أني حوّلت حبي السجين إلى قصائد، تحدثت علناً عن كل ما تخشى وتخجل امرأة شرقية عن البوح به، حاولت تحدي السجن والاختفاء والقلق الأمني والإعدام والعنف بابتسامة وثبات، اخترت اللاعنف نهجاً لمسيرتي، تربيت على العروبة وهذا جعلني أشعر بالانتماء إلى كل القوميات وأدافع عنها دون تطرف و تعصب.
-تعرفت عليك خلال اعتقالي في سجن عدرا، حيث كنتِ تسعين وتحاولين دائماً ان تكون الابتسامة على وجهك عندما تقابلين زوجك، باسل الصفدي، أو حتى عندما ترحبين بنا وتزوريننا نحن المعتقلين في السجن، ما سر كل هذه القوة؟
أسباب كثيرة تجعلتني قوية غالباً، أولها حب باسل خرطبيل الذي كان ومازال وسيبقى الدافع الأهم في حياتي، إضافة إلى دعم عائلتي الذي أوصلني إلى ما أنا عليه الآن، دعم وحب الأصدقاء حول العالم، دعم وعطف وامتنان أولئك المئات من المعتقلين وعائلاتهم الذين كنت ولا أزال وسأبقى ناذرة نفسي لهم، دعمك أنت شيار وكل الأصدقاء في السجن، والأغرب أن سرَ قوتي كان سجن عدرا، هذا المكان الذي أشعر تجاهه بالامتنان لأنه المكان الوحيد الذي أتاح لي رؤية باسل.
-رغم القصف المحيط بسجن عدرا في ريف دمشق، آنذلك، إلا أنك كنت تحاولين دائماً الوصول إلى السجن، وأتذكر عندما منعوا الزيارات، وكنت أنت الوحيدة في اليوم الثاني أمام باب السجن، ترغبين بزيارة زوجك، ألم ينتابك خوف من أن تكوني ضحية لتلك المحاولات؟.
لم أكن أخاف حينها لأني كنت مؤمنة ومقتنعة إلى أقصى حد أنني لن أموت بسبب زيارة باسل، كيف أموت وأنا في طريقي إلى الحياة ؟!!
الآن أتذكر كل هذا الرعب وأنا مقيمة في بيروت وأرى الكوابيس بشكل يومي وأخاف، أخاف الآن لأني لست في طريقي إلى الحب، لذا أعتقد أنني سأموت بإحدى طريقتين، إما قتلاً على يد النظام السوري أو بمرض السرطان قهراً.
- كنت تعملين كناشطة حقوقية ومحامية مدافعة عن المعتقلين السوريين، وبنفس الوقت كعضو في هيئة التنسيق الوطنية المعارضة، برأيك هل يتعارض العمل الحقوقي مع العمل السياسي في سوريا؟
كان والدي يقول لي منذ صغري أن السياسة لا تنفصل عن أي شيئ في حياتنا ولم أقتنع حينها، وعندما كبرت وانخرطت في العمل السياسي والمدني أدركت أن السياسة تدخل في كل شيء.
لم أعد عضوة قيادية في هيئة التنسيق، كانت تجربة غنية أفتخر بها وبما تعلمته منها، ولكنني فضلت العمل المدني والحقوقي عن العمل السياسي، وحتى سياسياً أفضل خطي المستقل الذي رسمته لنفسي مع احترامي للجميع.
-هذا الجبروت، وهذه القوة في التعامل المعرفي والحقوقي والسياسي، هل كان لمروان غازي، والدك أثر فيه؟
مروان غازي ليس فقط سبب الجبروت كما سميته والمعرفة الحقوقية والسياسية التي أملكها، هو السبب الأساسي الذي رسم مسار حياتي منذ صغري دون أن يدري أو يقصد.
مثلا أنا أدخن بسبب تأثير مروان غازي لأنني أردت تقليده في كل شيء رغم أني من جعلته يقلع عن التدخين، تعلمت منه كيف يتعامل مع سجانيه، تعلمت منه أن السجان ضحية كما السجين.
وهناك أيضاً القدّيسة أمي التي تركت العمل السياسي والمدني بسبب حملها بي، إذ أني الابنة الأكبر وأرادت أن تصبح أماً لي ولأخوتي فيما بعد، وفي معظم مراحل حياتي كانت أماً وأباً لي بسبب غياب والدي في الاعتقال والملاحقة، تزوجت باسل في السجن بسبب ما تعلمته من أمي عن الحب والإخلاص.
