بستان فؤاد غازي.. عندما قطفنا من وروده في الخفاء والعلن

فؤاد غازي(فقرو)، ستبحث عن هذا الاسم في الويكيبيديا الإنكليزية لن تجد شيئاً، صفحة مع صورة منخفضة الجودة بخلفية صفراء باهتة ولاشيء آخر، في الصفحة العربية سنقرأ خمسة أسطر وأشهر عشرين أغنية له.

مطرب أمضى خمسين عاماً يغني منذ عام 1961 وهو المولود في 1955. هرب من فقر الغاب إلى العاصمة دمشق، غادر فؤاد غازي، كما كان يروي لزوارٍ له في منزله بدمشق: "غادرت الضيعة كي ارتدي بنطالاً كأي إنسان في المدينة. غادرت كي أؤكد لأبناء المدن أننا لسنا على الهامش، وأننا قادرون على مجابهتهم في قلب مدنهم.. نجحت في ذلك، لكنني فشلت في تقدير نفسي فيما بعد".

من منا لم يتعب في مشوار حياته أو في مرحلة ما حتى لو كان تعباً بسيطاً، تعب في الحياة أوالعمل والحب، والقلق على الأهل والأحبة والأصدقاء، عند هذا التعب وأنت وتجلس وحيداً قد تتذكر فؤاد غازي (فقرو) في أغنيته "تعب المشوار" أو صبر أيوب.

أصبح فؤاد فقرو مطرباً في إذاعة دمشق مطلع الثمانينيات. ويرى الفنان محسن غازي صديقه، أنه لا أحد استطاع أن يوازي أداء فؤاد غازي لأن صوته مختلف وهو موهبة نقية وصافية واللون الجبلي الذي غناه كان فريداً من نوعه لأن الأصوات النقية والصافية ظاهرة استثنائية لا تأتي دائما.

أحزنني ألّا يُوثق في النسخة الإنكليزية كما يجب. لاحظت الأمر مع عدة أسماء سورية، ربما مبادرة لتوثيق كل هذه الأسماء السورية في ميادين مختلفة بالشكل الأمثل، تصبح الإحاطة المقبولة حول فنان سوري، أديب، مفكر، كاتب، أكاديمي، وعالم،.. مسألة تحتاج وقتاً من البحث.

لم أسمع من أقراني في مدينتي محبي اللون الجبلي وهم اثنين على أي حال من كنت أتردد إليهم يجبروني على الاستماع للعتابا والأغنية الشعبية، إلا نسبة فقرو وكنت أظن أنها كنية كأي كنية وليست نسبةً إلى مسقط رأسه في سهل الغاب كما أخبرني لاحقاً بعد سنوات بتفاخر لطيف صاحب مطعم في ريف دمشق سمعت عنده كاسيتات عدة لفؤاد فقروا في أثناء تناولي وجبة غدائي المتواضعة.

بينما أعد التقرير، تذكرت عام 2001 عندما كانت في بداية سنتي الأولى في الجامعة. ترددت على مدى شهر إلى مطعم متواضع في منطقة معضمية الشام بينما اشتبك مع سندويشة فلافل اسمع أغنيات شعبية ومواويل من مسجلته. كان شغوفاً بالطرب الشعبي؛ يستمع دائماً لعادل خضور بالمقدمة وفؤاد فقرو وعيسى نعوس وأسماء أخرى كانت حاضرة في ذلك الوقت.

اشتهر اللون الشعبي بالموال والعتابا والميجانا في الساحل السوري كما في سهل الغاب مسرح فؤاد فقرو الأول الذي شهد انطلاقته في الحفلات الشعبية بدءاً من قريته فقرو ناحية سلحب؛ فالمنطقة كلها وصولاًً إلى دمشق ليتعرف إليه كل السوريين بعد ظهوره على شاشة التلفزيون السوري.

أعرف بعضاً من أغاني فؤاد فقرو الذي حظي بشهرة كبيرة في ثمانينات القرن الماضي، لكنني أعدت الاستماع له فتذكرت بعضاً آخر وتعرفت إلى أغنيات جديدة علي. بدأ مسيرته كروان الجبل كما لقبوه من الحفلات الشعبية والمناسبات. كما فهد بلان التقى الملحن السوري عبد الفتاح سكر في أغنية «لأزرعلك بستان وروود» التي لاقت نجاحاً واسعا.

تعاون مع معظم الملحنين السوريين مثل سعيد قطب وسهيل عرفة وابتعد عن الأضواء منذ منتصف التسعينيات بلا سبب أو ظهور سوى العمل في الحفلات، كما لو أنه تعب من المشوار في عالم الطرب والحب قد تعب كما غنّاه في أغنيته المشهورة.

