الوضع المظلم
الخميس ٢٦ / ديسمبر / ٢٠٢٤
Logo
انتخابات جمهورية الخوف
عمار ديوب

بدأت الانتخابات الرئاسية في سوريا، وكي لا تكون تجديداً للبيعة، أُكمل المشهد بمرشحين تابعين لأجهزة الاستخبارات، وهو ما فعله بانتخابات 2014، استناداً إلى دستور 2012، لإضفاء شرعية لحكمه بعد اهتزاز صورته على إثر انتفاضة السوريين، وبذلك لا يشذُّ النظام عن تاريخه الأمني، منذ أن تشكل في السبعينات.


ربما كان الروس أصحاب المشورة في تمثيلية الانتخابات هذه كذلك، فشكليتها هامة للتجديد ودعم سرديتهم بأنّ النظام شرعي والرئيس شرعي، وعلى العالم أن يتعامل مع الروس وفقاً لذلك. أقول مع الروس لأنّهم هم الآن من يبيع ويشتري بخصوص كل الأوضاع السورية.


الانتخابات "المرفوضة" سوريّاً، لا تترجم واقعياً كذلك لدى الموالين، الذي كانوا يأملون بحياةٍ مختلفة بعد نصرتهم الطويلة للنظام؛ فإذا بهم يقادون للتجديد!. سينتخبونه ولا شك، وليس لأنّهم مقتنعون بضرورة ذلك؛ لا لا، بل لأنّ الخوف ما زال يعشش بأفئدتهم، ولأنّهم مراقبون جيداً، ولن أتكلم عن فشل المعارضة في استقطابٍ سياسي لهم. هنا من غير اللائق توجيه الانتقادات للموالين الذين سينتخبون، وتحديداً غير المستفيدين "نهباً وفساداً" من النظام، فهم خائفون ولا شيء آخر. لو أتيح لهم أن ينتخبوا بأجواء "ديموقراطية" لما فعل ذلك أغلبيتهم، ولكنهم، وبعد تاريخ من القمع، ومما رؤوه من كوارثٍ وقتل وتهجير وانعدام البديل الديموقراطي خلال السنوات العشر، فهل سنتوقع غير ذلك الانتخاب؟


هناك مقولة كُررت بغير وجه حق، وفيها حمولة أخلاقية غير واقعية، وتقول إنّ الصمت السياسي قد كُسر مع الثورة في 2011، وأنّ الشعب لن يعود إلى خوفه وصمته ورعبه وقطيعيته. إنّ تلك المقولة ليست صحيحة، وتصبح كذلك حينما يتغير النظام فعليّاً؛ قبل ذلك يمكن للصمت أن ينكسر عند بعض الشعب، سيما إن خرجت مناطق واسعة عن سيطرة النظام. إن كسر الصمت قضية تتعلق ببروز وعي عقلاني وثوري بحق، يعي جيداً حقوق الأفراد وواجباتهم، ويتحقق بشرطٍ اجتماعي جديد يقول بإمكانية الانتصار على النظام وتغييره. الحرب في سوريا، ورداءة المعارضة وعدم حيازتها على مشروعٍ وطنيٍّ وله مصداقية ديموقراطية أو قيادة جامعة، لا تدعم تشكل تلك القدرة العقلية الجادة، ليس على رفض الانتخابات، بل ورفض النظام بأكمله.


التقارير الاقتصادية تؤكد انهيار الوضع الاقتصادي لما يفوق الـ85 بالمائة من السوريين، وانسياقاً مع ذلك يجب ألا ينتخبوا بشار الأسد من جديد، ولكننا الآن نشهد عملية تأييد له، وبعد أيام سيتم انتخابه بنسبٍ كبيرةٍ وستتجاوز الـ70 بالمائة، وهذا يعني أنّ الموقف السياسي لا يرتبط آلياً بالوضع الاقتصادي، وإنما بمسائل لها علاقة بالقمع والولاء والخوف وفشل المعارضة. ضمن ذلك علينا تفكيك مواقف السوريين، وليس الانطلاق من رؤية أخلاقية متكلفة تُندّد بالموالين والذين انتخبوه أو سينتخبوه.


دوليّاً، ما تزال الانقسامات مستمرة حيال النظام، وما تزال أمريكا وأوروبا ومعهم تركيا، خاصة، ترفض شرعنة النظام أو أيّة خطوات سياسية يتخذها، ومنها الانتخابات الجارية. هذا لم يتغير منذ سنواتٍ، وليس دقيقاً الإشارة إلى تغييرٍ إيجابيٍّ إزاء النظام بسبب عدم إصدار إدارة بادين لائحة عقوبات جديدة وفق قانون قيصر، أو تأخرها في إصدار سياسة جديدة تجاه الوضع السوري. الموقف الأوربي لا يشذُّ كثيراً عن الموقف الأمريكي، وسماح فرنسا وسواها للموالين للنظام بانتخابه، وعكس ألمانياً مثلاً، لا يعني "انشقاقاً" عن الأمريكان، وهي من ألاعيب السياسة الفرنسية تاريخياً.