-ماذا عن باسل خرطبيل، حبيبك، وزوجك، حيث كنتما تشاركان معاً كل شيء، الألوان والشعر، والترجمة، والمعرفة الإلكترونية، كل شيء، هو من داخل السجن وأنت في الخارج؟.
إذ يصادف اليوم ذكرى زواجنا، لا أستطيع إلا أن أبكي وأنا أقرأ سؤالك، باسل أغلى وأهم ما في حياتي
سأترك لك الإجابة شيار فأنت أكثر من يعرف.
هل مازلتِ تكتبين له، وتسمعين أغانيه المفضلة، وتزورين الأأماكن التي كان يتحدث عنها باستمرار؟
توقفت بشكل شبه كامل عن الكتابة لباسل، لا زلت أحدثه، آخذ رأيه في كل المواضيع، أتشاجر معه، أغضب منه، أصالحه، أتحدث عنه وأفكر فيه كل الوقت، أستمع إلى ما يحب من أغاني، آكل الأكلات التي يحبها (بامية) وبطريقة ما أنتظره.
--نورا، بعيداً عن الإيمان بعملك، وبالعدالة من جانب حقوقي، بعد كل ما شاهدتيه ومررتي فيه، ألا تشعرين أن العدالة اختراع أممي سياسي، ولا يتحقق بسهولة بالنسبة للمناضلين الحقيقيين عن حقوق الناس؟
العدالة هي الهدف الأسمى في البشرية، هي الكمال، هي الحل والخلاص.
للأسف يتم تسييس العدالة ، تمييعها ، توجيهها، العدالة هي في اللاعنف، في نبذ قاعدة العين بالعين، في عدم التحول إلى وحوش جديدة ورفض الانتقام، العدالة هي الحب، التسامح، قبول الآخر وسلطة القانون غير المنحاز، العدالة التي نريدها هي حلم وربما وهم، العدالة بالنسبة لي أن أحيا مع باسل وأنجب منه بنيتن كما حلمنا .... كيف تتحقق؟!!
- هل المدافعات السوريات حققنا جزءاً من تلك العدالة لبعض السوريين، ولو كنتاج معرفي للعالم؟
السوريات والسوريون أيضاً، قدموا نتاجاً رائعاً للبشرية وليس فقط لسوريا، المعاناة تخلق الإبداع، المعاناة سلسلة تتناقلها البشرية من مكان لمكان ومن وقت لوقت ومن جيل لجيل، آمل أن تكون معاناتنا سبباً لوقف معاناة الأجيال القادمة.
-هل هناك تحديات تواجهها المدافعات عن حقوق الإنسان والعاملات بالشأن السوري تحديداً، مثل التهميش والتمييز والإقصاء، وضغوط من جانب الأسرة والمجتمع؟
بالطبع هناك تحديات يواجهها الجميع رجالاً ونساءً، ولكن نظراً لخصوصية وضع المرأة تحديداً في مجتمعاتنا، فهي تواجه تحديات من طبيعة مختلفة، بسبب النظرة النمطية للصورة النمطية التي يراها المجتمع وأحياناً الأسرة.
المدافعات يواجهن الأسرة والمجتمع والأنظمة الديكتاتورية، فتحية لهن، لأنهن صانعات التغيير، وهنا أود توجيه تحية لعائلات المدافعات الذين يواجهون معهن هذه التحديات.
-برز في الحراك السوري العديد من النسويات السوريات المدافعات عن حقوق الإنسان، والمعتقلين، والعمل على تحقيق العدالة بالنسبة لهم، هل برأيك هذا جزء من الانفتاح السوري على الحريات العامة، أم أن ذلك التراكم المعرفي خلال الثورة السورية والظلم الذي تعرض له السوريين دفع بالمرأة السورية للعمل بكثافة على هذا المجال؟
كثيرة هي الأسباب التي دعت النساء السوريات ولا أريد استخدام كلمة نسويات للنضال من أجل قضية الاعتقال، منها أن معظم المعتقلين من الرجال لذلك وقع العبء على النساء، منها أن تلك النساء أساساً صاحبات تجربة اعتقال سابقة، لديهن المعرفة، لديهن هذا الصبر والإصرار على التعلم والتطور، لديهن تلك القدرة العجيبة على عدم الاستسلام، ولديهن القدرة على التأثير بسبب توازن العقل والعاطفة واستخدام أساليب لاعنفية.
-حدثينا عن تجربتك في باص الحرية، أو عائلات من أجل الحرية، حيث زرتم عدة عواصم عالمية، للتوعية بقضية المعتقلين.