أنتج التلفزيون السوري فيلماً تسجيلياً عن فؤاد غازي تكريماً له في حياته. وصُوّر الفيلم بين فقرو ودمشق. وأطلق عليه أكثر من لقب مثل ملك العتابا وكروان الجبل ومتزوج وعنده ثلاث أبناء فادي وفرح ومرح.

وسبق له أن مثل في الفيلم السوري حارة العناتر و كان الفنان فؤاد غازي قد أصيب بسرطان في الحنجرة منعته عن الغناء حتى وفاته.

أعماله التلفزيونية والسينمائية

مسلسل حارة الطنابر:

عُرض 2000 من تأليف أسامة لكاني وأديب السيد، وإخراج أسامة ملكاني.

مسلسل حمام الهنا:

عُرض عام 1967؛ تأليف وإخراج أسامة ملكاني، وشارك في التأليف أديب السيد، بطولة دريد لحام، نهاد قلعي، رفيق السبيعي، وهالة شوكت وغيرهم.

فيلم حارة العناتر:

عرض 1980، تأليف وإخراج أسامة ملكاني، وشاركه في التأليف أديب السيد، والفيلم من بطولة ناجي جبر، وياسين بقوس، وناهد الحلبي، وفؤاد غازي.

فيلم اتفضلوا ممنوع الدخول:

1984م، للمخرج أسامة ملكاوي، وتأليف أديب السيد، وبطولة ناجي جبر، ياسين بقوش، هدى شعراوي، فؤاد غازي، سلوى سعيد.

أشهر أغانيه:

الأغنيات التي كنت أعرفها وهي الأكثر شهرةً، تعب المشوار كلمات حسين حمزة وألحان زهير عيساوي، وصبر أيوب كلمات عبد الجليل وهبة وألحان سهيل عرفة، وما ودعوني كلمات ضياء الربابي وألحان عبد الفتاح سكر. وهناك أَغَانٍ كثيرة ومواويل أكثر:

لا بالله يا أهل الدار، صف الفشك،

خطي يا أهل الله، يا زمان، حلمك علينا يا بحر، بعد زمان، جدولاتك مجنونة

لزرعلك بستان ورود، هِيّا هِيّا يا بنيّة، حنّي شوي، يا أم النظرات الحلوة، يا أسمر

عيونك مين الـ علّما، سكنتك قلبي من جمعة، لو بعرف أعزُف عالعود، يا بلادي زهورك بستان، على حبك فيقتيني...

اشتهر "غازي" بالمواويل والعتابا أيضاً، فكانت ملعبه وأستاذاً للأجيال بعده رددها كل مطربي اللون الشعبي في سوريا ولبنان وصولاً إلى فلسطين.

وصف الملحن الراحل سهيل عرفة صوت فقرو بالمميز الذي لم يستطع أحد تقليده. واعتبره أهل الموسيقى محسوباً على مدرسة العملاق وديع الصافي، إلا إن له صوته الخاص والمميز.

وقال عرفة: "قدّمت أكثر من عشرين لحناً لفؤاد غازي، أوّلها لحن أغنية (لا لا على فراقك لا لا)، ثم (لو بعرف أعزف على العود) و(يا أم النظرات الحلوين) و(صبر أيوب)، وغيرها التي تعود في معظمها إلى سبعينيات القرن الماضي.

ما يميّز فؤاد غازي وفق عرفة، أنه كان يؤدي أغانيه بفطرة وإحساس عاليين ورائعين، والدليل على ذلك أنه على بالرغْم من رحيله، ما يزال حاضراً بما قدّمه، لأنه غنى بصدق فني.

فؤاد غازي في المستشفى يعايده أصدقائه بينهم الفنان وصديقه الروحي محسن غازي

عندما كُشف عن مرضه جرت مطالبات شعبية بمعالجته، قال صباح عبيد نقيب الفنانين الأسبق، أنه شخصياً، وبتكليف من مسؤول بارز في الدولة، تكفل بعلاج فؤاد من حساب النقابة، وقال عبيد: للأسف جاءت كل التقارير لتؤكد استحالة شفائه من المرض، لكننا خصصنا راتباً شهرياً له من النقابة، وسنلتزم بكل ما يحتاجه طوال حياته.

توفي فؤاد فقرو (أبو فادي) ملك العتابا والموال كما وصفه الراحل وديع الصافي، وله ثلاثة أولاد، فادي ومرح وفرح في مشفى الكندي بدمشق 02 08 2011.

ليفانت _ خاص