عربيّاً، لا تستحق مواقف الدول العربية تقييماً يذكر، وسواء منها الموافقة على تلك الانتخابات أو الرافضة؛ فهي تدور في إطار سياسات الدول الإقليمية أو العالمية، وبالتالي سواء شرعنت النظام أو أبقت القطيعة معه فليس في الأمر جديدٌ يُغيٍّر من حالة الاستنقاع التي دخلت بها سوريا، "المقسمة" إلى مناطق ثلاث، ومناطق النظام تحت هيمنة الاحتلال الروسي الإيراني.


الاحتلال الأخير، وسيطرته على معظم أوجه الحياة في سوريا "الأسد"، يُفقد تلك الانتخابات شرعيتها، فهي لا تستند إلى الشعب، كمصدر أوّل في شرعية الأنظمة. هذا ليس تحليلاً، بل هو تقرير للواقع الميداني؛ ولهذا أشرت إلى سببٍ روسيٍّ للانتخابات. وبالتأكيد هناك تأييد إيراني كامل لها، حيث إنّ الأخير، وفي حال إجراء أيّة تسويةٍ للوضع السوري فإنها ستتسبب بتخفيف وجود إيران في سوريا، وربما تدفع التسوية نحو محاسبتها لدورها في دمار سوريا وتخريب البينة الاجتماعية ودعم النظام ضد مصالح أغلبية السوريين.


ليس هناك من صمتٍ مطلق في سوريا، فمؤخراً ارتفعت أصوات رافضة لرفع أسعار المحروقات في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية "الكردية" فتراجعوا عنه، وارتفعت أصوات عديدة، وفي أكثر من تظاهرة في مناطق هيئة تحرير الشام، ولكن لم تتم الاستجابة لمطالب الناس، وأصوات مدينة درعا أو السويداء أيضاً لم يستجب لها النظام. في بقية مناطق سيطرة النظام أو سيطرة فصائل الجيش "الوطني" الخاضعة لتركيا، لا تلبي المطالب الشعبية، بل ويتفننان في الإساءة للناس والتشدد إزاءهم. لو أضفنا لكل ذلك، ضعف المبادرات الشعبية المطالبة بالحقوق -خارج سوريا- من هيئات تمثل الثورة، بل وحتى ندرة تشكل التحالفات السياسية الرافضة للهيئات المكرسة لتمثيل الثورة أو عدم تشكل قوى سياسية جديدة؛ أقول كلها مؤشرات توضح أوجه ذلك الصمت: قلة الوعي، الشعور بالهزيمة، الخوف من التغيير، ضعف القدرة على المواجهة، ندرة النفس الطويل إزاء الأزمات، والخروج منها.


الآن يحاول النظام وأجهزته الأمنية (الأمل بالعمل) أي بالأكاذيب وأن الواقع سيتغير. أغلبية التحليلات الاقتصادية تميل للتأكيد أن أزمات الخبز والوقود وانهيار الأوضاع الاقتصادية والخدمات، ستزداد، وقد تشهد قفزات بعد نهاية الانتخابات وعيد الفطر. إذاً الانتخابات لن تُنقذ سوريا والسوريين، والضغط الأمريكي على روسيا لن يتزحزح، والأخيرة ما زالت تحاول، وآخر محاولاتها الفاشلة كما قلنا الانتخابات ذاتها، ولكن كلّه عبث بعبث.


لا يمكن لسوريا البقاء في الثلاجة الروسية، واستمرار مناطق النفوذ الثلاثة، وستفشل الانتخابات "الديموقراطية" في إخراج الزير من البير وتطويب سوريا له، وهذا سيدفع من جديد نحو تسويةٍ سياسيّة. صحيح أنّ هناك وقتٌ طويلٌ مرَّ، والوضع على هذا النحو، ولكن تفاقم الأمور سيجبر الروس لا محالة على جديدٍ سياسيٍّ قادمٍ، وبالتأكيد ليست الانتخابات مفتاحه، فهل تتأخر التسوية في سوريا؟ كل الاحتمالات ممكنة في ظل غياب الحديث عن التسوية وبقاء أحوال النظام والمعارضة على حاليهما.



عمار ديوب



ليفانت - عمار ديوب

كاريكاتير

من وحي الساحات في سوريا

النشرة الإخبارية

اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!