-
تحديد موعد رحيل الأسد
منذ بداية الثورة في آذار2011، كان سقوط نظام الأسد هو حلم جميع القادة الغربيين، الذين كانوا يأملون _كما السوريين_ في ذلك الوقت أن يحدث في غضون أسابيع قليلة.
ولأنّ الرياح تهبّ دائماً لا كما تشتهي السفن، استمرّت الثورة وتحوّلت إلى صراع مسلّح، بعد أن أمعن الأسد وأجهزته بالتنكيل بالثائرين، واستعان بقوى خارجية لقمع السوريين الأحرار كما نعلم جميعاً.
ما زاد الطين بلّة، حالة التشرذم التي شهدتها المعارضة السورية في الخارج، منذ بداية تشكيل المجلس الوطني حتى اليوم، فلم تستطع هذه المعارضة أن تنتج بديلاً حقيقياً تقدّمه للغرب وللداخل، سواء كشخص يحلّ محل الأسد، أو كمشروع تنظيمي متكامل يمثل اليوم التالي للنظام في سوريا، هذا الأمر الذي وعلى ما يبدو مايزال بعيد المنال عمّن يمثل السوريون كمعارضة رسمية معترف بها دولياً.
لم تستطع المعارضة السورية بشقّيها الرسمية والمستقلة، أن تصل إلى نقاط تقاطع أو لقاء، لتجنّبت البلاد مزيداً من الدم، فبقيت متصارعة فيما بينها وبات كلٌ منها مرهون لدولة إقليمية ما، تعمل وتسعى جاهدةً لتحقيق مصالح واستراتيجيات هذه الدول، على حساب المصلحة السورية.
في ذات الوقت، أفرغت البلاد داخلياً من المعارضة الحقيقية، وأُبقيت تلك الأصوات الخجولة التي ترى الإصلاح مع بقاء الأسد، ذروة مطالبها.
أما على أرض المعركة فقد كانت المعارضة الداخلية هي في الغالب إسلاميّة راديكالية، وتنقسم بشكل تخطيطي إلى كيانات أعلنت عن نفسها بأنّها تتبع للتنظيم الأشهر منذ بداية هذا القرن (القاعدة) مع اختلاف التسميات، وفصائل سلفية أخرى، ومن ثم داعش الذي قدم نفسه كدولة، وكان في حيثيات عمله على الأرض، يقاوم السوريين الأبرياء والثوار وليس النظام، إلا فيما ندر، بل إنّه ساهم في تشويه صورة الثورة، وصورة الثوار، وأرعب السورييين والعالم معاً، ليصبح الأسد خياراً استراتيجياً للغرب بالمقارنة مع التنظيم المرعب الجديد.
اليوم تنقسم أسرة الأسد على نفسها، ضمن ما أراه، تصفية حسابات لا أكثر، فخروج رامي مخلوف بما تيسر من الثروة ضمن مسرحية الخلاف، وبصورة أنّه لا يمثّل النظام، من شأنها أن تنقذ بعض مليارات الأسد من العقوبات الدوليّة، ومن المحاسبة المالية إن تمت، في حال رحل الأسد، وهو _أي رامي_ من أولئك الذين استفادوا بشكل كبير من السياسة الاقتصادية الجديدة التي تمّ وضعها منذ عام 2000، عندما تولّى بشار مقعد الرئاسة، كسياسة اقتصادية جديدة تتسم بالرفع من القيود والخصخصة والانفتاح على اقتصاد السوق.
وهذا بالنسبة لي أراه مؤشراً مفائلاً لرحيل قريب للأسد، الذي باعتقادي بدأ يفكر جديّاً بالتنحي أو الاستقالة أو حتى الاختفاء المفاجئ خوفاً على سلامته الشخصية وسلامة عائلته وأمواله التي نهبتها أسرته خلال خمسين عاماً، خاصة بعد التردّي الاقتصادي في سوريا، البلد الذي بات على شفير كارثة، ولم يعد للأسد مصلحة في الاستمرار في حكمه.
بداية الثورة كان يتسرّب بعض الكلام من الأعوان المقربين للأسد بأنّه لن يسلّم البلد إلا خراباً، وبالفعل باتت البلاد خراباً.
وعليه فقد يكون لدى بشار الأسد فكرة جيدة لمكان التقاعد، وترشّح بعض المعلومات بأنّه فعلاً لديه خيار بين طهران وشبه جزيرة القرم بحماية الدولة التي سيختارها.