هي من أهم الإنجازات في حياتي، هي عائلتي الثانية، فخورة جداً بأننا أول حركة من عائلات الضحايا وبعدها تأسست العديد من حركات العائلات، فاستطعنا وأياهم فرض أنفسنا ودورنا كعائلات في كافة المحافل الدولية وحولنا قضية الاعتقال في سوريا إلى قضية رأي عالمية.
-أنت الآن المديرة التنفيذية لمنظمة “نوفوتوزون”، ما هي مهمة هذه المنظمة العاملة في الشأن الحقوقي، وتحديداً في الشق الخاص بسوريا؟
تعمل "نوفوتوزون" على تقديم الدعم والتمكين القانوني للمعتقلين وعائلاتهم إضافة إلى المناصرة ورفع الوعي عن قضيتي الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري في سوريا، كانت فكرة بيني وبين باسل قبل اعتقاله واستطعت برفقة ناشطين لا عنفيين آخرين إطلاقها منذ عام ونصف.
من خلال هذه النشاطات نعمل على تعزيز دور النساء قريبات المعتقلين عن طريق بناء القدرات والايمان بقدرتهن ودورهن الريادي في النضال لهذه القضية، استطعنا خلق مكان آمن كعائلة بين جميع شبكاتنا في لبنان التي وصلت لحد الآن إلى أكثر من 300 شخص معظمهن نساء.
نركز على التجارب اللاعنفية في العالم وأهمية دور النساء بها، جمعنا موالاة ومعارضة، جمعنا سوريات ولبنانيات، ونحن فخورون بهذا.
هدفنا الأساسي هو ما نسميه العدالة قصيرة المدى، ما يعني رعاية وحماية جميع المعتقلين وعائلاتهم حالياً وتعويضهم وتأهيلهم كمرحلة وخطوة من مراحل وخطوات العدالة الانتقالية، ربما هي أولوية أكثر وممكنة أكثر من المحاسبة بالنسبة لتلك العائلات.
-اختارتك “منظمة العفو الدولية” كواحدة من 14 مدافعة عن حقوق الإنسان حول العالم، ماذا تحدثيننا عن عن هذا التكريم وأهميته لتاريخك ونضالك الحقوقي؟
لا شك أن هذا التكريم مهم جداً لي من الناحية النفسية والمهنية، خاصة مع احترامي الكبير لمنظمة العفو ولتاريخ عملي الذي يشرفني معهم وهو حافز لي للاستمرار والتطور.
أعتبر هذا التكريم، تكريماً لكل النساء المعتقلات وعائلات المعتقلين الذين تشرفت بالعمل معهن، كما هو تكريم لزميلاتي في حركة عائلات من أجل الحرية وفريق نوفوتوزون.
- هل هناك ربط واقعي بين الشعر الذي تكتبينه، وعملك الحقوقي، أي هل لنا أن نقول أن الشعر والقصص الوجدانية، تعزز القضايا المصيرية والحقوقية بالنسبة لك؟
اعتقد أنه لا يمكن فصل الحالات الوجدانية عن أية حالة حقوقية أو سياسية، المعاناة الشخصية هي جوهر القضايا العامة، القضية العامة هي مجموعة قضايا خاصة، لها أبعادها الشعورية أولاً والتي تحولها فيما بعد إلى أبعاداً نضالية.
هذا تماماً ما نحاول فعله في "نوفوتوزون"، وما فعلته في شقي حياتي الشخصية والمهنية (جمعهما معاً)، بذلك تضمن التأثير العقلي والعاطفي، الضميري والفعلي، العام والخاص، الاقتناع والتعاطف.
-أخيراً، ماذا تودين أن تخبري عائلات المعتقلين والمعتقلات السوريين لدى التنظيمات المختلفة في سوريا، ومالرسالة التي توجهينها لهم؟.
هذا السؤال الأصعب، ليتني أستطيع تقبيل جبين كل معتقل ومعتقلة، كل عائلة، أريد القول لهم أن الألم يجمعنا كما سيجمعنا الانتصار يوماً ما، الانتصار لإنسانيتنا، أنتم من يدفع ثمن هذه المعاناة وانتم من يحق له تحديد مطالبه وحاجاته وتمثيل القضية في كل مكان.. ما نعمله الآن سنحصد نتائجه يوما ما، ربما ستكون معاناتنا سبباً لتوقف الاعتقال والاختفاء في سوريا والعالم في المستقبل ... لا بأس إن تألمنا إن كان ألمنا سببا لحرية الآخرين .... وأخيراً ، لا تصبحوا مثل المجرمين، حافظوا على النقي والبراءة في قلوبكم .
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!