ولكن وبالنظر إلى الضغط الحالي، والتسريبات الأخيرة من وكالة الأنباء الروسية، والتي ادّعت أنّها كانت مهكرة وليست تصريحات حقيقية، والتقرير الاستراتيجي الروسي والذي تم تسريبه عن عمد، بوجود خطة روسية للتخلي عن حكم بشار ودعم مشروع انتخابات ودستور وقواعد حكم جديدة في البلاد فإنّ ردّ فعل موسكو وطهران لن يحقق للأسد هذه الغاية، على الأقلّ في الوقت الحالي.
ويمكننا من ذلك قراءة أن لتكثيف النقد من الصحافة الروسية أن يوضح نفاد صبر فلاديمير بوتين، وبات يبحث عن مخرج مناسب، يبقي مكاسب موسكو في سوريا، ويضمن مصالح إيران وإسرائيل معاً.
ومع ذلك، وعلى المدى المنظور نسبياً، قد يكون هذا الحل ممكناً، ولكن سيتم استبداله بعد ذلك بشخص من معسكره الخاص، وهذا ما تم تداوله في فترة من الفترات، أن يكون البديل هو اللواء المقرّب من روسيا سهيل النمر، على سبيل المثال.
إذاً، ماذا يجب أن نفعل؟
روسيا تجد فى سوريا مركزاً لنفوذها فى المنطقة، ومنفذها على المياه الدافئة الحلم بالنسبة لها، كما أعطاها التدخل في سوريا أوراقاً رابحة في علاقاتها الدولية كافة، فعادت من البوابة السورية لتفرض نفسها كدولة عظمى من جديد، بعد أن خسرت هذا الدور منذ سقوط الاتحاد السوفيتي.
أما إيران، فإنّ سوريا هي المدخل الثاني بعد العراق لتحقيق حلمها بإنشاء الهلال الشيعي في مواجهة السنة السياسية في كامل المنطقة، وورقة لعبٍ مع إسرائيل والولايات المتّحدة.
ولا ننسى اللاعب الأساسي في مصير سوريا، إسرائيل، الجار الآمن لسوريا منذ ما يقترب من خمسين عاماً، فما دام الحكم في دمشق لا يسعى لشنّ حرب على إسرائيل فلا ضير من بقائه ولو دمر سوريا وأباد السوريين.
كل هذا يجعل هؤلاء يصلون إلى نتيجة مفادها أنّ شخص الرئيس، لم يعد مهماً إن وجد بديل يحافظ على مصالح الجميع، وبشار الأسد لم يعد مناسباً لهذه اللعبة.
فالمطلوب من رأس النظام السوري أن يكون مقبولاً شعبياً، وعالمياً، وهذا ما بات مستحيلاً لبشار الأسد أن يحققه بعد كل هذا الدم.
وألا يكون الشخص الجديد المرشح لاستلام الحكم عبئاً على الروس والإيرانيين الذين بدؤوا بالشعور بالضغط من ارتفاع تكلفة فاتورة الحرب السورية، ويواجهان متاعب اقتصادية داخلية في بلادهم.
وللتخلّص من هذا العبء سيكون على روسيا، أولاً، أن تُخرج إيران مقابل ضمان بعض المصالح، لتخلّصها من مستنقع لم تعد قادرة على البقاء فيه ولا تريد أن تخرج منه محرجة أو مكسورة، وبذلك تصبح واحدة المتحكم الأول والأخير والوحيد بالملف السوري.
فالحلّ، من وجهة نظري اليوم، بات قريباً، وتحديد موعد رحيل الأسد لم يعد بعيداً على الإطلاق، إذا ما وعت المعارضة السورية وحلفاؤها الدوليين هذه التداخلات وقدموا لموسكو بديلاً مقبولاً شعبياً ودولياً عن الأسد، ليصبح موعد الرحيل عندها أقرب مما نتخيل، فلم يعد من مصلحة أحد الاستمرار في دوامة هذه المعضلة المتعقدة يوماً بعد آخر.
مزن مرشد
العلامات
قد تحب أيضا
كاريكاتير
من وحي الساحات في سوريا
- December 19, 2024
من وحي الساحات في سوريا
ليفانت-خاص
تقارير وتحقيقات
الصحة|المجتمع
منشورات شائعة
النشرة الإخبارية
اشترك في قائمتنا البريدية للحصول على التحديثات الجديدة!